لماذا اعتذرت الرياض عن استقبال المالكي؟

 

 

توجس سعودي مزمن من العراق!

لم تكن العلاقات العراقية ـ السعودية شديدة الدفء يوما ما وظلت تتعرض منذ الملكية الى عقود حكم حزب البعث المنحل الى مد وجزر بين نظام ديني ينشد الاستقرار وآخر يتحدث (علمانيا) ويرفع شعارات (قومية ثورية) تأطرت في سنواته الاخيرة بثوب ديني لاهداف معلومة.

يقول الخبير في مركز صبان لسياسة الشرق الاوسط التابع لمعهد «بروكينغز» دانيال بايمن في وجهة نظر الرياض، كان العراق المستقر والقوي يشكل تهديدا لأمن المملكة، لكنه كان يوازن على الاقل نفوذ طهران، وهو توازن انتهى بعدما اطاحت الولايات المتحدة بنظام صدام حسين.

ولعل هيمنة السنة على السلطة في العراق قبل ان يقوم الاجتياح الامريكي عام 2003 باخراج (المارد الشيعي) من القمقم كان بمثابة السلوى والفراء للمملكة في مواجهة وقاحة وعدوانية النظام الصدامي التي لم تكن مخيفة بقدر الامتداد الشيعي الموالي لايران على الارض السياسية العراقية، ويأتي رفض الرياض استقبال رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي رسالة واضحة لايران لا تخفي مستواها وكعلامة غضب على المالكي لتعزيزه نفوذ ايران في بلاده كما نقلت وكالة الانباء الالمانية عن مسؤول سعودي.

المفكر العراقي غالب حسن الشابندر قال في مقال نشر على موقع (الملف) الالكتروني العراقي متسائلا: لماذا هذا الموقف من المالكي؟ وهل سيساهم في تحجيم الوجود الايراني في العراق؟ مشككا في عدم معرفة السعودية بأن ايران ليست مرتاحة للسيد المالكي بسبب اصراره على حل الميليشيات المحسوبة عليها وترى في حكومته تجسيدا للارادة الامريكية.

الكاتب في معهد السلام الامريكي جوزيف ماكميلان كتب تقريرا بعنوان: «السعودية والعراق: النفط، الدين وتنافس طويل»، يقول فيه: انه منذ قيام دولتي السعودية والعراق بعد الحرب العالمية الاولى، كانت العلاقات بينهما اشكالية، لافتا الى ان ذلك سيستمر في حقبة ما بعد صدام، مضيفا: «ان سياسة الرياض حيال بغداد في السنوات المقبلة، قد تهيمن عليها اربعة هواجس ومخاوف اساسية حول مستقبل الدولة العراقية وهي: الاستقرار الداخلي، التدخل الاجنبي، سياسة انتاج النفط والتطور السياسي في العراق وخصوصا دور الشيعة مؤكدا ان العنصر الاهم منها هو الاستقرار.

علاقات رسمية

في 14 فبراير الماضي افتتح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري سفارة بلاده في الرياض التي كانت اغلقت في نوفمبر 1990 واعيد فتحها بشكل رسمي اواخر عام 2005، لكن في مقابل الانفتاح الدبلوماسي تتزايد المخاوف السعودية الامنية وهي الدافع الرئيسي وراء قرارها تشييد سياج على حدودها مع العراق والتي هي بطول 900 كيلومتر بهدف منع تمدد العنف والحرب الاهلية المحتملة الى اراضيها من العراق.

ويخشى السعوديون من ان يرتد العنف المستشري في العراق الى داخل المملكة سواء من الجهاديين السعوديين السنة الذين يحصلون حاليا على خبرة عسكرية ميدانية في القتال داخل العراق، ام من الشيعة الذين ينشطون بتحريض خارجي يستفيد من تهميشهم، وهم يشكلون 20 بالمائة من عدد سكان المملكة ويتمركزون في المناطق الشرقية الغنية بالنفط على الحدود مع العراق وايران.

وكان وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبدالعزيز قد قال في يوليو 2005 (نتوقع الاسوأ من اولئك الذين ذهبوا الى العراق) مرجحا ان يكونوا اخطر بكثير ممن قاتلوا في صفوف المجاهدين في افغانستان.

تحذير أردني

ووجد تحذير العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في ديسمبر 2004 من قيام (هلال شيعي) يمتد من لبنان عبر سورية وايران والعراق الى الخليج، صداه لدى المسؤولين السعوديين، خصوصا بعد اقرار الدستور العراقي الجديد الذي تسمح بنوده باقامة اقليم فيدرالي في الجنوب العراقي الشيعي، ربما تهيمن عليه ايران بحكم ارتباطها القومي بأحزاب الاسلام السياسي الشيعي الحاكم في البلاد.

