هل ستعود الولايات المتحدة  إلى أدوات الحرب الباردة لإحتواء إيران؟!

 

 

جيمس بنكرتون

 

 

احتواء إيران... والعودة لأدوات الحرب الباردة

في الوقت الذي كان "ديك تشيني" يتعرض للقصف في أفغانستان، قمتُ أنا بإسقاط قذيفة على مبنى "الكابيتول هيل"، لكنها قذيفة في شكل خبر، مفاده أن الولايات المتحدة ستتباحث علناً مع إيران وسوريا، وأنني سأشارك في تلك المباحثات التي قد تعقد في بغداد في شهر أبريل المقبل.

أستطيع أن أخمن ماذا يقول الناس لأنفسهم الآن: إنهم يقولون إن وجهة نظر مجموعة "بيكر- هاملتون" لدراسة العراق، التي أعادت خيار المفاوضات مرة ثانية في ديسمبر الماضي قد سادت في نهاية المطاف. حسناً. ولكن الرئيس لن يقبل بأن يساير مقترحات تلك اللجنة طائعاً، إذ عليه في المقام الأول أن يبدو صلباً ومتحدياً -وهذا في الحقيقة هو ما فعله عندما قرر إرسال المزيد من القوات إلى العراق وتحدى "الديمقراطيين" أن يتصدوا له.

هذا هو ما علمه هنري كيسنجر لجورج بوش: أن يبدو دائماً صارماً حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى جعله يبدو أحمق في عيون الآخرين، لأن الاحتمال الأكبر هو أنه إذا فعل ذلك، فإن خصمه سيتراجع أمامه في خوف. وهذا فعلاً ما حدث. فنحن الآن نفعل ما تريد مؤسسة وزارة الخارجية منا أن نفعله بيد أننا نفعله بطريقتنا.

مع ذلك يبقى أمامنا سؤال يتعين علينا أن نجيب عليه: ما الذي يمكن أن نتوقعه حقاً من إيران؟

الحقيقة هي أن الإيرانيين يتمنون أن نخسر في العراق، وهم يبذلون قصارى جهدهم في هذا السبيل ويحتفظون في الوقت نفسه، بمخرج يمكنهم استخدامه كوسيلة للإنكار إذا استدعى الأمر، في الوقت الذي يواصلون بناء قدرات تمكنهم من إنتاج أسلحة نووية كما يجرون اختبارات على إطلاق صواريخ للفضاء.

السؤال هنا: على ماذا سنتفاوض مع الإيرانيين؟ يجب قبل الإجابة على هذا السؤال أن ندرك جيداً أننا سنتفاوض مع قوم بارعين في المفاوضات -وعلينا ألا ننسى أن الإيرانيين هم الذين اخترعوا لعبة الشطرنج، وبالتالي فإنه يمكن أن يناورونا حول رقعة شطرنج سياسية لعام أو اثنين، وفي الوقت نفسه يواصلون تعزيز وضعهم الاستراتيجي. وهنا يظهر سؤال آخر هو: ما الذي سنكون قد كسبناه في مثل هذه الحالة؟ ليت "جيمس بيكر" كان أمامي كي أوجه إليه هذا السؤال وأحصل منه على جوابه.

في الحقيقة أن القتال الدائر في العراق هو صراع بالوكالة عن الصراع الشامل بين الولايات المتحدة وإيران على الشرق الأوسط، وهنا نجد أن ثمة شيئاً لافتاً للانتباه قد حدث: وهو أنه في حين أن حرب العراق قد أحدثت انقساماً عميقاً في العالم العربي، فإن احتمالات الصراع مع إيران قد تؤدي في الأغلب الأعم إلى توحيد العرب. إن العرب يريدون منا أن نلقن إيران ونعلمها فضيلة التواضع. ومع ذلك، فإنه من غير المتوقع أن نخوض حرباً ضد إيران لأنه لن يكون هناك من يخوض تلك الحرب في النهاية سوانا نحن وإسرائيل فقط، وهو ما يعني أنه لن يكون بمقدورنا النجاح.

لذلك فإننا بدلاً من خوض حرب ساخنة نتطلع إلى حرب باردة. ومن حسن حظي أنني أعرف الكثير عن الحرب الباردة حيث بنيت تاريخي المهني في إطارها. ولذلك أقول إن أمامي فرصة طيبة أن ألعب دوراً في الحرب الباردة الجديدة، بل وأن أشارك في تصميم بنية جديدة للاحتواء.

وفي اعتقادي أن الاحتواء المعزز بدفاع قوي يمكن أن ينجح ضد إيران. وأنا أقول ذلك وفي ذهني ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي حينما أجبر الرئيس "رونالد ريجان" الاتحاد السوفييتي السابق، عن طريق "مبادرة الدفاع الاستراتيجي"، على القبول بالدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي الوقت الراهن تستطيع منظومة الدفاع الصاروخي أن تحتوي إيران.. غير أن المشكلة حول هذا الأمر هي أننا نحاول وضع صواريخ تلك المنظومة في دول مثل بولندا وجمهورية التشيك باعتبارها أفضل المواقع الأمامية، وهو ما يمكن أن يدخلنا في نزاع مع روسيا يجب علينا أن نتجنبه، لأن روسيا ذاتها، وإن كانت تمثل تهديداً، إلا أنها ليست محور تركيزنا الأساسي، وإنما إيران التي تشكل الآن محور الاهتمام الأميركي.

وهاكم حلاً ممكنا لذلك: أن نثبت للروس أننا لسنا أعداء لهم وذلك من خلال عرضنا عليهم وضع تلك القواعد في أراضيهم، لأن الفرصة الوحيدة لنجاح سياسة احتواء إيران هي أن تشارك روسيا فيها.

لذلك فإنه على الرغم من أنني أود الحديث مع الإيرانيين -ليس معنى هذا أنني أتوقع الكثير من ذلك- فإن الشخص الذي أريد الحديث معه حقاً هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأنا أستطيع من خلال إزالة الغبار عن لغتي الروسية، أن يكون الحوار بيننا بهذه اللغة وهو ما سيبهره دون شك.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"