باحث ألماني: المذهب الوهابي عقبة تعترض طريق الإصلاح في السعودية

 

 

غيدو شتاينبرغ

ترجمة عارف حجاج

 

تحالف بين النخبة السياسية والدينية

على الرغم من أن الحكومة السعودية عمدت منذ بضعة سنوات إلى اتخاذ خطوات تهدف إلى إكساب السياسة الداخلية طابعا أكثر انفتاحا، إلا أنه ليس من المتوقع أن يفرز ذلك إصلاحات جذرية.

يعود هذا الأمر إلى التحالف التقليدي القديم القائم بين العائلة الملكية الحاكمة وعلماء المذهب الوهابي. والمعلوم أن هؤلاء العلماء يكسبون النظام الحاكم صفة الشرعية الدينية كما أنهم بمثابة الآلية الأفضل للحكومة إزاء كفاحها ضد المعارضة الإسلاموية الداخلية، الأمر الذي اتضح مرارا في السابق حيال التعامل مع الأزمات التي طرأت في البلاد.

لهذا فإن الحكومة تتجاوب مع مقاومة الوهابيين لفكرة إنشاء نظام سياسي في البلاد يكون أكثر تحررا وتشارك فيه أطراف ليست منتمية للمذهب الوهابي. كبديل لهذا التوجه تسعى الحكومة إلى تخفيف حدة الضغط الواقع عليها والهادف إلى تكريس الإصلاح من خلال اللجوء إلى إجراءات ضعيفة غير كافية ودون المساس على نحو يذكر بمركز الهيمنة القوية الذي يحتله علماء الدين.

احتلال الحرم المكي

تبين للمرة الأولى في عام 1979 مدى اعتماد الحكومة السعودية على الدعم الموجه لها من قبل علماء الدين الوهابيين. في ذلك الحين احتل مئات من الإسلامويين السعوديين الحرم في مكة واحتجزوا حجاجا رهائن لهم.

كان هؤلاء الإسلامويون من الوهابيين المنشقين الذين رفضوا الإذعان للتفسير التقليدي السائد في الدولة للمذهب الوهابي من قبل نخب علماء الدين. حيث يرى هؤلاء العلماء بأن المرجعية الدينية تعود إلى التحالف المبرم عام 1744/45 بين محمد بن عبد الوهاب (1704- 1792) وبين الحاكم حينذاك محمد بن سعود (توفى في عام 1765)، ذلك التحالف الذي نشأ عنه تأسيس الدولة السعودية.

على الرغم من أن سلالة بن سعود عمدت في غضون القرن العشرين إلى تهميش نفوذ العلماء على نحو كبير وجعلهم يتبوءون مجرد دور عامود الحكم الثاني مرتبة فقط في السياسة السعودية، إلا أنهم احتفظوا بولائهم للحكم إبان الأحداث التي وقعت عام 1979.

فقد دان علماء الدين احتلال الحرم واعتبروا العملية العسكرية التي قام بها الحكم بغية طرد المتمردين من المسجد عملا مشروعا. هذا على الرغم من أن العلماء تعاطفوا مع مطالب الثوار كإنهاء وجود "الكفار" في السعودية وإنهاء مفعول التحالف المبرم مع الولايات المتحدة والمطالبة بابتعاد الحكام عن حياة البذخ وممارسة الرشوة وعلى وجه عام سحب الخطوات المتخذة منه نحو إدخال الحداثة إلى البلاد.

تضمن المطلب الرئيسي للجماعة التي قامت باحتلال المسجد عودة المذهب الوهابي إلى جذوره المتسمة بالتزمت. فكان محمد بن عبد الوهاب قد حارب مع حليفه محمد بن سعود دون قيد أو شرط كل الذين اعتبروا من أرضية أفكار الوهابيين خارجين عن قواعد الدين.

وقد تضمن ذلك على وجه خاص المسلمين المقيمين في المناطق الواقعة في أطراف شبه الجزيرة العربية المحكومة من قبل الإمبراطورية العثمانية والذين لم يتبنوا عقيدة الوهابيين وبالتالي لم تكن طرق حياتهم متمشية مع القواعد والتعليمات الصارمة الصادرة عن المذهب الوهابي.

جهاد مستديم

قرر علماء الوهابيين شن حرب الجهاد المستديمة على كل هؤلاء الأفراد حتى تلحق بهم في أفضل الأحوال الهزيمة مما يجعلهم ينصاعون بالتالي للمذهب الوهابي ويدفعهم كلهم إلى الانخراط في صفوف هذا المذهب.

تحول عداء الوهابيين للأجانب في القرن العشرين ليأخذ سمة الكراهية تجاه اليهود والمسيحيين مما خلق إشكالية حيال توطيد عرى العلاقات بين الرياض وواشنطن في المجال الأمني ابتداء من عام 1945.

وقد بنى محتلو الحرم على قاعدة ذلك أيديولوجية ثورية فيما رأى العلماء الوهابيون بأن تحالفهم مع الدولة السعودية يكفل وحده بقاء وجود المذهب الوهابي كحركة دينية ثابتة. وقد ساهم وقوف الوهابيين مع الأسرة الحاكمة إبان الأزمة المشتعلة عام 1979 مساهمة فعالة في احتواء النظام الحاكم في السعودية لتلك الأزمة.

