هل تلاشت ” خطة مارشال “ في العراق؟

 

 

نشرت الصباح عن لوس انجلس تايمز مقالا بعنوان : تلاشت ” خطة مارشال “ في العراق نصـه :

بعد عامين ونصف من ضوضاء الحديث عن حملة اعمار العراق التي اكتسبت اسم مشروع (خطة مارشال الاميركية) لاعمار العراق بعد الحرب يبدو ان هذا المشروع في طريقه الى التلاشي مع انتهاء مدة العقود التي وعدت باعمار البلاد خلال ثلاث سنوات اضافة الى نفاد المبالغ المرصودة لهذه الوعود.

فقد اخبر مسؤولون اميركيون صحيفة لوس انجلس تايمز ان الدعم الاميركي المقدر باكثر من 18.6 مليار دولار لمصلحة العراق سينتهي موعده مع نهاية هذا العام سواء اكتمل انجاز المشاريع ام لم يكتمل..

وقال المسؤولون الاميركيون ان حكومات اخرى وعدت بتقديم مساعدات قبل ثلاثة اعوام ولكنها لم تف بوعودها.

ومازال هناك مسؤولون اميركيون يتحدثون عن موضوع اعمار العراق رغم الاضطراب الامني الذي يعيشه البلد ولكن هناك اشارات الى تحميل العراقيين مسؤولية الحمل الثقيل ودعمه ماديا.

وعلق المستشار الاقتصادي في السفارة الاميركية توم ديلر على الموضوع قائلا:(ان العالم ساحة للتنافس وعندما تتحدث مع المستثمرين فعليك ان تقنعهم بقيمة واهمية وضع اموالهم في خزينتك، وهذا ما لا نلمسه في العراق.

ولكن متحدثة بلسان السفارة الاميركية اكدت حرص الادارة الاميركية على عدم عرقلة جهود البناء في العراق واكدت التزام ادارتها بمساعدة الاطراف الساعية الى اعمار العراق.

ومع هذا فقد نفت المتحدثة وجود قرارات لخطط دعم جديدة مستقبلا في العراق.

غير ان مسؤولين في شؤون الاعمار قالوا ان لدى الولايات المتحدة خطة لتشجيع الاستثمارات والقطاع الخاص اضافة الى توصيات للحكومة العراقية بسياسة شد الحزام على البطون وهو حل معروف للدول التي تعاني من ازمات اقتصادية مزمنة رغم الاثار السلبية المباشرة على الشعب العراقي.

وتقول اندي كول احدى موظفات السفارة الاميركية في بغداد التي تمارس دورها في دعم الاستثمارات في العراق ان من الصعوبة الخروج من هذه البرامج بنتائج مباشرة ولكن من الممكن النظر اليها على مدى المستقبل كمشروع تنمية طويل الامد.

اما عضو الكونغرس جاك ريد وهو ديمقراطي فيقول (من السذاجة اعتبار ان ما تقدمه الولايات المتحدة للشعب العراقي ذا آثار ايجابية مباشرة.. والواقع ان عليها ان تستمر في جهودها في هذا المجال وذلك يحتاج الى المزيد من المال).

وفي ظل توجه الدولة نحو السوق العالمية والاقتصاد الحر فانها بحاجة ماسة الى عملية الاعمار ودعم برامج التنمية في البلاد، ولكن الدولة تخشى من توقف الدعم الاميركي المقدم على شكل منح حسب تصريح معلاذ العبيدي عضو اللجنة الاقتصادية في الجمعية الوطنية الذي اكد حاجة العراق الى هذه المنح ليجتاز بواسطتها اثار الدمار التي يعاني منها.

من جهته قال رئيس اللجنة الهندسية في قيادة القوات الاميركية في العراق الجنرال وليم ميكوي ان لجنته ستسلم الحكومة العراقية الجديدة (3100) مشروع تم انجازه بأموال اميركية مع نهاية العام الحالي مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود نية (لمشروع مارشال) بكامل المواصفات في اشارة الى المشروع الاميركي الذي قامت عليه النهضة الاوروبية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية وقال ميكوي ان الدعم الذي تقدمه الادارة الاميركية هو لخلق قفزة في جهود البناء في العراق وليس لبناء البلد باكمله.

ونقول صحيفة لوس انجلس تايمز  ان العراقيين يعدون الآثار المباشرة للدعم الاميركي قليلة نسبيا عند مقارنتها بالحجم الاعلامي الذي يصاحبها حيث لم تؤثر كثيرا في رفع مستوى الاقتصاد العراقي او في مستوى المعيشة اليومية.

وعادة ما يضرب الناس مثلا سيئا على عدم تطور الاوضاع في العراق عند ذكر الكهرباء التي هبطت الى مستوى اربع ساعات في اليوم ولم تقدم المشاريع الاميركية لها شيئا لرفع او ثبات مستوى الطاقة الكهربائية.

