2007 عام «جهنم» في الشرق الأوسط ؟
وحيد عبد المجيد
قبل ثلاثة أسابيع على نهاية العام 2006، تحدث العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز عن المدى الذي بلغته خطورة الوضع في المنطقة. ووصف، في افتتاح أعمال القمة الخليجية في الرياض، المنطقة العربية بأنها خزان مليء بالبارود ينتظر شرارة لينفجر. وليس العاهل السعودي وحده الذي يخشى قرب انفجار خزان البارود على نحو يشعل المنطقة، فقد تزامن تقريبا مع تحذيره هذا صدور أول تقدير للموقف من جانب وزير الدفاع الأميركي الجديد روبرت غيتس. وكان تقديره هذا، خلال جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ تمهيدا لإقرار تعيينه، شديد التشاؤم، فتوقع ما أسماه حريقا شاملا في المنطقة إذا لم يتحقق الاستقرار في العراق خلال سنة أو سنتين على الأكثر. وبغض النظر عن تحديد موضع الشرارة التي يمكن أن تفجر خزان البارود، أو تشعل بركان النار، يزداد اعتقاد بعض الخبراء في شؤون المنطقة في أن هذا الانفجار لن يتأخر كثيرا. فالأزمات الساخنة ما بين شرق البحر المتوسط والخليج تتفاقم، والجمود يعتري ملفاتها، وفرص تحريكها تتراجع، بينما عوامل التداخل فيها تزداد وتصل إلى حد التشابك على نحو يحول دون إحراز تقدم في إحداها بمعزل عن الأخريات أو بعضها. وفي ظل هذا التشابك، يصعب تصور أن يبقى أي حريق حال اشتعاله في حدود الأزمة التي جاءت منها الشرارة. فالأرجح أن يمتد الحريق إلى الأزمات الأخرى، وقد يغطي المنطقة من شرق البحر المتوسط إلى الخليج كلها. وربما تصبح هذه المنطقة، في ظل السيناريو الأسوأ، مسرح عمليات واحدا بشكل أو بآخر. وفي هذه الحال، تكون الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز (يوليو) الماضي آخر حرب ثنائية على المستوى العملياتي، فالطابع المتعدد الأطراف، إقليميا ودوليا، الذي اتخذته هذه الحرب على المستوى الاستراتيجي سيطبع الحرب المقبلة على مستوى العمليات أيضا. فهي ستكون حربا واسعة بالضرورة وشديدة التدمير، لأن أي حرب محدودة أخرى لن تحسم الوضع على صعيد أي من الأزمات التي قد تأتي شرارة التفجير منها. وليس ضروريا أن تأتي هذه الشرارة من الوضع الذي يزداد اضطرابا في العراق حال تعذر السيطرة عليه وفق ما يتوقع وزير الدفاع الأميركي الجديد، بل قد لا يكون هذا هو السيناريو الأرجح. فالعراق المضطرب ينشر التوتر في المنطقة كلها ويجعلها أكثر تهيؤا للانفجار من دون أن يكون هو بالضرورة مصدر الشرارة التي تفجرها. وتبدو الأزمة اللبنانية وأزمة البرنامج النووي الإيراني مصدرين أكثر احتمالا لهذه الشرارة خلال 2007. فالأزمة الأولى تنطوي على صراع على هوية لبنان ومعناه ووظيفته بين مشروعين متناقضين. إنه امتداد، في ظرف مختلف أكثر تعقيدا، للصراع التاريخي الذي وجد تسوية له في ميثاق 1943. غير أن البناء الذي أقامه هذا الميثاق، وتم ترميمه عبر اتفاق الطائف عام 1989، يتهاوى الآن في لحظة لا يجدي فيها ترميم آخر، ويتعذر في الوقت نفسه الوصول إلى تسوية تاريخية جديدة. فالمواجهة بين المشروعين المتصارعين على لبنان ترتبط بصراع على مستقبل المنطقة العربية، والشرق الأوسط بوجه عام. ولذلك سيبقى التناقض في داخل لبنان قائما حتى في حال إيجاد حل للقضايا الإجرائية موضع النزاع الآن، وهي حكومة الوحدة، وانتخابات الرئاسة، والمحكمة ذات الطابع الدولي. فهذا الحل، أيا يكن شكله، لن يزيد على هدنة موقتة قد لا تصمد شهورا. وإذا تصاعدت المواجهة بين التحالفين الكبيرين اللذين يقسمان لبنان الآن، وتحولت إلى صدام أهلي سيصعب إبقاؤه سليما. وفي حال عسكرة هذا الصدام، سيكون التوازن مختلا لمصلحة تحالف حزب الله حتى من دون استخدام أسلحته النوعية. فإذا أدى ذلك إلى تغيير على الأرض في اتجاه هيمنة هذا التحالف على لبنان، قد تكون هذه هي بداية الشرارة المنتظرة. فالأرجح أن إسرائيل، التي لم تبرأ بعد من الجرح الدامي الذي أصابها من جراء فشل حربها على لبنان، لن تقف متفرجة. وهذا ما يجوز استنتاجه من المزاج العام السائد فيها الآن، وما يشي به من قلق وتوتر وعصبية، وليس فقط مما صدر عن