وكان وزير الخارجية السعودي الامير الفيصل، قال في واشنطن في سبتمبر 2005 (ان العراق في وضع خطير للغاية ووضع ينطوي على تهديد بالغ، هناك انطباع انه يسير تدريجيا نحو التفكك. يبدو انه لا توجد الآن أي قوة مؤثرة تعمل على تماسك البلاد، كل القوى المحركة تدفع الشعب الى التفكك) مضيفا موجها كلامه للامريكيين (اذا سمحتهم بهذا وبحرب اهلية تندلع بين الشيعة والسنة، فإن العراق سوف ينتهي للابد، سوف يتم تقطيع اوصاله.. سيدخل الايرانيون الصراع بسبب الجنوب، والاتراك بسبب الاكراد.. والعرب سيجرون بكل تأكيد الى هذا الصراع، وتابع: لقد خضنا معا حربا لابعاد ايران عن العراق بعد طرده من الكويت، والآن نسلم البلاد كلها لايران دون مبرر)!

ولم يتأخر الرد العراقي كثيرا وجاء على لسان وزير الداخلية آنذاك القيادي في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية المعروف بارتباطاته القوية بايران بيان جبر قائلا (العراق هو مهد الحضارة التي علمت الانسانية القراءة والكتابة ويريد بعض البدو ممن يركبون الجمال ان يتلوا الدروس علينا)!

ولعل ابلغ تعبير عن موقف الرياض، جاء في المستشار السابق للحكومة السعودية وسفيرها السابق لدى واشنطن الامير تركي ومدير مشروع (تقييم الامن القومي السعودي) نواف عبيد الذي كتب مقالا في جريدة (واشنطن بوست) في اكتوبر 2006 بعنوان (الدخول للعراق: السعودية ستحمي السنة اذا انسحب الامريكيون) شدد فيه على ان أي انسحاب امريكي مبكر من العراق سيدفع الى تدخل سعودي كبير لوقف مجازر الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران بحق السنة العراقيين معتبرا ان غض الظرف عن مذابح السنة سيؤدي الى تقويض مصداقية السعودية في العالم السني وسيمثل استسلاما لأعمال العسكرة الايرانية في المنطقة.

وتناول عبيد الروابط التاريخية بين العشائر في كل العراق والسعودية ولم يتردد في ان يقول انه اذا كان التدخل السعودي في العراق سيؤدي الي اشعال حرب اقليمية ، فليكن، لأن نتائج التراخي أسوأ بكثير.

ومع ان الحكومة السعودية نفت ان يكون هذا المقال يعكس موقفها الرسمي وطردت عبيد من منصبه، الا ان جميع المراقبين يؤكدون انه لا يعبر عن وجهة نظره الشخصية على الرغم من انه سجل ملاحظة بهذا الخصوص في اسفله.

تشيني القلق

هذه المقالة دفعت نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الى التوجه فورا للرياض والاجتماع بالقادة السعوديين الذين كما ذكرت شبكة (سي ان ان) نقلا عن مسؤول أمريكي رفيع (ان الملك عبدالله أبلغ تشيني ان المملكة ستدعم سنة العراق اذا انسحبت بلاده من العراق وتركت العراقيين يواجهون مصيرهم وحدهم)، وكشف ايضا (ان العاهل السعودي شدد أمام نائب الرئيس رفض بلاده وبعض الدول العربية السنية اقامة أي حوار بين الادارة الأمريكية وايران حول العراق معتبرا الأمر خطيرا للغاية».

وأكدت (سي ان ان) في 16 يناير 2007 نقلا عن مسؤول رفيع في الادارة ان الرياض ابلغت واشنطن انها تفكر في ارسال قوات عسكرية الى محافظة الأنبار السنية اذا ما فشلت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق. وهذا بحد ذاته يعكس تباينا في المواقف بين الرياض وواشنطن حول سبل التعاطي مع تطورات الوضع العراقي وخصوصا الدور الذي يؤديه من تحالف الولايات المتحدة في الشيعة، وكانت ابرز مظاهر هذا الخلاف والتباين وصف العاهل السعودي في قمة الرياض الوجود الأمريكي في العراق بأنه (احتلال غير شرعي).

مصدر خوف

وكان المحلل الاستراتيجي الأمريكي والي نصر، الذي الف كتابا بعنوان (انبعاث الشيعة: كيف سترسم الصراعات داخل الاسلام السياسي في المستقبل) كتب تقريرا بعنوان (من انتصر في العراق) قال فيه (ان الحرب في العراق حولت ايران الى مصدر للخوف في المنطقة، غير ان طهران مستعدة لدفع هذا الثمن من أجل الفوز في العراق).

