أميركا بين "الهوس بالسرية" والتدفق الحر للمعلومات

 

جيمي كارتر

 

اليوم يبلغ قانون حرية المعلومات الأميركي عامه الأربعين، وهو اليوم ذاته الذي صادف أننا نحتفل فيه بذكرى استقلالنا. ولكن هذا اليوم مع ذلك لن يشهد احتفالاً بحرية الوصول إلى المعلومات في بلدنا. والذي يجعلني أقول ذلك هو أن قادتنا قد أصبحوا، وبشكل متزايد، مهووسين بالسرية. فالسياسات التعويقية، والممارسات القاصرة، التي اتبعها هؤلاء القادة كانت سبباً في أن الكثير من الوثائق العمومية المهمة، والتصرفات الرسمية، بقيت مخفية عن أنظارنا.

فالأحداث التي تهم بلدنا اليوم مثل الحرب، وانتهاكات الحقوق المدنية، ومصاريف الطاقة المتزايدة على الدوام، وتمويل الحملات الانتخابية، وفضائح جماعات الضغط، هي التي أصبحت تملي الحاجة المتزايدة للوثائق العامة، وتؤثر على رغبة المواطنين في الوصول إليها. وفي استطلاع للرأي تم إجراؤه العام الماضي تبين أن 70 في المئة من الأميركيين، إما قلقون إلى حد ما، أو قلقون جداً، بشأن نزوع الحكومة إلى إضفاء السرية على أعمالها. وهذا أمر يمكن تفهمه إذا ما عرفنا أن حكومة الولايات المتحدة تستخدم على الأقل 50 مسمى مختلفاً للحد من المعلومات غير المصنفة، وأنها زادت المعلومات السرية بنسبة 81% عام 2005 مقارنة بما كان عليه الأمر عام 2000 وذلك وفقا للإحصائيات التي تم الكشف عنها في هذا الصدد من قبل إحدى الهيئات الرقابية الداعية إلى اعتماد المزيد من الانفتاح في السياسات الحكومية.

علاوة على ذلك نجد أن الاستجابة لقانون حرية المعلومات لا تفي غالباً بأهداف المحاسبية أو أحكام القانون، والتي تحتم أن تتم الاستجابة لطلبات الحصول على المعلومات خلال مدة لا تتجاوز 20 يوم عمل. ووفقاً لتقرير "سجلات الأمن القومي" الصادر عام 2003، فإن معدل الاستجابة الفعلية لهذه الطلبات، قد يصل في المتوسط إلى 905 يوم عمل في وزارة مثل وزارة الزراعة على سبيل المثال، وإلى 1,113 يوم عمل في وكالة الحماية البيئية. والمرجع الوحيد لأصحاب طلبات الحصول على المعلومات التي لم يتسنَّ الوفاء بها هو رفع استئناف لمحكمة المقاطعة في كل ولاية من الولايات الأميركية، وهي محكمة منضبطة في مواعيدها ولكنها مكلفة وغير متاحة لمعظم الناس.

إن السياسات التي تحبذ السرية، وطرائق التنفيذ التي لا تفي بمتطلبات القانون، والافتقار إلى وجود هيئة مخولة بالإشراف على التنفيذ، وعدم توافر آليات تنفيذ القوانين ذاتها، جعلت الولايات المتحدة متأخرة عن غيرها من الأمم فيما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.

إن الدول المتقدمة، وتلك التي لا زالت في طور النمو، أصبحت تدرك بشكل متزايد أن التدفق الحر للمعلومات هو أمر جوهري للديمقراطية. فسواء تعلق الأمر بحكومة، أو بشركات خاصة تقدم خدمات عامة، فإن حرية الوصول إلى السجلات تزيد من درجة الشفافية، وتسمح للمواطنين بالمشاركة بشكل أكبر في الحياة العامة. وحرية الوصول إلى مصادر المعلومات من الأدوات المهمة اللازمة لمحاربة الفساد، التي يمكن للناس أن يستخدموها من أجل تحسين حياتهم في مجالات الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان وغيرها من الخدمات العامة. وربما أن الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو أن حرية الوصول إلى المعلومات تزيد من ثقة المواطنين في حكوماتهم، وتسمح للناس بفهم القرارات السياسية، وترصد مدى التزام الحكومة بتنفيذها.

