خطة  الخروج الأميركية من العراق

 

بول صامويلسون

 

         

مع ان استطلاعات الرأي تظهر أن شعبية الرئيس جورج بوش لم تعد في حالة تدهور شديد، كما كانت عليه خلال الفترة الأخيرة، فإن بوش ربما يحسد أباه الذي لم يمنحه الناخبون فترة رئاسية ثانية. كيف سيكون شكل الفترة 2006 ـ 2008 اقتصادياً وجيوسياسياً؟ هذا ما بدأ المطلعون على بواطن الأمور التكهن به:

إذا كانت هناك ثمة أنباء سارة فستأتي من الجانب الاقتصادي. فالإنفاق الأميركي الهائل على العراق وإعادة الإعمار بعد إعصار كاترينا يضمن إلى حد ما أن القاطرة الاقتصادية الأميركية ستواصل مساهمتها في دعم النمو العالمي. وهذه نقطة إيجابية على المدى القصير لأميركا وللشعوب الأخرى.

لكن بالنسبة لأميركا، فإن هذه النقطة الإيجابية قصيرة الأجل سوف تتحول إلى نقطة سلبية هائلة على المدى البعيد، لماذا؟ لأن الإنفاق المبالغ فيه من الميزانية سوف يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى مفاقمة مشكلة المديونية الأميركية المتعاظمة للدول الأجنبية.

ولابد أن نفهم ان المجتمع الأميركي أصبح شعباً منغمساً بالاستهلاك يريد كل شيء الآن. وفي الماضي كان الأميركيون في المجمل يدخرون حوالي 10 في المئة من دخلهم. والآن أصبحت هذه النسبة أقل من 1 في المئة. لا عجب إذن أن نضطر إلى رهن أصولنا للأجانب وتمويل استثماراتنا من مدخرات الشعوب الأفقر في آسيا وأوروبا.

ولقد حالفنا الحظ في دورة كلينتون الرئاسية الثانية 1996 ـ 2000، عندما ساعد الفائض في الميزانية في خفض درجة إفراط البلد في الإنفاق ورفع معدل الادخار الأميركي قليلاً.

وبعد ذلك نعرف جميعاً، جاءت اقتصاديات بوش السحرية لتنقلب على كل ما أوصى به الأطباء الاقتصاديون لتهيئة البلد للكارثة الديموغرافية المرتقبة في 2010 ـ 2020 عندما تدخل أعداد كبيرة من جيل الطفرة في سن التقاعد وتلقى مسؤولية إعالتهم على أعداد هزيلة من دافعي الضرائب.

الدكتور بين بيرنانك، الذي سيحل مكان آلان غرينسبان في رئاسة بنك الاحتياط الفيدرالي في 31 يناير الجاري، قال للعالم أخيراً بأنه لن يحدث سباق عشوائي ضد الدولار، لأنه توجد هناك «تخمة في التوفير في الخارج».

وأصحاب هذه المدخرات يتوقون لمقايضتها بأصول مالية آمنة بالدولار. ونظراً لأن بيرنانك رجل ذكي وضليع في الاقتصاد، فمن المؤكد انه سيغير رأيه حول هذا الموضوع قريباً وسيعود إلى رأي أغلبية الخبراء الاقتصاديين.

وإذا كان الحظ الاقتصادي السعيد حليف بوش حتى 2008، فإن هذا لن يحول دون تذكره في كتب التاريخ باعتباره زعيم اقتصاديات الشعوذة الذي لم تكن هباته الضريبية السخية للأثرياء السبب وراء الاستقرار الاقتصادي الأميركي الحالي.

ولنفهم معنى هذا، ما علينا سوى أن نتذكر كيف أدى انفاق هتلر الهائل على تحضير ألمانيا لحرب الثأر إلى القضاء على البطالة التي وصلت معدلاتها قبل ذلك إلى 25 في المئة.

ولنتحول الآن للحديث عن الشكل الجيوسياسي المتوقع لفترة 2006 ـ 2008. إذا سلمنا بأن الناخبين الأميركيين لن يرضوا عن «الثبات على نهج بوش» حتى تأسيس عراق حرّ ديمقراطي مزدهر، لكون هذا هدفاً أقرب إلى الفنتازيا منه إلى الواقع، ندرك ان أوراق اللعب في المرحلة المقبلة يجب ان تتضمن خطة جديدة للخروج من العراق.

1 ـ لن نغادر العراق حتى «يخبرنا جنرالاتنا هنا إنه باستطاعتنا فعل ذلك»، هذا كلام يترجمه المطلعون على بواطن الأمور في واشنطن على النحو التالي: «جنرالاتنا سيقولون لنا ان الوقت قد حان لمغادرة العراق عندما يطلب منهم البنتاغون قول ذلك».

2 ـ متى سيكون هذا؟ خطة اللعبة الجديدة تنص على إن ذلك سيحدث فور بناء «جيش عراقي قوي».

ان بناء مثل هذا الجيش الضخم أمر ممكن منطقياً. فبارتفاع معدلات البطالة إلى 50 في المئة في بغداد و75 في المئة في الأرياف، يمكنك تجنيد جيش من الشيعة في المناطق الشيعية وأيضاً جيش كردي كبير في المناطق الشمالية. وتبقى مهمة بناء جيش من السنة في مناطق السنة أكثر! إشكالية.

لكنها ليست بالمهمة المستحيلة. فالعائلات السنية المعادية لأميركا، اذا كان لديها ولدان، ربما تضعف أمام الإغراء فترسل ولداً الى الجيش الجديد والآخر إلى صفوف المتمردين.

ولقد تعلمنا من إفريقيا كيف تغذي الجيوش القبلية المتباعدة حروباً أهلية متواصلة. لكن هذا كله لا يهم فاستراتيجية الخروج الأميركية قيد النقاش الآن. ولعل جنود المارينز يعودون إلى أميركا قبل اندلاع هذه الأحداث البغيضة.

ولن يكون من الضروري سحب كامل قواتنا من العراق. فعندما لا يبقى هناك جنود أميركيون يحتلون المجال الأرضي، سوف تنضب صور القتلى الأميركيين التي تبثها شاشات التلفزة للناخب الأميركي.

والاقتصاديون يفهمون مبادئ الاستعاضة ويعرفون انه يمكن للقاذفات في الجو ان تحل مكان الشباب على الأرض. وكما حدث في حرب الخليج الأولى تحت قيادة جورج بوش الأب عام 1990، فمن الممكن إدارة القوة العسكرية الأميركية عن بعد. وتستطيع الطائرات إلقاء ملايين الأطنان من القنابل على معاقل المتمردين من الجو.

لكن ألن يتسبب هذا النوع من القصف بقتل أعداد كبيرة من المدنيين كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية إبان قصف هامبورغ وبريمن وطوكيو وأوساكا؟

من المؤسف ان هذا سيحدث فعلاً، لكن هذه هي استراتيجية الخروج الأميركية التي يتم تداولها الآن.

وفي عام 2050 سوف يتم تذكر جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد مع جينكيس خان وأتيلا، ملك الهون. والمغزى الأخلاقي هنا هو ان لعبة الجيوسياسة ليست للجبناء.

وكل ذلك بحسب بول صامويلسون في المصدر.

المصدر:4-1-2006 ICWS : خدمة لوس انجلوس تايمز - خاص لـ «البيان»