الأقمار الاصطناعية... أداة جديدة لتعزيز قوة الصين "الناعمة"

 

جيم ياردلي

 

 

تشعر الصين منذ سنوات بالغضب ونفاد الصبر حيال الجهود الأميركية الرامية إلى إقصائها من عضوية كاملة في نادي الفضاء العالمي النخبوي. وعلى هذه الخلفية، يبدو أن الصين قد تمكنت مؤخراً من إيجاد حل لهذا التهميش، يتمثل في إنشاء ناد جديد؛ حيث تسعى بكين اليوم إلى أن تساعد البلدان النامية بخصوص مشاريع الفضاء - وهي البلدان نفسها، في بعض الحالات، التي تتطلع الصين إلى مواردها الطبيعية هنا على كوكب الأرض .

ولعل آخر وأبرز مثال على ذلك هو ذاك الذي جاء الأسبوع الماضي عندما قامت الصين بإطلاق قمر اصطناعي للاتصالات لصالح نيجيريا، التي تعد منتجاً كبيراً للنفط، في مشروع يُعد مثالاً لتحول الفضاء إلى مجال آخر من المجالات التي تحاول فيها الصين ممارسة "قوتها الناعمة".

ولم تكتف الصين بتصميم وصنع وإطلاق القمر الاصطناعي لصالح نيجيريا، بل إنها ذهبت إلى حد منحها قرضاً كبيراً للمساعدة على تسديد الفاتورة.

كما وقعت عقداً آخر لإطلاق قمر اصطناعي مع منتج كبير آخر للنفط هو فنزويلا وإضافة إلى ذلك، تقوم الصين حالياً بتطوير أقمار اصطناعية لمراقبة الأرض لصالح بنغلاديش، وإندونيسيا، وإيران، ومنغوليا، وباكستان، والبيرو، وتايلاند.

كما أسست منظمة للأقمار الاصطناعية في آسيا وفي هذا الإطار، يقول "شين دينغلي"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "فودان" بشنغهاي: "لقد بدأت الصين في تسويق وبيع هذه التكنولوجيا للبلدان النامية التي تحتاجها"، وحول الصفقة مع نيجيريا أضاف قائلاً: "إنها تجسد متانة العلاقات الصينية- الأفريقية. فالصين لا تشتري المواد الخام فحسب، وإنما تبيع أشياء أيضاً".

بالنسبة للصين، تقوم الاستراتيجية على مزيج من المصلحة الذاتية، والدبلوماسية، إضافة إلى طريقة ناجحة وفعالة لاقتحام سوق الأقمار الاصطناعية وحسب المحللين، فإن الأقمار الاصطناعية أصبحت رمزاً للمكانة الدولية وضرورة تكنولوجية بالنسبة للكثير من البلدان التي ترغب في موطئ قدم لها في العالم الرقمي، الذي يهيمن عليه الغرب. وفي هذا السياق، يقول "بيتر براون"، الصحفي المتخصص في تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والمعروف بكتاباته حول سوق الأقمار الاصطناعية في آسيا: "من الواضح أن ثمة بلدانا مثل نيجيريا تسعى إلى أن يكون لها حضور أكبر في الفضاء"، مضيفاً "إذا ما نظرنا في الخريطة، سنلاحظ أن عدداً متزايداً من البلدان يقوم بإطلاق أقمار اصطناعية".

تقوم أهم أهداف الصين الفضائية، التي تشمل صنع مسبار فضائي لكوكب المريخ وإرسال رائد فضاء إلى القمر، على النموذج الأميركي، حيث تقوم الاكتشافاتُ الفضائية بتعزيز الشعور بالفخر الوطني والتطور التكنولوجي. وعلاوة على ذلك، ترمي بكين في الوقت نفسه إلى التنافس ضمن قطاع صناعة الأقمار الاصطناعية التجارية في العالم الذي يبلغ رقم معاملاته 100 مليار دولار.