وهناك 70 دولة تقريباً -تشمل دولاً منخفضة الدخل وأخرى متوسطة الدخل- قامت خلال العقد الماضي بتمرير تشريع يضمن حق المطالبة بالوثائق العمومية واستلامها. وفي الوقت الذي تتقهقر فيه الولايات المتحدة في هذا المجال نرى أن الميل نحو الشفافية في تلك الدول يتزايد، وأن القوانين الخاصة بذلك تتطور كي تصبح أكثر شمولاً وأكثر فعالية من تلك الموجودة لدينا. وبخلاف قانون حرية المعلومات، الذي يغطي الفرع التنفيذي فقط، فإن التشريعات الحديثة في هذا المجال تشمل جميع فروع السلطة، وبعض الشراكات الخاصة. وعلاوة على ذلك فإن القوانين الجديدة للوصول إلى المعلومات، تؤسس لطرق لمراقبة التنفيذ، وتؤسس لحق الحصول على المعلومات، ولمساءلة الوكالات المختلفة عما يتعلق بقيامها بتقديم المعلومات بسرعة وبشكل وافٍ.

وفي جنوب أفريقيا وهي دولة عانت من الحكم السلطوي تحت نظام الفصل العنصري، نجد أن القانون الخاص بحرية الوصول إلى المعلومات، يمنح الأفراد الفرصة لطلب الوثائق العمومية، واعتبار الحكومة مسؤولة عن أعمالها، وذلك بطريقة لم يكن أحد يتخيلها منذ أقل من عقد من الزمان. وقد أسفرت تلك الطلبات عن الحصول على معلومات كشفت النقاب عن وجود ممارسات خاطئة في استغلال الأراضي لغير الأغراض المخصصة لها، وعن استخدام سياسات عفا عليها الزمن في محاربة فيروس نقص المناعة المكتسبة، كما كشفت عن فضيحة شابت صفقة أسلحة قيمتها مليار دولار. وفي المملكة المتحدة فرض القانون الجديد لحرية المعلومات على الحكومة الإعلان عن الأسباب الحقيقية لقرارها بشن الحرب ضد العراق.

وفي جامايكا وهي بلد عمل فيه "مركز كارتر" خلال الأعوام الأربعة الماضية للمساعدة على تأسيس نظام للوصول إلى المعلومات، استخدم المواطنين هناك هذا الحق لطلب مستندات بخصوص حماية ما يزيد على 2500 طفل في ملاجئ الأيتام. فخلال السنتين الماضيتين كانت هناك ادعاءات موثوق بها، عن تعرض هؤلاء الأطفال لانتهاكات بدنية وجنسية. يذكر في هذا السياق أن هناك تحالفاً مكوناً من الجماعات المهتمة، قد قدم ما يزيد على 40 طلباً للحصول على معلومات لتحديد ما إذا كانت توصيات الحكومة الجديدة قد تم تنفيذها لضمان السلامة المستقبلية ورفاهية هؤلاء الأطفال المعرضين للمخاطر أم لا.

وحتى في الدول والمدن سيئة الحظ مثل مالي والهند وشنغهاي فإننا نجد أن الجهود التي تسمح بالوصول إلى مصادر المعلومات، تضمن في الوقت الراهن المزيد من الشفافية في عملية اتخاذ القرار، كما تضمن المزيد من الانسياب الحر لتدفق المعلومات.

ويجب علينا في الولايات المتحدة أن نسعى إلى إجراء تعديلات على قانون حرية المعلومات، كي يكون أكثر ملاءمة وتطابقاً مع المعايير الدولية الجديدة، مثل تغطية جميع فروع الحكومة وليس فرعها التنفيذي، وكي يوفر هيئة إشرافية لمراقبة مدى الالتزام بالقانون تكون مزودة بآليات تسمح لها بفرض عقوبات على من يخفقون في الالتزام به، مع تأسيس آلية استئناف يسهل الوصول إليها لتوفير السرعة في البت في الطلبات.

إننا لا نستطيع أن نأخذ مسألة حرية المعلومات على أنها أمر مسلم به في الولايات وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإنما يجب علينا أن نتطلع إلى تطويرها لأن ديمقراطيتنا تعتمد عليها.

رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-4-7-2006