إيران و"أزمة البحَّارة"... التوظيف السياسي في الملف "النووي"

 

 

بيتر جرايار

 

لاشك أن إفراج إيران مؤخراً عن البحارة البريطانيين الخمسة عشر الذين كانوا محتجزين لديها نبأ سار بكل المقاييس، لكن ذلك لا يعني أن إيران ستبدي أية مرونة فيما يتعلق بأزمتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي. ويبقى أهم ما تبدى خلال قضية البحارة المحتجزين هو المهارة التكتيكية التي أظهرتها إيران في التعامل مع الغرب. فقد احتفظ القادة الإيرانيون بالرهائن الخمسة عشر فقط لما يكفي من الوقت لإظهار قوة النظام أمام الرأي العام الإيراني، ثم فجأة قاموا بتسليمهم إلى بريطانيا قبل أن تتصاعد الأزمة وتأخذ أبعاداً دولية. هذه البراعة التي كشفت عنها طهران استرعت انتباه المراقبين الدوليين مثل "جورج بيركوفيتش"، الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد "كارنيجي" للسلام الذي قال: "إن الدرس الأول المستخلص من هذه الأزمة هو مهارة إيران في إجراء حسابات دقيقة". يذكر أن مسألة المحتجزين انتهت بسلام بعد وصولهم إلى بريطانيا في الخامس من الشهر الحالي، بعدما نقلتهم طائرة بريطانية من طهران إلى بلادهم.

وفي معرض رده على إطلاق سراح المُحتجزين عبَّر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن "ارتياحه العميق"، لانتهاء الأزمة التي دامت 13 يوماً، كما قال في بيان موجه للشعب الإيراني، جاء فيه: "إننا لا نضمر أية نية سيئة تجاهكم". ولم تتلقَّ إيران الاعتذار الذي كانت تنتظره من بريطانيا بعدما أصرت هذه الأخيرة على أن بحارتها كانوا عند اعتقالهم داخل المياه العراقية. وعلى رغم ما تردد من وجود صفقة جرت بين بريطانيا وحليفتها الولايات المتحدة وبين إيران، إلا أنه لم يرشح ما يؤكد هذه المزاعم. وتبقى الإشارة الوحيدة في هذا السياق هي أن المسؤولين الأميركيين بصدد النظر في طلب تقدمت به الحكومة الإيرانية لإرسال مبعوث لها للاجتماع بالإيرانيين الخمسة المحتجزين في العراق منذ أن اعتقلتهم القوات الأميركية في غارة شنتها في شهر يناير الماضي. ويبدو أن إيران لم ترغب في تصعيد الموقف مع الغرب بشأن المحتجزين، لاسيما في ظل تأزم علاقتها معه على خلفية برنامجها النووي، الذي تصر على التمسك به.

ويعتقد بعض الخبراء أن عملية اعتقال البحارة البريطانيين في عرض مياه الخليج قد تكون نتيجة لقرار اتخذه أحد القادة الميدانيين لـ"الحرس الثوري" لينتقل القرار بعد ذلك إلى القيادة السياسية في طهران. وبينما حاول المتشددون من داخل النظام الدفع في اتجاه محاكمة البحارة، أصر المعتدلون -أو الأقل تشدداً- على تهدئة الأزمة، وهو الرأي الذي انتصر في النهاية. وقد علق على هذا المنحى المعتدل لبعض أركان النظام الإيراني "جون ألترمان"، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قائلاً: "إنه بالإفراج على المحتجزين تظهر إيران على أنها بعيدة عن نموذج الدولة غير العقلانية، أو المتهورة في التعاطي مع المجتمع الدولي". ويرى "ألترمان" أن المرونة التي أبدتها إيران في التعامل مع قضية المحتجزين لا تمت بصلة إلى برنامجها النووي، لاسيما بعدما قامت إيران بخفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وواصلت إصرارها على التمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم كما تكفله قواعد الوكالة الذرية. وبالطبع لم تكن إيران ترغب في إضافة أزمة الرهائن إلى ملفها النووي والإساءة إلى ما تبقى لها من سمعة على الصعيد الدولي.

ومع ذلك شهدت أزمة الرهائن الأخيرة بعض اللحظات العسيرة مثل إصرار إيران على أن البحارة خرقوا مياهها الإقليمية، وعرضهم على شاشات التلفزيون وهم "يعترفون بجرمهم" وهو الأمر الذي اعتقد المراقبون أنه جاء تحت الإكراه. وفي هذا السياق يقول "ألترمان": "إن الأزمة أظهرت فقط صعوبة التفاوض مع الإيرانيين". ويشير الخبراء الأميركيون إلى أن الدبلوماسية نجحت هذه المرة في إقناع إيران بإطلاق سراح البحارة البريطانيين بعد أن واجهت جبهة دولية موحدة ضدها تمثلت في إجماع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على التنديد بالعمل والمطالبة بالإفراج عن الرهائن. هذا الإجماع الذي لا يتوفر في ملف البرنامج النووي، حيث مازالت الخلافات تدب بين الشركاء الدوليين. ومع أن أسلوب التحلي بالصبر في التعامل مع إيران يبقى الطريق الأمثل، يعتبر المراقبون أنه من الصعب على إيران أن تتوقف عن برنامجها النووي بسهولة.

ويقول "جورج بيركوفيتش" من معهد "كارنيجي" إن إيران تسير على طريق شبيه بذلك الذي سلكته بعض الدول التي اكتسبت التكنولوجيا النووية. غير أنه من غير الواضح ما إذا كان القادة الإيرانيون قد اتخذوا قراراً حاسماً بامتلاك السلاح النووي، أم أن الأمر يتعلق فقط بالقدرة على تخصيب اليورانيوم. والواقع، حسب الخبراء، أن إيران لم تصل بعد إلى مستوى إنتاج السلاح النووي لكي تأخذ القرار. ويضيف "بيركوفيتش" قائلاً: "إن الإيرانيين يسعون إلى الوصول إلى مستوى متقدم في التخصيب حتى يتسنى لهم اتخاذ القرار المناسب بين مواصلة الطريق وإنتاج القنبلة، أو الوقوف عند ذلك الحد". والأكثر من ذلك يقول الإيرانيون إن ما يقومون به لا يخرج عن نطاق القوانين الدولية التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتخولهم تخصيب اليورانيوم. بيد أن ما ينساه الإيرانيون هو ضرورة الالتزام التام بتلك القواعد وعدم انتهاكها كما فعلوا هم في السابق عندما أخفوا بعض جوانب تخصيب اليورانيوم عن المجتمع الدولي.

وتلجأ القيادة الإيرانية إلى الرأي العام الداخلي الذي تقول إنه يؤيد البرنامج النووي. وفي الوقت ذاته تستغل إيران الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق لتعزيز أوراقها التفاوضية.

*محرر الشؤون الدولية بصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-8-4-2007