أفريكوم: قيادة عسكرية أمريكية جديدة لأفريقيا

 

 

يحيى عبد المبدي

 

أعلن روبرت غيتس Robert Gates وزير الدفاع الأمريكي في السادس من فبراير الماضي أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ أن الرئيس بوش قد اعتمد قرار بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة  للقارة الأفريقية  بدلا من الوضع الراهن الذي يقسم القارة بين ثلاثة قيادة عسكرية.

الخلفيات والأهداف الرسمية

لم تشغل القارة الأفريقية لسنوات طويلة حيزا كبيرا من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية، حيث لم تجد في النفوذ الفرنسي أو البريطاني في القارة تهديدا لمصالحها. ولذلك كانت القارة الأفريقية  في الخارطة العسكرية الإستراتيجية للولايات المتحدة مقسمة بين ثلاثة قيادات عسكرية أمريكية، حيث كانت مصر ودول القرن الأفريقي تنتمي إلى القيادة العسكرية الوسطى، أما جزيرة مدغشقر فكانت تنتمي إلى قيادة الباسفيك ، بينما كانت بقية دول القارة تنتمي إلى القيادة الأوربية. لكن التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها القارة في العقد الأخير، والتحولات التي شهدتها السياسة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر قد غيرت من رؤية صناع السياسة والإستراتيجية الأمريكيين للقارة الأفريقية.

الأسباب الرسمية التي دفعت وزارة الدفاع إلى  إنشاء قيادة عسكرية جديدة للقارة الأفريقية بمفردها،  وردت على لسان قيادات واشنطن السياسية والعسكرية خلال الأسابيع القليلة الماضية، فقد ذكر ريان هنري Ryan Henry  مساعد وزير الدفاع لشئون التخطيط والسياسات  أن الهدف الرئيسي من إنشاء هذه القيادة خلق وتنمية  بيئة مستقرة في القارة الأفريقية تشجع على إقامة مجتمعات مدنية ، والعمل على تحسين ظروف مستوى المعيشة شعوب القارة. وأضاف المسئول العسكري الأمريكي أن أفريقيا التي تمثل مساحتها نسبة 35% من مساحة العالم، ويبلغ عدد سكانها نسبة 25% من عدد سكان العالم، تزداد أهميتها بصورة مطردة، وأنه قد حان الوقت للولايات المتحدة أن تعي وتدرك هذه الأهمية. وأوضح ريان هنري أن مهمة القيادة العسكرية الأفريقية الجديدة التي أطلق عليها افريكوم  AFRICOM ، ستكون المساعدة في جهود نزع فتيل النزاعات ، وتأمين بيئة أمنية مستقرة تكون قادرة على هزيمة شبكات والتنظيمات الإرهابية.

وأضاف الليتوننات جنرال والتر شارب Walter Sharp إلى المهام السابقة للقيادة الجديدة دورها المفترض في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة الطبية والغذائية  للمناطق التي تعاني من نزاعات ، ذلك فضلا عن المساعدة في تنمية قدرات القوات العسكرية للدول الأفريقية من خلال التدريب والتأهيل وإمدادها بالمعدات العسكرية اللازمة، وتقديم العون للمنظمات الإفريقية الإقليمية وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي. ولم ينس شارب أن يؤكد على أن أحد مهام القيادة الجديدة القيام  بالعمليات العسكرية التي يطلب تنفيذها وزير الدفاع أو الرئيس الأمريكي.

وفي تفسيره لضرورة وجود القارة الأفريقية ضمن قيادة عسكرية أمريكية واحدة ، قال المسئول الأمريكي إن شعوب القارة تنظر إلى القارة بوصفها كيان جغرافي وثقافي وسياسي واحد، وأنهم ينتمون إلى قارة واحدة ، ولذلك حرصت القيادة العسكرية الأمريكية على تبني نفس نظرة أبناء وشعوب القارة.