وقد تمكنت الصين خلال السنوات الأخيرة من جذب زبائن لها بفضل انخفاض كلفة خدمات إطلاق الأقمار الاصطناعية.

غير أنها لم تُظهر أبدا التجربة التقنية التي تؤهلها للتنافس على عقود دولية لصناعة أقمار اصطناعية.

والحال أن الصفقة مع نيجيريا غيَّرت كل ذلك؛ حيث قام المهندسون الصينيون بتصميم وصنع القمر الاصطناعي الخاص بالاتصالات المسمى "نيكومسات-1"، الذي ستتولى مراقبته مؤسسةُ "السور العظيم"، وهي شركة فضائية مملوكة للدولة، انطلاقاً من محطة أرضية في شمال غرب الصين. كما ستقوم بتدريب المهندسين النيجيريين على إدارة محطة للرصد في العاصمة أبوجا.

تعد نيجيريا زبوناً ينطوي على خطر كبير بالنسبة لأي مُصنِّع للأقمار الاصطناعية؛ حيث تصنَّف من قبل المنظمات الدولية باعتبارها واحدة من أقل الدول شفافية في العالم. وفي هذا الإطار، يقول "روج روش"، رئيس شركة "تيل آسترا"، وهي شركة للأقمار الاصطناعية في كاليفورنيا: "أقل ما يمكنني قوله هو إن المعاملات التجارية مع نيجيريا صعبة".

وكانت نيجيريا قد أعلنت عن المناقصة بخصوص مشروع القمر الاصطناعي في أبريل 2004. وحسب "أحمد رفي"، المدير النيجيري للمشروع، فقد تسلمت نيجيريا بـ21 عرضاً من شركات فضائية كبرى، غير أن جميعها تقريباً لم تكن تستوفي شرطاً رئيسياً، يتمثل في التغطية المالية، مضيفاً أن الشركات الغربية كانت تنظر إلى نيجيريا باعتبارها مجازفة. وبخصوص إحدى المؤسسات المالية التي تم الاتصال بها من أجل دعم المشروع، يقول "رفي":"لقد كان جوابهم فاتراً جداً. قالوا: "آه، نيجيريا، لا ينبغي الاقتراب منها".

بالمقابل، لم تبدِ الصين أي حذر أو تحفظ. فإذا كان سعر القمر الاصطناعي النيجيري يبلغ 300 مليون دولار تقريباً، فقد وافق "البنك الصيني للصادرات والواردات" على منح "أبوجا" قرضاً بقيمة 200 مليون دولار. ويذكر هنا أن البنك كثيراً ما يقوم بتوفير العملة الصعبة لخدمة تطلعات الصين بخصوص القوة الناعمة؛ وفي هذا السياق، تفيد إحدى الدراسات بأن البنك منح خلال السنوات الأخيرة دولاً أفريقية قروضاً تزيد على 7 مليارات دولار.

غير أن "جوان جونسون فريسي"، رئيسة كلية دراسات الأمن القومي بجامعة "نافال وور كوليدج"، تقول إن الصين ما زالت في ذيل شركات الفضاء الكبرى من حيث الجودة ومستوى تطور الأقمار الاصطناعية، وهو أحد أسباب تركيز الصين على البلدان النامية؛ إلا أنها أضافت أن الاستراتيجية تقوم على مستويات مختلفة.

وفي هذا السياق، تقول "جونسون فريسي" في حوار أُجري معها في وقت سابق من هذا العام : "إنهم يرغبون في لعب دور قيادي بالنسبة للبلدان النامية التي تريد الذهاب إلى الفضاء"، مضيفة "إنها عمليةٌ طرفاها رابحان .

وإضافة إلى ذلك، فهي تتيح لهم نسج علاقات سياسية، وتفيدهم في الصفقات النفطية، وتُدر عليهم العملة الصعبة التي يستعملونها لتمويل برامجهم وجعلها أقوى من حيث التنافسية التجارية".

*مراسل "نيويورك تايمز" في بكين

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"