أميركا.. وزمن
التحالفات الجديدة
جيمس جينز
بعد أن أصبح
الحليف الأكبر صديقاً خيالياً
ما هي الدولة الأقرب في الصداقة مع
أميركا، بريطانيا أم فرنسا؟ يجيب الأميركيون بنوع من الحيرة والتردد،
لأنهم دأبوا على تغيير جوابهم طيلة القرنين الماضيين. وعلى أي حال
يعتبر التردد أمراً مفهوماً بالنظر إلى التاريخ المشترك بين أميركا
والبلدين وما تخللته من حروب، وسادته من علاقات دافئة وفترات سلام.
لكن في الانتخابات الرئاسية السابقة
كان الجواب واضحاً، فقد أظهرت محاولات الجمهوريين التشهير بالمرشح
الديمقراطي ''جون كيري'' ونعته بـ''الفرنسي'' أين تتجه مشاعر
الأميركيين. فقد جعلت الحرب في العراق من رئيس الوزراء البريطاني
''توني بلير'' رجل دولة وبطلا حقيقيا في أنظار الأميركيين، بينما حولت
البطاطس المقلية الفرنسية إلى بطاطس الحرية.
واليوم وفي خضم الحملة الانتخابية
لعام 2008 يسعى أحد الاستراتيجيين الجمهوريين إلى إعادة إحياء السبة
الفرنسية مجددا، وهذه المرة ضد المرشحة ''هيلاري كلينتون''، ويبدو أن
التشهير بالاشتراكيين وأكلة الجبن الفرنسي يُغري مسؤولي الحزب الجمهوري
أكثر من غيرهم.
بيد أن التشهير بالفرنسيين واتخاذهم
سبة من قبل الجمهوريين ضد خصومهم السياسيين، أصبح خارج السياق، بالنظر
إلى تبادل الأدوار بين بريطانيا وفرنسا، واحتلالهم مواقع مختلفة من
قلوب الأميركيين. فتحت رئاسة ''نيكولا ساركوزي'' -
صاحب الأجندة الحافلة بالبرامج والأنشطة
- لم تعد فرنسا ذلك البلد القديم الذي نعرفه، في الوقت الذي
يتجه فيه رئيس الوزراء البريطاني ''جوردون براون'' إلى تقمص الدور
التقليدي الذي كان يلعبه الرئيس الفرنسي السابق ''جاك شيراك''.
فقد حذر أحد أعضاء حكومة ''براون''
أمام مسؤولين كبار في واشنطن، من أن الوقت الذي كانت فيه مكانة الدول
''تقاس بما تستطيع تدميره قد ولى، وعلينا تشكيل تحالفات جديدة''.
ولم يضع وزير خارجية بريطانيا الجديد
-المعروف بمعارضته للحرب في العراق- وقتاً طويلا في التأكيد على ضرورة
''بناء بريطانيا لتحالفات جديدة تتعدى العلاقات الثانية للشراكة
التقليدية''ففريق ''جوردون براون'' يسعى إلى وضع سياسة خارجية مستقلة
عن نظيرتها الأميركية، حسب ما ذكره مصدر بريطاني مطلع في واشنطن إلى
صحيفة ''الجارديان''.
وبموازاة ذلك انتقلت بريطانيا في
العراق من ''القتال إلى المراقبة'' كما عبر عن ذلك رئيس الوزراء في
ثلاث محافظات عراقية، ويبدو أنها تستحث الخُطى لإنهاء مهمتها الأمنية
في المحافظة الرابعة. ولا يخفى أيضا الموقف البريطاني من اللجوء إلى
الخيار العسكري ضد إيران الذي لا يخلو من تحفظ؛ وبالطبع تساهم هذه
الأجواء، التي تسعى المؤسسة الرسمية البريطانية إلى تكريسها في علاقتها
مع الولايات المتحدة، في تأجيج التعليقات المناهضة لأميركا، حيث كتب
أحد المعلقين البريطانيين أن أميركا ''صديق خيالي'' وأضاف آخر أن
الخطوط والنجوم في العلم الأميركي إنما هي مستمدة من العلم البريطاني.
