العراق:

                         لسنا أمام حرب أهلية ولكن...!

 

 

 

ديفيد بروكس

 

 

خلال السنوات القليلة الأخيرة تحولت الحرب في العراق من حرب تحرير ضد صدام حسين إلى نزاع أهلي بين السنة والشيعة العرب. وحينما تنظر إلى هذا النزاع الأهلي فإنك تستطيع أن ترى كم كان نموذجيا مسار الأمور في الكثير من الحروب الأهلية التي وقعت في العالم خلال الستة عقود الأخيرة. فخلال هذه الحقبة الزمنية وقعت 225 حربا أهلية والكثير منها كان ذا مواصفات مشابهة بالنسبة للتمرد ومجابهته، حيث أخذ العنف فيها نفس الشكل الذي نراه اليوم في العراق.

هنا يجب القول إن صناع السياسات وواضعي الاستراتيجيات لم ينظروا للعراق ضمن السياق الأوسع لهذه النزاعات، وهذا يعود لأن الأميركيين يفكرون في الحروب الأهلية على غرار الحرب الأهلية التي وقعت في الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر، وهي لم تكن حربا أهلية نمطية على الإطلاق. كذلك لأن التعليم الذي كسبه الخبراء الأميركيون يستند إلى الحروب التي تقع بين الأمم حتى مع حقيقة كون الحروب الأهلية وقعت بنسبة تسع مرات أكثر من الحروب الأخرى.

ولو أنكم قرأتم مجلة «جورنال أوف بيس رسيرتش»، حيث يكتب الخبراء حول الحروب الأهلية، فستجدون أن منظورهم الأوسع عنصر مساعد لكم لرؤية العراق ضمن إطار أكثر وضوحا.

إنه لمن الشيق، على سبيل المثال، معرفة أن معدل أمد الحروب الأهلية هو ست سنوات. كذلك فإنه لأمر مفيد معرفة أن الحروب الأهلية تبدأ مثلما هو الحال مع العراق، بسبب فراغ السلطة على مستوى القمة. فحينما تصبح الحكومة المركزية للبلد غير فعالة، كما أصبح الحال في العراق بعد سقوط حكومة صدام حسين، حيث بدأت مجاميع مختلفة بالسعي لانتزاع قسط من السلطة والموارد.(وقوع الحروب الأهلية أكثر احتمالا في بلدان تمتلك نفطا ومصادر ثروات أخرى).

بالتأكيد يقوم قادة الفصائل المتمردة المسلحة بتضخيم الشكاوى والمظالم الإثنية كجزء من وسيلة لانتزاع المغانم، لكن الكراهية ذات الطابع الطائفي غير كافية لوحدها لبدء الحروب الأهلية. فتلك الحروب بدأت على يد النخب المحلية التي تريد بالدرجة الاساسية أن تستثمرها لخدمة مصالحها. وهي تقرر القيام بالعنف الآن على أمل انتزاع ثروة أكبر لاحقا. وقد يكون الدافع وراء قيام أولئك الأفراد بالقتل هو المظالم الاثنية، لكن الأشخاص الذين يقودون الحروب الأهلية هم عادة عقلانيون وجشعون في آن واحد.

وما إن تبدأ حرب حتى يصبح أمدها الزمني متأثراً بقوة وفاعلية الحكومة المركزية. فاذا كانت الحكومة المركزية قوية بما فيه الكفاية لمقاومة المتمردين واظهار التصميم بوجه الانتكاسات وكذلك رشوة زعماء التمرد بغرض المشاركة في المؤسسة الحاكمة، فانه يمكن بالتالي إنهاء الحرب. واذا كانت الحكومة المركزية ضعيفة او فاسدة أو اذا كان رد فعلها على التمرد يتسم بالوحشية المفرطة، فان الحرب، بالتالي، ستطول.

وهذا هو السبب الذي يجعل من الضروري أن تبقى الولايات المتحدة في العراق الى ان نتوثق من أن الحكومة قوية.

وهناك ثلاث طرق لانهاء الحروب الأهلية. ففي بلدان حيث تفعل الكراهيات الاثنية فعلها في خلق وضع مفرط الانحدار، قد لا يكون هناك جواب سوى التقسيم، أي الفصل بين الجماعتين. وفي بلدان حيث طرف معين لا يمكن أن يقبل بدون النصر الكلي فان الحرب، بالتالي، تبقى مشتعلة الى أن يواجه طرف معين هزيمة ساحقة.

ولكن الأنباء السارة القادمة من العراق الأسبوع الماضي هي أن السنة شاركوا في التصويت بحماس وبأعداد كبيرة. وفي ما قالوه وفي الطريقة التي تصرفوا بها أوضح السنة والشيعة على نحو لا لبس فيه أنهم بينما ينخرطون في خصومة شديدة فانهم يؤمنون بحماس بعراق ديمقراطي وموحد. وهذا لم يتحول بعد الى صراع حياة او موت.

وهذا يجعل من الخيار الثالث لإنهاء الحرب الأهلية، أي اتفاق مشاركة في الحكم، خيارا محتملا. ان صعوبة انهاء حرب اهلية عبر مساومة تكمن في أنه ما من طرف يمكن ان يثق بالطرف الآخر، الى الحد الذي يكفي لوضع سلاحه جانبا. وهذا هو السبب الذي يجعل من الضروري وجود طرف ثالث، كما هو حال الولايات المتحدة في العراق، من أجل حث الطرفين على التوصل الى تسوية، وفرض الاتفاق في ما بعد، وإعداد عقد اجتماعي فاعل بعدئذ، ومنع القوى الخارجية المناوئة من تخريب الاتفاق.

ومرة اخرى ذلك هو السبب الذي يجعل من الضروري أن تبقى الولايات المتحدة في العراق بما يكفي لتهدئة النزاع.

وفي الوقت الذي يدعو فيه البعض الى الانسحاب الفوري، هناك مزيد من الأنباء السارة بشأن العراق: تحسن في تدريب القوات العراقية، واستراتيجيات أكثر فاعلية لمكافحة التمرد، وازدهار في الاقتصاد العراقي، وتحسن كبير في استراتيجية البيت الأبيض في مجال الاتصالات، والثقة المذهلة للشعب العراقي، وخصوصا في ما يتعلق بالانتخابات المدهشة.

وكل هذه يعني أن الحرب الأهلية في العراق لا يتعين أن تكون مدمرة، أي اذا ما حقق العراقيون الهدوء وامتلكت الولايات المتحدة التصميم على انهاء مهمتها.

وكل ذلك بحسب رأي ديفيد بروكس .

 

*خدمة «نيويورك تايمز»

 

المصدر : الشرق الأوسط - 19-12-2005