"التريومفيرا"أو ثالوث القوى وملامح أوربية جديدة

 

 

د. محمد مسلم الحسيني

 

 

كلمة" التريومفيرا"، تعني باللغة اللاتينية القديمة ثالوث القوى، وهي أشبه ما تكون بالمعاهدة أو الإتفاق. حيث تتحد ثلاث قوى متوازية بالقوة والنفوذ والهدف من أجل تكوين نواة سياسية أو عسكرية قوية ومتينة لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية مشتركة بينها.

وقد أستخدمت هذه الكلمة منذ زمن طويل يمتد في أعماق التأريخ، حيث أن التريومفيرا الأولى قد دونها التأريخ منذ (60) عاما قبل الميلاد، إذ أقام ثلاثة قادة رومانيون، يشتركون بنفس الرؤى والأهداف ومتوازون في قوتهم ونفوذهم، حلفا مشتركا بينهم لإنشاء قوة عسكرية جبارة تستطيع توحيد الدولة الرومانية وتبسط نفوذها وتردع المهاجمين عنها. وهؤلاء القادة هم سيزار وبومبة وكراسوس.

استمرت سلالة التريومفيرا بعد ذلك، فحصلت التريومفيرا الثانية والثالثة والعاشرة والمائة والألف....الخ، وامتدت سلسلة التريومفيرات غير المنتهية إلى عصرنا هذا، وكان من بين هذه التحالفات الثلاثية في تأريخنا الحديث، التحالف السياسي الذي حصل في الإتحاد السوفيتي السابق بين الزعماء الروس الثلاث، وهم: بريجينيف وكوسيكن وميكويان، وقد ترجمت كلمة التريومفيرا إلى اللغة الروسية، وأطلق عليها (الترويكا) الروسية.

وتتشكل هذه الأيام، حسبما يبدو للمحللين السياسيين، ملامح تريومفيرا جديدة في تاريخنا المعاصر بين ثلاث زعماء أوربيين غربيين، يتقاربون في نفوذهم وقوتهم ويشتركون في أهدافهم ورؤاهم، وهم: نيكولا ساركوزي (رئيس فرنسا الجديد)، كوردن براون (رئيس حكومة بريطانيا القادم) وأنجيلا ميركيل (مستشارة ألمانيا الحالية). وهذا الثالوث القوي المتكون من أقوى وأكبر دول أوربية غربية، سوف يعطي زخما هاما لأوربا جديدة، تتمتع بخصائص متميزة.

وإن تطابقا هاما في الرؤى السياسية العامة يتبلور بين هؤلاء الزعماء الثلاثة، وهذا التطابق التأريخي، الذي لم يحصل من قبل، يتمحور في النقاط التالية:

1- هناك تطابق واضح في وجهات النظر الاقتصادية بين الزعماء الثلاثة، حيث يسعون إلى إنشاء سوق اقتصادي ديناميكي، حر، وقوي مع التحفظ والحذر في طرق التعامل.

وهذا ما يلاحظه المتتبع لتصريحات الزعماء الثلاثة في هذا المجال، خلافا لتباين الرؤى المستمر بين توني بلير وجاك شيراك في معالجة المحور الاقتصادي الأوربي، وخصوصا مسألة المساعدات الزراعية الأوربية.

2- وثمة تطابق واضح وصريح في الرؤى المستقبلية للزعماء الثلاثة نحو مسائل حساسة وهامة في إطار السياسة الخارجية ومستقبل علاقات بلدانهم مع العالم الخارجي، حيث إن هناك تطلعا مشهودا لإقامة علاقات ودية وحميمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا خلافا لسياسة شيراك المعارضة لبعض سياسات أمريكا خصوصا تلك المتعلقة باجتياح العراق، كما لم تكن آراء مستشار ألمانيا السابق شرويدر مختلفة كثيرا عن آراء جاك شيراك الغاضبة على السياسة الأمريكية بشكل عام.

ورغم التحفظ والحذر الواضح لقادة أوروبا الجدد إزاء سياسات بوش بشكل عام، إلا أن المراقب السياسي يتوقع ازدهار علاقات هذه البلدان مع أمريكا بكل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما يتوقع المراقبون السياسيون بأن تفاهما أوربيا ـ أمريكيا قد يحصل إزاء المسائل العالمية الساخنة، وأن توافقا واضحا في الرؤى والأفكار بين هذين العملاقين نحو قضايا العالم العالقة، سيكون السمة المميزة لولادة هذه التريومفيرا الجديدة.

3- لا يسعى هؤلاء الزعماء إلى أوربا متسرعة، ولا يريدون الوحدة الأوربية بأغلى ثمن، بل يسعون إلى أوربا متوازنة، رصينة ومقبولة من قبل شعوبهم . يريدون أوروبا موحدة بإيجابياتها وليس بسلبياتها، فهم يسعون إلى تمرير معاهدة أو اتفاق أوربي كبديل للدستور الأوربي الذي رفضته قطاعات واسعة من شعوبهم.  

كما أن هؤلاء الزعماء يشتركون في نفس الأفكار التي تعتز بالهوية الوطنية لبلدانهم، ولا يريدون الانصهار الكامل في وعاء أوربا الجديدة.

أما وجهة نظرهم إزاء انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوربي، فهي متشابهة أيضا، حيث لا يعتبر هؤلاء القادة تركيا، جزءا حقيقيا في الجغرافية الأوربية، فلماذا تصبح عضوا فيها!؟

ويمكن القول إن إمكانية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوربي اليوم، قد أصبحت أبعد من أي وقت مضى في ظل التريومفيرا الجديدة!

كما يذهب المتابع الصحفي والسياسي في سرده للتوافق الحاصل بين آراء هؤلاء القادة في الشؤون السياسية والمسائل العامة المختلفة إلى أكثر من ذلك، حيث يكتشف توافقا غريبا في الصفات الشخصية بين ساركوزي وبروان، فكلاهما حاد المزاج ويغضب بسرعة، وكلاهما غير صبور وسلطوي، وكلاهما حاذق وقوي الشخصية، وكلاهما متعصب لرأيه وفكره، وفوق كل هذا وذاك، فإنهما يمارسان الطقوس الدينية ومتحمسان لتعاليم دينهم، كما أن كلا منهما قد تسنم وزارة المالية والاقتصاد في بلده، واكتشف الدبلوماسيون سمات التوافق بين هذين الزعيمين، حينما اجتمعا معا كوزيرين للمالية والاقتصاد لبلديهما عام 2004م.

ومهما كانت شدة الأواصر وقوتها بين أقطاب هذا التحالف الجديد، فإن المواطن العربي بشكل خاص والمسلم بشكل عام، ينظر بعين الترقب والحذر إلى أحداث العالم القادمة في ظل هذه التريومفيرا، حيث إن سياسة أوربية جديدة ربما تختلف عن السياسة التي عهدناها في الماضي تجاه العرب والمسلمين، وهي في طور الولادة والمخاض من رحم تريومفيرا ساركوزي، بروان وميركيل، فبماذا ستتسم هذه السياسة!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:مجلة العصر-16-6-2007