بعض سياسييها مثل أهارون زئيفي الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، الذي حذر قبل أيام من أن اسقاط حكومة السنيورة سيعزز احتمال وقوع حرب في الصيف المقبل. والأرجح أن يكون تدخلها اجتياحا شاملا يهدف إلى خوض معركة نهائية ضد حزب الله. وفي هذه الحال، يصعب تصور أن تقف سورية وإيران بعيدا بانتظار أن يأتي الدور على إحداهما بعد حزب الله. وهذا هو السيناريو الأول لـ)) جهنم(( شرق أوسطية في حرب وجود بالمعنى الدقيق . ويواصل الكاتب : وقد لا يصعب توقع نوع الرد الإسرائيلي في هذه الحال في ضوء المزاج العام السائد فيها، ونتيجة تراجع ثقتها في قدرتها الردعية التقليدية. وشهد بعض المنتديات التي عقدت أخيرا جدلاً حول ما إذا كان سيتحتم استخدام أسلحة غير تقليدية لاستعادة القدرة على الردع. ولأن اللجوء إلى أسلحة كيماوية وبيولوجية من جانب إسرائيل سيؤدي إلى رد عليها بالمثل، فهناك من لا يستبعد استخدام قنبلة نووية تكتيكية تساوي قوتها التدميرية ألف صاروخ يحمل كل منها طنا من المتفجرات التقليدية. ويجوز، في ضوء ذلك، تفسير تلميح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت بامتلاك سلاح نووي بأنه لم يكن «زلة لسان»، وإنما تحذير ضمني وربما تمهيد للحظة قد يكون استخدام هذا السلاح فيها ضروريا. وقد يبدو هذا السيناريو مخيفاً إلى حد يدفع إلى عدم التفكير فيه. لكن استبعاده كلية لا يؤدي إلا إلى ازدياد حال التبلد لدى أصحاب القرار على المستويين الإقليمي والدولي، لأنه يقلل حجم الخطر المحتمل. فلم يعد ممكنا الزعم بأن هذا السيناريو خيال ولا يمكن التفكير به. وعلى أية حال، فهو ليس السيناريو المخيف الوحيد الذي قد يفتح الباب أمام حرب «جهنمية». فالأزمة النووية الإيرانية هي، بدورها، مصدر محتمل للشرارة التي قد تفجر المنطقة. وربما تأتي الشرارة، في هذا السيناريو، من نفاد صبر إسرائيل التي قد يؤدي المزاج العام المتوتر فيها إلى مبالغة في تقدير حجم التهديد الذي يواجهها. ومن يتابع الجدل العام هناك في منتديات مختلفة، بما في ذلك داخل البرلمان ولجانه، يجد فيه «هلاوس» لا تقل عمّا نجده في العالم العربي. واحتمال المبادرة الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية، في حال استمرار الأزمة من دون حسم، قد يكون بعيدا في اللحظة الراهنة، لكنه ليس مستبعدا. وربما يصبح هذا الاحتمال أقرب في ظل التوتر الآخذ في الازدياد في المنطقة، وفي حال توفر معلومات أكثر دقة حول المواقع المستهدفة. فهذا سيناريو وارد فعلا، في ظل اعتقاد خبراء إسرائيليين بأن إيران ستصل إلى نقطة اللاعودة في برنامجها النووي في فترة ما بين ربيع وصيف 2007، وأنها ستكون حينئذ في وضع يمكنها من استخدام نحو ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. ونشرت «جيروزاليم بوست» في عددها الصادر يوم الجمعة قبل الماضي توصيات أعدها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ومن بينها توصية تقول إن السبيل الأفضل للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني هو توجيه ضربة عسكرية سيكون من الصعب من دونها وقف هذا البرنامج أو تغيير مساره. وكانت «هآرتس» سبقتها في عددها الصادر يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى كشف أن الرئيس جورج بوش لم يستبعد إمكان شن هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. وليس صعبا تصور الرد المتوقع من إيران، ومن حزب الله، وربما من سورية، في هذه الحال. وهكذا تظل المنطقة بانتظار الشرارة التي تفجر خزان البارود الذي يغطي مساحة كبيرة فيها، أو انفجار بركان النار الذي تقعد عليه. وقد يكون المصدر الأكثر احتمالا لهذه الشرارة الأزمة اللبنانية إذا تحولت المواجهة الراهنة إلى صدام ودخلت إسرائيل على خطها في صورة اجتياح شامل. كما أن الأزمة النووية الإيرانية تبقى مصدرا آخر لا يقل خطرا. غير أنه في ظل المشهد الراهن، تبدو أزمات المنطقة كلها مصادر محتملة للتفجير الذي قد يبدأ من مستصغر الشرر. المصدر : مقطتفات من : الحياة - 31/12/2006 – المرسل : جمانة جعفر .
|