الإرهاب، النفط، الصين، ليبيا هي الأسباب الحقيقة

لا جدال في أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها منطقة شرق أفريقيا من تفجير لسفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام  في عام 1998 ، ومن بعدهما  تفجير السفينة الحربية الأمريكية  كول في خليج عدن عام 2000، وتزايد نشاط تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، نبهت الولايات المتحدة إلى ضرورة وجود عسكري واستخباراتي أمريكي كثيف في المنطقة، ومن ثم كان تفعيل الوجود العسكري في جيبوتي  تجاوبا مع هذه الضربات الموجعة. وبعد 11 سبتمبر أصبح الهاجس الأمني العامل الأكثر تأثيرا في تخطيط السياسات الأمريكية، وباتت الحرب على الإرهاب الموجه لاستراتيجيه إدارة بوش. ولا يمكن قراءة قرار إنشاء قيادة عسكرية أمريكية خاصة بأفريقيا بمنأى عن رؤية القيادات الاستخباراتية والعسكرية بأن بعض المناطق والأقاليم الأفريقية يمكن أن يمثل خطرا وثغرة أمنية ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. والأمر لدى البعض يتجاوز الصومال أو منطقة شرق أفريقيا ، أو دول الشمال الأفريقي فحسب، بل هناك مخاوف من تزايد خطر الأصولية الإسلامية في بلدان غرب أفريقية مثل النيجر وشمال نيجريا.

بالإضافة إلى مجابهة الإرهاب في أفريقيا كسبب لضرورة وجود القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة، فإن النظام الليبي ورغم كل مظاهر التطبيع الأخيرة مع الولايات لمتحدة، ما يزال سببا لقلق السياسية الأمريكية، والأمر لا يتعلق فقط بشخصية العقيد القذافي المثيرة للجدل أو بتصريحاته المناهضة للغرب والولايات المتحدة، بل يتعلق أيضا بمحاولات ليبيا المتكررة في السنوات الأخيرة  للحصول على نفوذ متزايد خاصة فيما يعرف بإقليم الساحل والصحراء. طموح العقيد القذافي للقيام بدور قيادي في القارة يزعج واشنطن، خاصة وأنها تعتبر السياسات التي يتبعها النظام الليبي للوصول إلى هذا النفوذ سياسات غير مسئولة. وإذا كان من السهل حصار الدور الليبي في القارة وتحجيمه، فإن النفوذ الاقتصادي والتجاري والاهتمام الصيني المتزايد بمختلف أنحاء أفريقيا يظل من العوامل الرئيسية لقلق الإدارة الأمريكية، ومن الدوافع التي أجبرت الولايات المتحدة على إعادة صياغة سياستها تجاه أفريقية.

لا ينكر المسئولون الأمريكيون أن  أحد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن في القارة الأفريقية، فقد شكلت الاضطرابات التي تكررت في حقول النفط في  منطقة دلتا النيجر خاصة في الحقول النيجيرية منذ عام 2003 ، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم. ويمكن تفهم ذلك في ضوء تقارير إستراتيجية أمريكية تتوقع أن تلبي القارة الأفريقية 25% من احتياجات الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2015 . وفي هذا السياق من المتوقع أن يكون أحد مراكز انتشار القوات العسكرية الأمريكية في القارة هو خليج غينيا.

الكيان الجديد "أفريكوم"

القارة الأفريقية بأكملها باستثناء دولة واحدة هي مصر، ستكون ابتداء من  30 سبتمبر عام 2008  تحت قيادة عسكرية أمريكية واحدة، هي القيادة الأفريقية أو "أفريكوم" AFRICOM  كاختصار لعبارة Africa Command.  وسوف تدار هذه القيادة مؤقتا من قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة شتوتغارت الألمانية. وكان الكونغرس قد خصص من قبل ميزانية يبلغ حجمها 500 مليون دولار لمدة ست سنوات  لتمويل مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الأفريقية بتقديم مساعدات لدول مثل الجزائر وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال ونيجيريا والمغرب  لمواجهة أي تهديدات محتملة من تنظيم القاعدة. كما حرصت وزارة الدفاع في عام 2004 على توقيع عدد من معاهدة أمنية وعسكرية مع دول في مختلف أرجاء القارة، فضلا عن اتخاذ دولة جيبوتي مقرا لقاعدة عسكرية إستراتيجية.  وسوف يتم الاستفادة عند تشكيل القيادة العسكرية الجديدة من كافة هذه المبادرات والاتفاقيات والقواعد كأساس يبنى عليه القاعدة الأفريقية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:تقرير وانشطن-العدد108