فرنسا تتعلم أن تقــول نعــم

 

فيليب غوردن

 

 

في ظل حكم سـاركـوزي المؤيـد لأمـريكــا، تتبـع بــاريس سيـاســة خارجــيـة ثـوريـة

يروق لبرنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي الجديد الذي يحظى بشعبية كبيرة أن يقول: "لقد طوينا صفحة الماضي" وهو يعني بذلك التوتر الذي كان قائما بين فرنسا والولايات المتحدة، والمنافسة التاريخية التي بلغت ذروتها قبل بضع سنوات بسبب غزو العراق. والآن، في ظل حكم الرئيس نيكولا ساركوزي المؤيد الكبير لأمريكا، يبدو أن باريس تعلن أنها لن تسعى بعد الآن إلى تقويض نفوذ الولايات المتحدة من باب المبدأ وحتى فيما ينأى القادة الأوروبيون الآخرون بأنفسهم عن القوة العظمى غير الشعبية، تتبع فرنسا سياسة خارجية ثورية قد تغير العلاقة عبر الأطلسي.

منذ بداية رئاسته في مايو الماضي، أوضح ساركوزي أنه لن يخشى التحالف مع الولايات المتحدة عندما يكون ذلك لمصلحة فرنسا. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أصبح من الواضح أنه عنى ما قاله.

برز المؤشر الأول والأكثر أهمية عندما زار كوشنير العراق بشكل غير متوقع في أغسطس. قبل تلك الرحلة، كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن حرب العراق خطأ فادح كانت فرنسا قد حذرت من مغبته» وأن مسؤولية تصحيح الخطأ تقع على الولايات المتحدة وحدها.

الآن يقول كوشنير إنها مشكلة مشتركة» وإن "فرنسا مستعدة للعب دور". في الوقت الحاضر، قد يقتصر هذا الدور على الوساطة الدبلوماسية، وتقديم المشورة التقنية أو المساعدات الاقتصادية للحكومة العراقية. لكن التناقض مع الماضي واضح.

وكذلك موقف باريس الجديد بشأن إيران. الشهر الماضي، أصر ساركوزي على أن تسلح إيران النووي "غير مقبول"، محذرا من أن المجتمع الدولي سيواجه خيارا بين "قنبلة إيرانية وقصف إيران" إذا لم تعالج المشكلة بجدية. بعد بضعة أسابيع، شدد كوشنير من جديد على تلك الرسالة، قائلا إن العالم يجب أن "يكون مستعدا للأسوأ"» وأن الأسوأ هو "الحرب" ومنذ ذلك الحين، أوضح كلا الرجلين أنهما لا يدعوان إلى تدخل عسكري بل يشيران ببساطة إلى عواقب الأزمة الدبلوماسية.

قد تكون هذه التحذيرات محاولة باريس لتشجيع حلفائها الأوروبيين المترددين على الترحيب بالاقتراح الفرنسي الجديد الذي يدعو إلى فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة على إيران، من دون اللجوء إلى الأمم المتحدة، حيث من المرجح أن تعارض روسيا والصين فرضها.

لكن هذا الاقتراح والخطاب كانا غير واردين في عهد جاك شيراك، سلف ساركوزي الداعي إلى اتخاذ قرارات بالتوافق بين مختلف الأطراف. كما أن ساركوزي ابتعد عن مقاربة شيراك من خلال دعوة كبرى الشركات الفرنسية إلى عدم الاستثمار في إيران.

والأمر الجديد أيضا هو دعوة باريس لإقامة علاقة جديدة مع حلف شمال الأطلسي (ناتو). لقد قال ساركوزي، مكررا رغبة فرنسا القديمة في تطوير قدرة دفاعية أوروبية، إنه يريد التقرب من حلف الناتو في الوقت نفسه كما أنه ألمح إلى أن فرنسا قد تنضم من جديد إلى الهيكلية القيادية العسكرية الموحدة للحلف، التي انسحب منها الرئيس شارل ديغول عام 1966. ساركوزي يجادل بأن حلفاء فرنسا الداعين إلى علاقات جيدة عبر الأطلسي لن يثقوا بها بالكامل طالما أنها لاتزال بعيدة عن حلف الناتو.

مؤكدا أن لعب دور أكبر في الحلف سيمنح باريس نفوذا أكبر في منظمة تساهم فيها فرنسا بعدد من الجنود أكثر من أي عضو آخر. إنه محق. فالعودة عن معارضة ديغول، التي بدأت قبل أكثر من أربعة عقود، للاندماج مع الناتو سيكون لها معان رمزية مهمة وتبعات عملية متعددة بالنسبة إلى الجيش الفرنسي.

هذه الخطوات ـــ وغيرها، مثل دعم ساركوزي الشديد لإسرائيل ـ لا تضمن المودة الدائمة بين باريس وواشنطن. فالصحافة الفرنسية والمعارضة البرلمانية تتكلمان بسخرية عن "ساركوزي الأمريكي"، والمنشقون داخل وزارة الخارجية الفرنسية يستهزئون بكوشنير ومستشاريه باعتبارهم من "المحافظين الجدد"» وهي إهانة كبــــيرة في فرنسا. التعاون ليس مضمونا من نواح كثــــيرة: إذا غرق العراق في حرب أهلية بعد الانســـحاب الأمريكي مثلا، سيقع اللوم على الأمريكيين مجددا.

وستلقى أي ضربة عسكرية أمريكية لإيران معارضة عنيفة من الشعب الفرنسي. وفي الوقت نفسـه، قد تفشل إعادة الاندماج مع الناتو أيضا إذا طالبت فرنسا بتعويض عن ذلك من خـلال مراكز قيادية عالية للضــباط الفرنسيين» مثلما فعلت عام 1996.

ومع ذلك، أظهر ساركوزي استعداده للقيام بالأمور بشكل مختلف واتخاذ مجازفات. إنه يفترض أن المشاعر الفرنسية المناهضة لأمريكا ليست عميقة أو منتشرة بقدر ما يشاع، وقد يتبين أنه محق. فضلا عن ذلك، فإن للرئيس الفرنسي نفوذا كبيرا في السياسة الخارجية. ساركوزي - بمساعدة كوشنير (وهو قائد سابق للحزب الاشتراكي المعارض) والتغطية السياسية التي يقدمها له - يبدو عازما على استغلال هذا النفوذ. والفصل التالي من العلاقات الفرنسية الأمريكية لم يكتب بعد. لكن من المؤكد أن الصفحة قد طويت.

*غوردن عضو مهم معني بالسياسة الخارجية الأمريكية في معهد بروكينز. إنه مؤلف Winning the Right War (الانتصار في الحرب الصائبة) وقد ترجم كتاب نيكولا ساركوزي  Testimony )شهادة) إلى اللغة الإنجليزية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:نيوزويك