وكذلك الطرق بشقيها الخارجي بين المحافظات وبين احياء المحافظة الواحدة فهي مازالت موضع تندر العراقيين في احاديثهم عن التطور الايجابي في البلد كما ان المواطنين المتذمرين يتناولون موضوع المجاري الطافحة لعكس حالة الاهمال التي تعاني منها المدن والاحياء الشعبية وغيرها حيث تغطي الشوارع بحيرات واسعة من مياه ومخلفات المجاري.

وترد السفارة الاميركية بانها قدمت مراحل خدمة متقدمة في مجال المجاري لنحو ثمانية ملايين انسان، كما انها انشأت(21) مرسى في ميناء ام قصر، وانشأت وعبدت طرقا خارجية وداخلية بطول ألف كيلو متر تقريبا، وتطوير ثلاثة مطارات . كما انها قامت بتشغيل ربع مليون مواطن، نصفهم بصورة دائمية في اطار جهود امتصاص البطالة معللة ابرز معوقات البرامج بالارهاب والفساد الاداري اللذين يمتصان ربع المخصصات المالية للمشاريع . وينظر الجنرال ميكوي الى اوضاع الاعمار في العراق بانها تمر في مرحلتين احدهما آنية سريعة التنفيذ مثل توفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء والمجاري في الاحياء الشعبية لكي تسهل النهوض بالمرحلة الاخرى ذات المدى البعيد، ولكن معوقات تلك المراحل هي الفساد الاداري والارهاب اللذان تضيع معهما جهود بناء وتطوير غالبا ما يعمد الارهابيون الى نسفها وتضطر معها الادارة الاميركية في العراق الى التريث قبل اعادة اعمارها . ومع ذلك فهو يشير الى(27) مشروعاً لمياه الشرب كثمرة تصميم على انجاز مشاريع ذات اثر مباشر في حياة المواطنين على مدى عامين ونصف .

وفي اتجاه آخر يبدو ان القوى الرافضة للوجود الاميركي في العراق تحاول قطع الطريق على تقديم المزيد من الدعم الى العراق.. وخاصة القوى المناهضة للحرب داخل الكونغرس . وتقول الصحيفة الاميركية ان هناك من يحاول ايقاف مشروع بول بريمر (الحاكم المدني الاميركي السابق في العراق) الذي ركز على بعث الروح في مشروع مارشال.. وقد صدرت اشارات متضاربة حول المضي في الخطة حيث اخبر مسؤول اميركي ان الرئيس بوش لن يتمكن من تخصيص مبلغ كبير بسهولة لان الكونغرس يشعر بان المنحة الاميركية المخصصة للعراق تعرضت الى تسرب في ميزانيتها، وهم لا يريدون المجازفة بمبلغ كبير مرة اخرى في العراق .

ويقول مسؤول اميركي رفض ذكر اسمه ان هناك مخصصات مستقلة لمصلحة تدريب الشرطة وتطوير اقتصاديات البلد فضلا عن تحسين اداء الطاقة الكهربائية والخدمات الانسانية الاخرى .

وفتحت الادارة الاميركية ملف وعود المساعدات الدولية الى العراق، واخبر مسؤول في وزارة الخارجية الصحيفة الاميركية ان تقريرا صادرا عن وزارته قدر تلك المساعدات باستثناء الولايات المتحدة بنحو (30%) من الوعود بالمنح الاوروبية والاسيوية للعراق .

يذكر ان اليابان لم تقدم سوى ما دون نصف المبلغ الذي وعدت بتقديمه الى العراق الذي قدر في مؤتمر مدريد بخمسة مليارات دولار . اما الكويت والسعودية حيث تبرعتا بمليار دولار من كل بلد فلم تدفعا غير عشر وعودهما . في حين ان بريطانيا والامارات واسبانيا وكوريا وايطاليا وكندا قد تبرع كل منها بمئة مليون دولار لم يصل منها ربع تلك المبالغ .

وقال المسؤول في حديثه لصحيفة لوس انجلز تايمز ان الولايات المتحدة تضغط على تلك الدول لدفع الالتزامات المطلوبة منها . اما الدول الدائنة فتقول انه ما زال في الوقت متسع لتنفيذ التزاماتها حتى عام 2007 .

ويقول متحدث في الخارجية اليابانية ان اطفاء(80%) من 120 مليار دولار، وهي ديون العراق، تدل على تحسن الوضع المالي للعراق وعدم الخشية من تدهور حملة اعماره وبالتالي فان مسألة الايفاء بالديون لن تتأثر بعامل الوقت .

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح نقلا عن صحيفة لوس انجلس تايمز 19-1-2006