مقالات و محاضرات

 

 

 

أوروبا القديمة.. ماذا بعد الشماتة ؟

 

 

 

آن أبيلباوم

 

 

منذ اليوم الأول الذي نُشر فيه تقرير لجنة «بيكر- هاملتون» هيأتُ نفسي لسماع التصريحات الصادرة عن دول «أوروبا القديمة» الحافلة بعبارات الشماتة. وبالفعل لم يطل بي الانتظار كثيراً، حيث انهالت عناوين الصحف بما توقعته مثل: «أميركا تواجه الكارثة في العراق» في صحيفة «دير شبيغل» ذائعة الصيت في ألمانيا. ليستمر العرض بنبرة تشخيصية تبنتها صحيفة «لوموند» الفرنسية واصفة المناخ السياسي في واشنطن عقب صدور التقرير بـ«المحموم». أما الصحيفة الألمانية «سيدوتش زايتونغ» فقد قالت إن التقرير «يجرد الرئيس بوش من سلطته»، رغم أن صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أشارت إلى أن التقرير، بما جاء فيه من توصيات واقتراحات، لن يساعد في التخفيف من «الحالة الكارثية» التي وصل إليها العراق. ثم بعد أسبوعين... ران صمت مطبق. وإذا كان هناك من سياسيين وأكاديميين وصحفيين أوروبيين في ألمانيا وفرنسا يملكون أفكاراً أفضل للتخفيف من حالة العراق الكارثية فإننا لا نسمع صوتهم الآن.

لاشك أن أميركا فقدت مصداقيتها لدى «أوروبا القديمة» بسبب الحرب على العراق، كما فقدتها في معظم أنحاء العالم. ولاشك أيضاً أن الثقة في أداء السياسة الأميركية تعرضت للاهتزاز، لكن ذلك لا يعني أن هناك مرشحين، أو حتى مرشحاً واحداً يتوق إلى تعويض قيادتنا في العالم. فرغم النوايا الحسنة والتمنيات الوردية الساعية إلى «ترتيب الأوضاع في العراق»، كما أخبرني دبلوماسي ألماني أعرفه، أو احتمال أن «تلعب برلين دوراً أكبر في العراق» كما جاء في أحد عناوين «دير شبيغل»، تظل ألمانيا في الواقع أشد نفوراً من احتمال إرسال جنودها إلى أي مكان قريب من ساحة القتال. وفي الوقت الراهن لا يستطيع الألمان حتى الاتفاق فيما بينهم على السماح لقواتهم المرابطة في أفغانستان لسنوات بالمشاركة في العمليات القتالية. وتضاف فرنسا إلى هذا الواقع المأزوم بعدما قررت سحب جميع قواتها من أفغانستان. فكيف إذن سيتم ترتيب الأوضاع في العراق؟ وما هو هذا الدور الكبير الذي ستلعبه أوروبا في الشرق الأوسط؟

أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أوضح أن بلاده ستساعد في «تدريب الشرطة والقضاة» بعد انتهاء المعارك، لكن السؤال هو:

كيف سنصل إلى نهايتها؟

وفي أوروبا أيضاً يوجد عدد غير قليل من الدبلوماسيين المتفائلين الذين يودون رؤية أوروبا تلعب دور «وسيط السلام في الشرق الأوسط» على حد قول أحد الكتاب، وربما إشراك سوريا وإيران للمساعدة في الخروج من العراق. ويبدو أن هؤلاء المتفائلين هم أنفسهم الذين يعتقدون أن تحالفاً ألمانياً - فرنسياً - بريطانياً قادر على إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي. وهم ربما لم يلاحظوا المؤتمر الأخير الذي رعاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول «إنكار الهولوكوست»، أو لعلهم اعتبروه مؤشراً على رغبة إيران في التصالح مع الغرب. واللافت أن معظم الحكومات الأوروبية لا تريد للولايات المتحدة أن تتعجل الانسحاب من العراق لما قد ينتج عن ذلك من فوضى عارمة، لاسيما وأن تلك الفوضى ستكون أقرب إلى أبواب أوروبا الشرقية منها إلى السواحل الأميركية.

ولا يوجد إلى حد الآن من يعتقد أن أوروبا بكل الانتعاش الذي تشهده اقتصادياتها، وبكل قوتها التجارية ومعارضتها للسياسة الخارجية الأميركية قادرة على تعويض الولايات المتحدة في أي وقت قريب. فألمانيا التي توشك على تسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي منكبة على مناقشة جميع القضايا تقريباً من سياسة الاندماج الأوروبي إلى سياسة الهجرة، ثم الاقتصاد الأوروبي، إلى الدور الأوروبي في حل أزمات الشرق الأوسط سواء كان دوراً عسكرياً، أم دبلوماسياً. وحتى القوى الأخرى التي يمكن أن تضطلع بدور عالمي مثل الصين وروسيا ترفض ألمانيا مشاركتها في إحلال السلام بالشرق الأوسط. وفي ظل هذا الوضع الذي تضيق فيه الخيارات قد لا يجد الفرنسيون، أو الألمان أمامهم سوى إعادة التركيز على الشراكة الأطلسية وتعزيز التحالف الغربي من خلال دعمه دبلوماسياً وأيديولوجياً، وحتى عسكرياً إذا لزم الأمر.

المصدر : الوطن القطرية – 2-1- 2007 – المرسل : حميد الزيات .