اتضحت في بداية التسعينيات مجددا أهمية الدعم المقدم من علماء الدين للنظام في سياق المساعي المبذولة منه لكبح جماح المعارضة الإسلاموية ومراقبة سير نشاطها. في الفترة التي أمكن فيها للأسرة الملكية الحاكمة تبادل علاقات ثنائية وثيقة مع الولايات المتحدة دون أن يكون هناك تسليط للأضواء على ذلك اتسم الاحتجاج بطابع متفرق محدود.

أما بعد اجتياح العراق للكويت ودخول قوات أمريكية إلى المملكة في شهر أغسطس/آب 1991 تلبية لطلبها وبهدف التصدي للجار العراقي الباطش بدأ الغضب يستعر في صفوف الكثير من الوهابيين ضد الأسرة المالكة.

فظهرت للمرة الأولى حركة معارضة إسلاموية واسعة احتجاجا في المقام الأول على وجود قوات عسكرية غير مسلمة في ديار الحرمين الشريفين في مكة والمدينة. واعتبر رواد هذه الحركة وجود جنود أمريكيين في المنطقة التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية بمثابة تدنيس للحرمات.

وعندما ازدادت حدة الاحتجاجات في أواخر صيف عام 1993 تدخلت الحكومة وأمرت باعتقال عدد من علماء الدين الشباب المرموقين.أما أقطاب المذهب الوهابي في صفوف علماء الدين فقد قرروا مجددا رغم تعاطفهم مع العديد من مطالب الراديكاليين الشباب الوقوف بجانب الأسرة المالكة. الأمر الذي ساهم مساهمة فعالة في تعزيز الاستقرار الداخلي للبلاد.

الملك عبد الله والإصلاحات

يشكل اليوم المركز القوي الذي يحتله علماء الدين حجر عثرة أمام السياسة الإصلاحية التي تنتهجها الحكومة. كان المحرك الرئيسي لكافة المساعي التحررية المبذولة بعد عام 2001 ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله (مولود في عام 1923) الذي خلف شقيقه الملك فهد في الحكم بعد أن توفى هذا في عام 2005.

وكان الملك عبد الله قد مارس حتى أثناء عهد الملك فهد سياسة إصلاحية وإن اتسمت بالحذر. وكان أهم ما أفرزه هذا الخط الإصلاحي حتى الآن إجراء انتخابات البلدية في عام 2005. في هذا السياق رأت نخب علماء الدين الوهابيين في "الحوار الوطني" الذي تألف من مجموعة من المؤتمرات منذ 2003 وشارك به ممثلون عن كافة الشرائح السكانية تعرضوا فيه للعديد من المسائل المتنازع بشأنها انحسارا بالغا لمركزها وهيمنتها.

وكان من الصعب على هذه النخب أن تتقبل في تلك المؤتمرات وجود الإصلاحيين الليبراليين والنساء، أما وجود الشيعة هناك فقد لقي في صفوف الكثيرين من المحافظين معارضة شرسة.

قمع الشيعة

المشكلة الشيعية هي من الأعراض المرئية للمشاكل التي تجتازها العملية الإصلاحية الداخلية في السعودية. وتبلغ نسبة الشيعة 8 إلى 12 بالمائة من مجموع سكان السعودية علما بأن المذهب الوهابي يعتبرهم بكل صراحة ووضوح جماعة لا تنتمي إلى صفوف المؤمنين.

لهذا تتسم معاملتهم في السعودية في القطاعين الاجتماعي والاقتصادي بطابع التمييز وفي المجال السياسي بصفة التهميش كما أن هناك قيودا صارمة توضع عليهم إزاء ممارستهم لطقوسهم الدينية. بالتالي فإن ضمهم لعملية صنع القرار السياسي يبين من جانب أول مدى استعداد الملك عبد الله للتصدي للنخب الوهابية المهيمنة، أما من الجانب الآخر فإن المسألة الشيعية توضح بأن هناك ثمة حواجز وحدودا تعترض الطريق الإصلاحي.

فلا تكريس المساواة بين الشيعة وبين الأغلبية السنية أمر وارد ولا الاعتراف بمساواتهم في المركز في إطار المواطنة. هذا الاعتراف هو بحكم المستحيل لكون الأسرة المالكة الحاكمة تحرص على الحفاظ على شرعيتها الدينية التي لا يمكن أن يوفرها لها سوى علماء الدين الوهابيين.

على الرغم من حالة الضعف وانعدام التنظيم التي يجتازها الإسلاميون اليوم في السعودية، فإن الحكومة ترى في هذه المعارضة خطرا يستهدفها. لهذا فإنها لن تفرط بالتحالف المعقود بينها وبين علماء الدين الوهابيين. لكن بقاء هذا الوضع على حاله ينفي فرص اتخاذ إصلاحات داخلية جوهرية.

*غيدو شتاينبرغ باحث في المجموعة الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة العلم والسياسة في برلين، له العديد من المؤلفات عن المملكة العربية السعودي.

كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: qantara.de