بعيداً عن ذلك، يبرز الرئيس الفرنسي
''نيكولا ساركوزي'' الذي اختط لنفسه طريقاً مختلفاً، وصفها أحد
المعلقين في الأسبوع الماضي على أنها ''ثورة فرنسية'' جديدة؛ والواقع
أنها قد تكون أيضا ''ثورة أميركية'' جديدة. لقد أثارت سياساته الداخلية
غضب الاشتراكيين وقادة النقابات، بعد أن قلص ثلث الوظائف العمومية،
وقرر مكافأة الإنجاز والأداء، وتشجيع الإقبال على ساعات العمل الإضافي،
والحد من قانون 35 ساعة عمل في الأسبوع بشتى الوسائل الممكنة، وسعى إلى
عقلنة نظام المعاشات بالنسبة لنصف مليون موظف، فضلا عن التركيز على
أهمية العمل وجعله محور الحياة الفرنسية، ثم الإشادة والثناء على الذين
''يستيقظون باكرا'' على حد قول ''ساركوزي''. ورغم موقفه المتشدد من
الهجرة غير الشرعية، إلا أنه يشجع في الوقت نفسه على اندماج مسلمي
فرنسا في الحياة الاقتصادية من خلال ما يعرف بالتمييز الإيجابي
لصالحهم.
أما في السياسة الخارجية فقد تبنى
''ساركوزي'' مواقف أميركا في حديثه عن إيران، حيث حذر من أن الخيار
سيكون بين ''القنبلة الإيرانية، أو إلقاء القنابل على إيران''. وأضاف
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأسبوع الجاري، بأن
حيازة إيران للسلاح النووي ستشكل ''خطراً على استقرار المنطقة والعالم
لا يمكن قبوله''. وفي تصريح أدلى به إلى ''نيويورك تايمز'' قال: ''إني
أريد أن أقول للشعب الأميركي، بأن الفرنسيين هم أصدقاء لهم''، مضيفاً
''نحن لسنا مجرد حلفاء، بل نحن أصدقاء للأميركيين''. ومع أنه أقر بوجود
''أقلية من النخبة الفرنسية'' مناهضة لأميركا، لكنه أكد بأن ذلك ''لا
ينسجم مع مواقف الشعب الفرنسي''.
من إجازته التي قضاها في
''نيوهامبشر'' في أميركا، الى إعلان دعمه لإسرائيل، وعدم تسامحه مع
مشاعر العداء للسامية في فرنسا؛ ومن اعتناقه لسياسة اقتصاد السوق إلى
احترامه للطموح والنجاح، يبدو ''ساركوزي'' أميركيا أكثر من الأميركيين
أنفسهم والأكثر من ذلك أنه يسعى إلى إصلاح
التغطية الصحية في فرنسا التي تعتبر أحد أكثر القطاعات حساسية في
السياسة الداخلية.
ومع أن التفاصيل لم تكشف بعد، إلا أنه من المرجح أن
تكون النتيجة أقرب إلى مقترحات ''هيلاري كلينتون'' منها إلى مقترحات
المرشح الجمهوري ''رودولف جولياني''، رغم أن المواقف الصارمة
لـ''ساركوزي'' دفعت الكثير من الأميركيين إلى نعته ''برودي الفرنسي''
واعتمادا على نتائج الإضراب الذي سينظم في فرنسا خلال الشهر المقبل
سيتحول ''ساركوزي'' إما إلى ضحية أخرى للركود السياسي الفرنسي، أو إلى
بطل وطني. أما إذا نجح ''ساركوزي'' في انتزاع اللقب الأخير -
وهو الأرجح - فعليكم أن تتصوروا
''هيلاري كلينتون'' و''رودولف جولياني'' يتنافسان على، إيهما يشبه
''ساركوزي''؟!
*كاتب ومحلل سياسي أميركي
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس
مونيتور''-30-9-2007
|