مقالات و محاضرات

 

 

الغائب الأكبر في الإنتخابات العراقيةالأخيرة

 

المهندس حسين جهاد

 

لا شك في ان الإنتخابات  البرلمانية العراقية التي اجريت الخميس الماضي 15-12-2005كانت أفضل من الإنتخابات  التي سبقتها لأسباب عديدة منها مثلاً : النجاح(والنجاح من الأمور النسبية) في إجتذاب بعض المكونات والشرائح التي اختارت في الماضي مقاطعة الإنتخابات والعلمية السياسية ، و كلنا أمل في النجاح على صعيد الخطوات المكملة الأخرى للإجتذاب المذكور، و أعني تحديداً الإندماج و الدمج ،اي إندماج تلك المكونات في  الخطوات التالية للإنتخابات من خطوات العمل السياسي و دمج النظام السياسي لتلك المكونات في العملية السياسية ، لجعل الإجتذاب مستداماً ، ولا يكتب النجاح لهذا الإجتذاب ،كما لا يمكن أن يكون مستداماً دون الإستناد والإلتزام بالخيار الديمقراطي ، و إستحقاقاته في صياغة و بناء أ سس الدمج و الإندماج ، بعيداً عن المحاصصة و التهميش و التضخيم ، و هذه أهداف باتت واضحة ، و ما أكثر ما كتب في الإشارة الى الأهداف المذكورة و ضرورة تحقيق تلك الأهداف لبناء ديمقراطية صلبة ،لكن نادرة جداً المساهمات والكتابات في الطريق الى كيفية تحقيق الأهداف الستراتيجية ،والممثلة بالخطوات الإجرائية العملية الواقعية الميدانية اللأزمة لضمان :

ــ الإجتذاب

ــ الإندماج

ــ الدمج.

وبعيداً عن المحاصصة و التهميش و التضخيم ، و ما تم ّ تسريبه ــ لحد الان ــ من هنا و هناك يشير إلى عدم إستناد مفاوضات و إتفاقات الإجتذاب الى ما يضمن استمرارية الإندماج و الدمج ، لأن المرجع المحوري فيها لم يكن الإلتزام بالخيار الديمقراطي و إستحقاقاته و كما هي هي ، بل ْ محاصصة غير مباشرة استند ت على ظروف الوسيط ، الإستقواء بالخارج ، غياب العمل الحزبي بالمفهوم الواقعي للكلمة والملتزم بالديمقرا طية و الشورية داخل صفوف الحزب ، إضافة إلى شراسة المنافسة الإنتخابية و إنحسار شعبية بعض أطرافها ، و تخوف بعض الأطراف من تدني دعم الرأي العام لها.

ان أي إستقراء للبرامج الإنتخابية التي رفعتها الكيانات السياسية التي اشتركت في الإنتخابات يكشف من جهة عن الحجم الكبير للقواسم التي تجمع البرامج الإنتخابية للكيانات المختلفة ،كما يشير من جهة ثانية الى خلل كبير و محوري في تلك البرامج الإنتخابية ،الا و هو غياب الحديث عن الأليات ،فالبرامج لمْ تتطرق الى كيفية تحقيق الأهداف التي رفعتها، فكان الغائب الأكبر في الإنتخابات هو الحديث عن الأليات ... عن السبل ... عن الطرق ... عن الخطوات العملية الميدانية للوصول إلى الأهداف ، فيما كان الحاضر الأكبر هو الشعب ، و بمختلف شرائحه ، طبعاً الى جانب حضور نقاط الإشتراك الكبيرة والكثيرة في البرامج الإنتخابية.

ما السرّ في كل ذلك الغياب الكبير و الحضور الكثيف؟

أتصور ان حضور الشعب يعكس و مرة أخرى تمسك الشعب العراقي بالخيار الديمقراطي ، و إصراره على رفض الواقع المتردي القائم، و ان النقاط الكبيرة و الكثيرة التي اشتركت في رفعها معظم القوائم الإنتخابة تدل من ناحية على التماسك الإجتماعي ، والهموم والتطلعات المشتركة بين مختلف الشرائح و المكونات ،فليس منطقياً ان ترفع الكينات اهدافاً لا يريدها الشعب ، أو لا يتوق اليها، كما تدل النقاط المشتركة من ناحية اخرى على عدم سعة مساحة الإختلافات إلا بين بعض القيادات .

اما فيما يتعلق بالغائب الأكبر، اي غياب الأليات فالأمريرجع الى غياب ثقافة الأليات عن حياتنا،ومنها السياسة ، والإكتفاء بإعلام النوايا و الأهداف ،النية الحسنةأ والنبيلة  غير كافية، و لابد من خطة حسنة و متقنة و مدروسة للوصول أو الإقتراب من الأهداف ، ولابد لنا أن نسأ ل كل من يرفع شعاراً أو هدفاً عن الـ :

ــ منْ ...؟

ــ متى ...؟

كيف ...؟

فعلى أقل ا لتقادير، لابد السؤال فالحديث عن الموارد البشرية والمالية والبرنامج الزمني والعملي والأليات لتحقيق الهدف ، كي يكون الإقتراع مستنداً الى ذلك إذ اريد له ان يكون اكثر وعياً ، وبعيداً عن الطائفية والمحاصصة ، و ثقافة الأليات هي التي تضمن ديناميكية الديمقراطية و تكرسها ، و تسد الأبواب أمام المزيدات و الشعارات الديمجاوجية العاطفية و التسقيط والإبتزاز والمحاصصة الطائفية والكوتا غير المرئية خلف الكواليس ،و تجعل الجذب و الإنجذاب والدمج والإندماج ممكناً و فاعلاً ومستداماً و مستنداً الى الخيار الديمقراطي بلوازمه و اركانه و استحقاقاته ، و تجعل البرامج الإنتخابية واقعية و عملانية و مصداقية .

فليكن السؤال دائماً :

ــ كيف ستطبق ذلك الهدف؟

ــ كيف ستنفذ تلك الوعود؟

ــ كيف ستعالج ذلك الخلل ؟

والمطالبة تحديداً بخطوات عملية ميدانية واقعية مدعومة بالأعداد والأرقام و الإحصاءات الموثقة.

فهل الى ثقافة الأليات من طريق في مجتمعاتنا ؟

نعم ،والطريق طويل ، والديمقراطية فتية ، لكن تكريس الديمقراطية الصلبة المستدامة والحياة الأفضل تتطلب التكريس المتوازي لثقافة الأليات ، و قبل فوات الأوان .

 

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

 

siironlin.org