الدعم الصيني لأفريقيا... نعمة أم نقمة؟

 

 

بيتر فورد

 

في الوقت الذي كان الحاضرون في الاجتماع السنوي لبنك التنمية الأفريقي يحتفلون في مدينة شنغهاي الصينية الأسبوع الماضي بالطفرة التي تعرفها مساعدات الصين وتجارتها مع أفريقيا، كاد وزير المالية الكيني يخرج عن إطار الدبلوماسية حين قال لزملائه الوزراء:"السؤال الذي ينبغي أن نطرحه" في هذا الوقت الذي تضخ فيه الصين مليارات الدولارات في أفريقيا وتُقبل فيه على نفطها ومعادنها، "هو "هل هذا نعمة أم نقمة؟".

في اجتماع آخر أصغر وأكثر حميمية، عُقد على هامش مؤتمر بنك التنمية الأفريقي، التقت منظمات المجتمع المدني الأفريقية والصينية للمرة الأولى بغية التخطيط لكيفية النهوض بهذه العلاقة التي أثارت جدلاً تجاوز حدود أفريقيا. والحال أن محاسبة الحكومة الصينية على سلوكها في أفريقيا مهمة ليست باليسيرة بالنسبة للمنظمات الصينية غير الحكومية التي ما زالت تجس النبض وتفتقر إلى التجربة الدولية. وفي هذا الإطار، يقول "وين بو"، وهو ناشط بيئي صيني: "المشكلة بالنسبة لنا- نحن الصينيين- هي أننا لسنا على علم بالمشاريع" التي تمولها بكين في أفريقيا، مضيفاً "أن الشعب الصيني لا يعلم ما تفعله الشركات الصينية هناك".

هذا أمر يثير قلق "تشارلز موتاسا"، رئيس "الشبكة الأفريقية للقروض والتنمية" غير الحكومية إذ يقول: "إن غياب مجموعات ضغط صينية تناضل من أجل حماية البيئة تجعل من كل نشاط صيني في أفريقيا أمراً يتطلب الكثير من الحذر"، نظرا لغياب منظمات من المجتمع المدني تراقب الحكومة والمستثمرين.

ومن جانبه، يقول "نيك يانغ"، الذي يترأس "مذكرة تنمية الصين"، التي تراقب تطور منظمات المجتمع المدني الصيني، إن المنظمات الصينية غير الحكومية ما زالت صغيرة وتعاني قيوداً سياسية. فإذا كانت المنظمات غير الحكومية الدولية تبحث عن نقاط تهاجم الحكومات بخصوصها، فإن معظم المنظمات الصينية غير الحكومية، يقول "يانغ"، "ستبحث عن النقاط التي تتفق مع الحكومة بشأنها وتبدأ من هناك. فهي محكوم عليها بأن تكون بناءة".

إضافة إلى ذلك، لا تولي الكثير من المنظمات الصينية غير الحكومية، ومعظمها تنشط في مجالات البيئة والصحة والحد من الفقر، اهتماماً بالعالم خارج حدودها، وذلك -يقول النشطاء- لأسباب تعزى في جزء منها إلى حقيقة أنها منهكَة بالمشاكل الكثيرة التي تواجهها في الداخل، ولأنها لا تعطى معلومات حول الأنشطة الصينية في الخارج. وفي هذا الإطار، يقول :"جاستين فونغ"، مؤسس "الجبال المتحركة"، وهي منظمة غير حكومية يوجد مقرها ببكين: "إنها خطوة كبيرة بالنسبة للمواطنين الصينيين كي يفكروا في مشاكل المزارعين الأفارقة". غير أنه بموازاة مع لعب الصين لدور أكبر وأهم على الساحة الدولية، فإن شعبها – يتابع فونغ- سيوسع آفاقه أيضاً إذ يقول "بالموازاة مع قيام الصينيين بدور أكبر كمواطنين عالميين، فإنهم سيصبحون أكثر انخراطاً في السياسة الخارجية".

وهو ما من شأنه أن يضيف بعدا جديدا إلى "التعاون جنوب- جنوب" - والمقصود به نموذج التنمية الذي تستفيد في إطاره البلدان الموجودة في النصف السفلي من الكرة الأرضية من بعضها بعضا عبر المساعدة التقنية وتعزيز التجارة. وكانت حكومات الكثير من البلدان النامية تأمل في أن يجنبها هذا التعاونُ السياساتِ الاقتصادية، التي تحركها المصالح الذاتية وتأتي- حسب البعض- من بلدان الشمال المتطورة.

اليوم، وفي وقت تتعهد فيه الصين بمضاعفة مساعداتها إلى نحو 12 مليار دولار بحلول 2009 وبعد أن ضاعفت حجم تجارتها مع أفريقيا عشر مرات بين 1999 و2006، لم يعد "التعاون جنوب- جنوب" من قبيل الأحلام. وفي هذا الإطار، يقول "والدن بيلو"، الأكاديمي الناشط من الفلبين، والذي عرف بدعوته إلى التقارب وتمتين العلاقات بين البلدان النامية إن إقبال الصين الكبير على الموارد الطبيعية يذكِّر "على نحو مقلق بالطريقة التي تعامل بها الغرب مع إفريقيا"، مضيفاً "ولذلك، فإن الكثيرين منا حذرون اليوم" بعد أن كانوا يتطلعون إلى عهد جديد من العلاقات الدولية.

في الكلمة التي ألقاها أمام المسؤولين الصينيين والأفارقة في الاجتماع، قال وزير المالية الجنوب أفريقي "تريفور مانويل": "إن الحل يكمن في الاستفادة المتبادلة"، مضيفاً "وإلا، فإن الوضع سيؤدي إلى بضع حفر على الأرضية حيث تم استخراج الموارد، وذهاب كل القيمة المضافة إلى الصين".

وإضافة إلى الادعاءات التي تفيد بأن الصين تُعامل أفريقيا بأسلوب اقتصادي كولونيالي جديد، يُتهم العملاق الشرقي أيضاً بدعم الحكام المستبدين، تماماً مثلما فعلت البلدان الغربية، وبعدم إبداء حس المسؤولية تجاه البيئة والمجتمع في استثماراته الأفريقية. وعلاوة على ذلك، تُتهم الصين أيضاً بالتخلف عن تشجيع الحكم الرشيد والإدارة الجيدة في أفريقيا لأنها تتعمد عدم رهن مساعداتها واستثماراتها بشروط، في مؤشر إلى التضامن جنوب- جنوب وعدم التدخل في شؤون الدول.

بالمقابل، يجادل "جيفري ساش"، الخبير الاقتصادي الذي يرأس "معهد الأرض"، وهو مؤسسة بحثية تعنى بشؤون التنمية يوجد مقرها في نيويورك، بأنه نظراً لتخلف المانحين الغربيين عن وعودهم بمضاعفة مساعداتهم لأفريقيا، ولسياسات البنك الدولي وصندوق التقدم الدولي المؤيِّدة للخصخصة التي أحبطت العديد من الزعماء الأفارقة، "فإن دخول الصين إلى الساحة بصفة عامة يوفر آفاقا واعدة"، مضيفاً أن بكين، وفي ظل تخلف القوى الغربية عن مساعدة الحكومات الأفريقية عن تمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى التابعة للقطاع العمومي، "تسد ثغرة كبيرة" على صعيد الاحتياجات. ويقول أيضاً: "قد ينتهي المطاف بالصين إلى القيام بأمور لا تساعد، غير أن الأرجح أن حضورها بصفة عامة أمر مفيد".

*مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في شنغهاي- الصين

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-22-5-2007