ثلاثة معالم للعنف في مطالع 2007
عدنان السيد حسين *
انطوى العام 2006 على مزيد من أعمال العنف. عنف الأفراد والجماعات والدول. وصارت الأمم المتحدة شاهداً على هذه الأعمال من دون أن تتمكن من معالجة أسبابها ونتائجها. إنها تعقيدات النظام العالمي، وتمادي الفلسفة الواقعية المادية في السيطرة على تفاصيل العلاقات الدولية. وبصرف النظر عن إشكالية مصطلح «النظام العالمي»، وما يثيره من تساؤلات حول حقيقة وجوده، فإن الفوضى العالمية المتمادية تزداد من جراء أعمال العنف، وقد تعطل إعمال القانون، سواء كان وطنياً أم عالمياً. ومن المؤسف حقاً أن يندرج الشرق الأوسط في مجموعة المناطق الأكثر عنفاً، أو على الأصح هو المنطقة الأعنف في هذا العالم المضطرب. ما هي، والحال هذه، مظاهر أو معالم العنف التي تقف في أولويات الاهتمامات العالمية؟ وما حجم تأثيراتها السلبية في المستقبل المنظور على الأقل؟ ثلاثة معالم للعنف في العام 2006، تزيد من حال الفوضى العالمية، وتترك علامات استفهام وتعجّب حول مصطلحات فضفاضة: النظام الدولي، مكافحة الإرهاب، الديموقراطية وحقوق الإنسان، حق الشعوب في تقرير مصيرها. أ – المعلم الأول هو اتساع دائرة العنف في الشرق الأوسط في شكل غير مسبوق. من الحال العراقية التي شهدت أبشع المذابح في ظل الاحتلال الأميركي، الى الحال الأفغانية التي تشهد على تدمير إمكان النهوض ببلد بائس ولو بعد عقد أو عقدين، الى الساحة الفلسطينية التي تشهد حرباً إسرائيلية متمادية على فلسطينيي الضفة والقطاع في وقت ارتفع سلاح فلسطيني ضد سلاح فلسطيني آخر، الى الواقع اللبناني المأزوم داخلياً والذي لا يزال يلملم جراح العدوان الإسرائيلي، الى تفشي الطائفيات والمذهبيات والعشائريات بما يهدد وجود دول قائمة على الطريقة الصومالية، الى التهديد الأميركي بضرب إيران لتعطيل برنامجها النووي... هذه مشاهد من شرق أوسط متوتر، ومهدِّد للسلم والأمن الدوليين. وعليه فإن وزير الدفاع الأميركي الجديد روبرت غيتس يحذر من تصاعد العنف في الشرق الأوسط، إذا لم تنجح الولايات المتحدة في إيقاف النزاعات الدائرة. ويقترح عقد مؤتمر دولي للسلام على غرار مؤتمر مدريد سنة 1991 لمناقشة المشكلات الشرق أوسطية ووضع الحلول لها... فهل ستأخذ إدارة جورج بوش بهذا الاقتراح، أم انها ستمضي في سياسة التصعيد تحت عنوان الفوضى البناءة ؟ ب – المعلم الثاني هو انتشار الإرهاب عالمياً، بما يهدد الأمن البشري، أي أمن الأفراد والدول والجماعات... فمن مخاطر التلوث المتعمّد للأرض وما عليها، الى انتشار الجريمة المنظمة العابرة الحدود بما يهدد الأمن الوطني حتى في مفهومه التقليدي، الى تهريب الأسلحة المحرّمة دولياً، وزيادة عدد التفجيرات في مراكز سياحية وتجمعات بشرية، الى القتل المتعمّد وترويع المدنيين في غير منطقة من العالم... وهذا في مجمله يطرح سؤالاً حول جدوى الحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس جورج بوش قبل أكثر من خمس سنوات، وعما إذا كانت حققت أهدافها في اجتثاث الإرهاب أم انها أدت الى انتشاره وتوسعه؟ ان عالماً أكثر عنفاً لا يستطيع مكافحة الإرهاب، ومتى كانت المكافحة تتم بالقصف والقنابل العنقودية والصواريخ؟ ج – المعلم الثالث يكمن في اعتماد العنف ضد وسائل الإعلام والإعلاميين. وأشارت جمعية مراسلين بلا حدود الى سقوط عشرات الصحافيين في العام الفائت، ناهيك بتهديد آخرين بالقتل والاختطاف. هذه ظاهرة عامة لا تقتصر على البلاد العربية والإسلامية، وتؤشر الى تراجع قيم التسامح والتعاون الإنساني. كما تكشف عن انتهاك حقوق الإنسان على رغم النشاطات الدولية المكثّفة التي حصلت تحت هذا العنوان الكبير، الذي تفرّعت منه عناوين عدة: حرية الرأي والتعبير، حرية المعتقد، الملكية الفكرية، الخصوصية الثقافية. إذا عجزت الأمم المتحدة عن التصدي لمعالم العنف، ماذا يبقى من مبررات وجودها، وأولها : حفظ السلم والأمن؟ وهل نصدّق ان العجز المالي في موازنتها السنوية هو الذي يحول دون تشكيل جيش أممي، وتعزيز قوات حفظ السلام، ودفع الديبلوماسية الوقائية الى الأمام؟ ها هو الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بان كي مون يعترف بصعوبة مهمته منذ اللحظة الأولى لتوليه منصبه، فيتحدث عن فترة عصيبة تشهدها العلاقات الدولية، متوقفاً عند الشرق الأوسط المتوتر في قوله: «أباشر مهمتي في فترة عصيبة في العلاقات الدولية، بدءاً بدارفور والشرق الأوسط ولبنان وإيران والعراق، إضافة الى كوريا الشمالية والكثير من النزاعات الأخرى التي تعكّر عالمنا». ودعا الى عمل مشترك، حيث لا تستطيع أي دولة بمفردها معالجة المشكلات القائمة. انطلاقاً من تصريح الأمين العام الجديد، هل تتمكن النزعة الامبراطورية الأميركية من تسوية المشكلات الدولية، وفي طليعتها مشكلة العنف؟ الى الآن، لا مؤشرات إيجابية عند إدارة الرئيس جورج بوش. ثمة إهمال لتوصيات بيكر – هاملتون، خصوصاً على صعيد أزمات الشرق الأوسط. وهناك تحضير لإرسال نحو ثلاثين ألف جندي إضافي الى العراق بدلاً من برمجة انسحاب جيش الاحتلال، إنفاذاً لقرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرار 1546. أكثر من ذلك، قد تندفع هذه الإدارة نحو شن حرب جوية على إيران لضرب المفاعلات النووية، بالاستناد الى تعاون استخباري وثيق مع الموساد الإسرائيلي، ما سيؤدي الى مزيد من حالات العنف وعلى نطاق جغرافي واسع. لا تزال المصالح الدولية هي الطاغية على العلاقات بين الدول، على حساب القانون الدولي، والاعتبارات الإنسانية العالمية. قد يُقال، هذه هي المدرسة الواقعية التي تتعامل مع القوة وتوازن القوى والمصالح. بيد أن هذه الأطروحة عرّضت البشرية، ولا تزال، لأفدح المخاطر. كيف تقبل البشرية، على سبيل المثال، تأخير مشاريع التنمية بما فيها من خدمات تعليمية وصحية وأمنية لمصلحة انتاج السلاح التقليدي والنووي؟ وقد يُقال في أوساط شعبية: هذه هي «لعبة الأمم». وبصرف النظر عن الأمثلة التاريخية التي تدعم هذه المقولة، فإن الحضارة الإنسانية برمتها تصير مهددة تحت وطأة العنف. وقد تدخل الأمم المتحدة، وسائر المنظمات الدولية والإقليمية المرتبطة بها، في نفق مظلم عندما تتعطل الإرادة السياسية للإصلاح وتكريس إنسانية الإنسان. وتغدو مقدمة ميثاق الأمم المتحدة، الداعية الى تجنيب البشرية ويلات الحروب، مجرد ذكرى من الماضي، أو هي دعوة مثالية كما يردد بعض الواقعيين ! وكل ذلك بحسب الكاتب نصاً ودون تعليق . * كاتب لبناني المصدر : الحياة - 8-1- 2007 – المرسل : قاسم اللامي .
|