واشنطن وضرورة التركيز على عناصر النجاح في العراق
برينت سكوكروفت
يمكن للانتخابات التي جرت في العراق في ديسمبر الماضي أن تثبت أنها كانت حدثا جوهرياً· فالبرلمان الذي جرى انتخابه الشهر الماضي، سيختار رئيساً ورئيس وزراء، مقدماً للعراق أول حكومة منتخبة بموجب دستور· وهناك احتمال كبير أن تسعى هذه الحكومة- أو على الأقل ترحب- بحدوث تغيير في طبيعة الوجود العسكري الأجنبي· علاوة على ذلك، فإن الرئيس بوش قد أوضح بجلاء أن تلك الحكومة، ستكون بحاجة إلى تحمل مسؤوليات متزايدة في إعادة بناء البلد سياسياً واقتصادياً، وفي الوقت ذاته يتولى الجيش العراقي مسؤوليات متزايدة لهزيمة التمرد· وقد سبق تلك الانتخابات وصاحبها سجال انفعالي مرير في الولايات المتحدة بشأن مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق· وقد يوفر تزامن هذين الحدثين (الانتخابات والسجال) فرصة فريدة لمراجعة دور القوات العسكرية الأجنبية والمجتمع الدولي في العراق، في الوقت الذي يخطو فيه هذا البلد خطواته التالية التي ستعود به مرة ثانية إلى مجتمع الدول· ويمكن لهذه المراجعة أن تبدأ بسهولة، بمجرد الرجوع لأسئلة المؤرخين عن كيف ولماذا ذهبنا إلى العراق· ومهما كانت الأسئلة التي ستتبقى بعد ذلك، فإن الأمر المؤكد أننا موجودون هناك بالفعل بقواتنا، وأن الموضوع الجوهري الذي يواجهنا الآن هو كيف نتحرك إلى الأمام بأقصى فاعلية ممكنة· والمخاطر التي تواجه الولايات المتحدة والعالم بأسره في هذا الشأن هائلة· فالعراق يقع في قلب منطقة تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لرفاهية المنظومة العالمية، كما أنه محاط بدول تهتم اهتماماً شديداً بطبيعة ومستقبل هذا البلد وحكومته· وهناك عنصران -على الأقل- ضروريان لتحقيق النجاح في العراق· الأول وجود حكومة مركزية تحقق مطالب الناس، وتظهر قدراً كافيا من الاهتمام بحقوق الأقليات لكسب ولائها، كما تظهر كذلك تصميما للعيش في سلام مع الدول المجاورة· أما العنصر الثاني فهو وجود مؤسستين واحدة عسكرية والثانية أمنية على درجة عالية من الكفاءة والانضباط، يكون ولاؤهما في المقام الأول للحكومة المركزية فقط وليس لفئة أو طائفة· والسؤال الجوهري المطروح على الولايات المتحدة هو: ما هي نوعية السياسة التي يرجح أنها ستؤدي أكثر من غيرها إلى إنتاج مثل هذه المحصلة، والتي يمكن لها أن تقوم بذلك بتكلفة يكون الشعب الأميركي على استعداد لتحملها؟ ونوعية ''الأجوبة'' المقترحة حتى الآن على مثل هذه الأسئلة تقع في فئتين عريضتين: مقترحات ''الانسحاب'' التي تتراوح ما بين الانسحاب الفوري أو ''تحديد موعد معين'' لذلك الانسحاب· ومقترحات النجاح التي تتراوح ما بين'' مواصلة المهمة'' وزيادة عدد القوات الموجودة هناك· والفئة الأولى من المقترحات تضع أهمية أساسية على تخفيض التكاليف البشرية والمادية التي تتكبدها الولايات المتحدة في العراق· أما الفئة الثانية من المقترحات، فتركز على مدى أهمية تحقيق النجاح· بيد أن الافتراض في هذه الحالة هو أن الشعب الأميركي سيظل مستعدا لتحمل أعباء حرب العراق إلى ما لانهاية· والتحدي الحقيقي في هذا الصدد ليس هو المفاضلة بين هذين الخيارين ولكن انتقاء الخيار الذي (يعتقد) أنه سيحقق أكثر من غيره مصالح الولايات المتحدة العامة وهو خيار النجاح، وهو الخيار الأكثر قبولاً باعتباره سيؤدي إلى تقليص التكلفة والخطر· ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة خطوات يتم بها جعل الوجود العسكري الأجنبي في العراق ذا طبيعة أكثر ''استشارية'' و''دولية'' وهو النهج الذي سعت إليه الولايات المتحدة في أفغانستان· ويمكن في هذا الصدد أن يطلب من الأمم المتحدة أن تتبنى دوراً أكبر في توفير مظلة سياسية ذات طبيعة أكثر ''دولية'' وخبرة في بناء المؤسسات والبرامج والهياكل، والتنسيق فيما بينها· ويجب أن نذكر هنا أن الأمم المتحدة قد لعبت دوراً كبيراً عقب سقوط نظام صدام حتى أدى تفجير مقرها هناك إلى خروجها من العراق· كما يجب علينا ألا ننسى أيضا أن قوات التحالف موجودة حالياً في هذا البلد بناء على قرار من مجلس الأمن، وأن موظفي الأمم المتحدة قد لعبوا دوراً بارزاً في إدارة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق· ولكن يجب أن ندرك أن وجود الأمم المتحدة بهذا الشكل الكبير يحتاج إلى قوات أمن مخلصة لمنع تكرار كارثة 2003( تفجير مقر الأمم المتحدة)· ومثل هذه القوات يمكن توفيرها بواسطة ''الناتو'' أو غيره· فالظروف السائدة بعد الانتخابات، وزيادة دور الأمم المتحدة في العراق يمكن أن يوفرا الأساس الذي يمكن الاعتماد عليه في مطالبة دول مثل الهند وباكستان وبنجلاديش والمغرب ومصر بتقديم قدرات أمنية وتدريبية في مختلف أنحاء العراق بهدف زيادة الوتيرة التي يمكن بها تطوير وقيام دولة مستقرة وتقدمية في بلاد الرافدين· ويمكن لبعض الدول العربية أن تقدم دعما ماليا لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة تأهيلها، علماً بأن وجود مثل هذه القوة قد يقنع بعض أعضاء التحالف الحالي بالمشاركة فيها، كما أنه يمكن أن يمكنها- مع مزيد من التحسن في الأحوال- من الاضطلاع بمهام حفظ سلام كتلك التي قامت بها بكفاءة في الماضي، مما يسمح بإعادة هيكلة مهمة الولايات المتحدة في العراق، وتخفيض أعداد قواتها هناك· الأمر المؤكد هو أن السجال الدائر حالياً، يمكن له إذا ما تم تدبره بعناية، أن ينتج مزيدا من مسارات العمل· ولكن الأمر الذي يفوق ذلك في الأهمية هو أننا يجب أن نركز على تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأطول أمداً في العراق، وكذلك على الطريقة الأفضل التي يمكن بها تحقيق تلك الأهداف، بتكلفة يمكن لنا تحملها· وكل ذلك بحسب راي برينت سكوكروفت في المصدر المذكور. المصدر لوس انجلوس تايمز 18-1-2004
|