غير ان مديرة برنامج الشرق الأوسط في (مركز كارينغي) في واشنطن مارينا اوتاوي قالت ان السعودية ومصر كانتا ابرز المستفيدين من فقدان الولايات المتحدة لمصلحتها في القضاء على الاستبداد بعد فشلها في العراق، وأضافت مستدركة ان هاتين الدولتين تدفعان ثمنا باهظا في مقابل هذا التأجيل لممارسة واشنطن تجاه الديمقراطية، اذ عليهما مواجهة ايران التي لم تعد تقيدها القوة العراقية، والانبعاث الشيعي وانهيار العراق).

وبالتأكيد يمكن اعتبار السعودية طرفا منتصرا في انسداد أفق المشروع الأمريكي في العراق ان لم يكن من الهزيمة الأمريكية الهادف الى تغيير الانظمة في المنطقة واعادة رسم خارطة الشرق الاوسط على غرار ما جرى في اوروبا الشرقية باسقاط انظمتها الشيوعية.

ولكن مخاطر الوضع العراقي على السعودية وغيرها من البلدان العربية تزداد يوما بعد يوم وترغمها على وضع استراتيجيات جديدة للصراع في المنطقة ولليوم التالي في العراق لمواجهة التحديات المرتقبة التي يرى المراقبون ان المنطقة لم تواجه مثلها الا بعد الحرب العالمية الاولى.

دراسات سعودية واستراتيجيات

وتشير سلسلة من الدراسات الامنية التي اعدتها مجموعة (الاستشارات الاستراتيجية للقطاع العام) السعودية التي يديرها جيل جديد من خريجي الجامعات الامريكية من السعوديين العاملين في مؤسسات ليست مرتبطة رسميا بالدولة وتناولت الرؤية الاستراتيجية للدور الايراني في المنطقة والرؤى السعودية للتوزع «السني ـ الشيعي» في العالم العربي الى ان المملكة تسير باتجاه تنفيذ سياسة هجومية سياسيا واقتصاديا وامنيا على ضوء تطورات الوضع العراقي وفي مواجهة الهجوم الايراني في اطار ما يعرف باسم (الدفاع الهجومي) والتي تجد ان ايران الآن هي ليست ايران الثورية الاولى بعد 1979 التي تطرح تحديات «ايديولوجية»، بل هي ايران الثانية الشيعية.

ويتضح من احدى هذه الدراسات الخاصة بالموازنات الامنية التقديرية في السعودية ان المملكة خصصت 12 مليار دولار للامن عام 2006 أي بزيادة عن 2004 حيث بلغت 8.5 مليارات دولار و2005 وكانت 10 مليارات دولار مع تخصيصات اضافية للامن النفطي بلغت في 2006 حوالي مليارين بعد ان كانت في 2004 مبلغا قدره 1.2 مليار دولار و1.5 مليار دولار في 2005.

إيران والسعودية والنفط

وتقدر الدراسة التي تتناول (المبادرات الاستراتيجية الجديدة) للسعودية المداخيل النفطية لايران حاليا بحوالي 45 مليار دولار سنويا وهي اقل قليلا من الامارات والكويت مقابل 190 مليار دولار للسعودية عام 2006.

وتؤكد الدراسة ان السعودية ستصبح في يونيو المقبل في وضع يؤهلها لتعويض كل الصادرات النفطية لايران في حال لجأت الاخيرة الى استخدام سلاح النفط في أي حرب محتملة بينها وبين الولايات المتحدة، اضافة الى ان السعودية ستستطيع خلال عامي 2009 و2010 تعويض أي نقص شامل في الامدادات النفطية قد ينتج عن قرار ايران وواحدة من ثلاث دول مصدرة في اوبيك هي: فنزويلا ونيجيريا والعراق بوقف التصدير، وهو ما يعني تعويض نقص دولتين رئيسيتين مصدرتين للنفط في آن واحد.

قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 تنافست الرياض وطهران على النفوذ السياسي في الخليج ولكن الصراع بينهما احتدم بعد عودة الخميني الذي اعتبر الاسلام السعودي (اسلاما امريكيا).

يقول كينيث بولاك الخبير في (معهد بروكينغر) ان السعوديين يروعهم ان يسقط العراق في اتون الحرب الاهلية ويروعهم ان تمتد هذه الحرب الى اراضيهم ولكن ما يروعهم اكثر ان الايرانيين بدعمهم الميليشيات الشيعية قد يصبحون اكبر الفائزين من الانهيار العراقي.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الوطن الكويتية-30-4-2007