مقالات و محاضرات

 

 

ماذا كان الزرقاوي والقاعدة يصنعان في العراق قبل الحرب ؟

 

 

آخر سؤال طرح على الجنرال بيل كالدويل في لقائه الذي عقده مع الصحفيين يوم الخميس الماضي  حول مقتل الزرقاوي كان من مراسل صحيفة نيويورك تايمز ريتشارد أوبيل الذي أراد فيه معرفة المزيد عن أبو المصري ، وهو الشخصية التي يتوقع العديدون أنها ستخلف الزرقاوي في زعامة منظمة القاعدة في العراق . على ذلك السؤال رد كالدويل قائلاً :

" أجل ، المصري عربي من مصر وليس عراقياً . ولد ونشأ في مصر وتلقى تدريبه في أفغانستان ، ومعلوماتنا عنه تفيد بأنه ضالع في صنع العبوات الناسفة وزرعها في العراق الذي ربما يكون قد قدم إليه في عام 2002 ومن المحتمل أن يكون هو الذي ساعد في تأسيس أول خلية للقاعدة في بغداد . " شيء غريب ؟ هل يجهل كالدويل أن العراق لم يكن فيه إرهابيون من القاعدة قبل الإحتلال الأميركي في آذار 2003 ؟ الكل يعلم أن الإرهابيين ما توافدوا على العراق أسراباً تلو أسراب إلا بعد أن بدأت الحرب . فما الأمر إذاً ؟ حين يقرأ المرء تغطية مقتل الزرقاوي التي بثتها كبريات الصحف الرئيسة سيفهم لماذا شاعت كذبة أن العراق لم يعرف إرهابيي القاعدة قبل الحرب الأخيرة ولم وامتد الأجل بهذه الكذبة إلى يومنا .

فكثير من الصحفيين أما يجهلون أو يتجاهلون حقيقة أن الزرقاوي كان في بغداد ومعه أكثر من عشرين من أعضاء القاعدة قبل وقوع الحرب بما يقارب العام . هذه الحقيقة لم تطرح للنقاش بصورة جدية . فقد أشار إليها كولن باول فيما قدمه للأمم المتحدة قبل الحرب ، ثم أكدتها لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ في مراجعتها لمعلومات المخابرات عن حرب العراق ، وقد ذكر الجنرال تومي فرانكس في كتابه عن العراق أن الزرقاوي تلقى معالجة طبية في بغداد . وفي حزيران 2002 أمدت الحكومة الأردنية النظام العراقي بمعلومات تفصيلية عن أماكن تواجد الزرقاوي وهذا أمر أقرت به عمان فيما بعد . فلماذا إذاً لم تتضمن التغطية التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” لأبرز الأحداث في حياة الزرقاوي ، والتي بلغت 35 فقرة ، تلك الفترة التي قضاها زعيم الإرهابيين في بغداد ؟ ولماذا يكتفي كريستوفر ديكي في مقالته على صفحات مجلة “نيوزويك” ، التي غطت مختلف جوانب حياة الزرقاوي ونشاطاته ، بالإشارة إلى أن الإرهابي الأردني ارتبط بجماعة إسلامية متطرفة في المنطقة الجبلية من كردستان العراق التي كانت خارجةعن سيطرة صدام من دون أن يتطرق إلى الفترة التي قضاها في بغداد تحت ظل نظام صدام . ولكن عرضاً قدمته مجلة “تايم” بقلم رئيس مكتبها المبدع جون برنز أشار إلى إجابة كالدويل على سؤال أوبل . ولكن العديد من تقارير الأخبار تجاهلت وبكل بساطة حقيقة أن الزرقاوي ومجموعته كانوا يعملون جهاراً في عراق البعث قبل أشهر من دخول القوات الأميركية في آذار 2003 . بل أن البعض تمادى أكثر من ذلك ، حيث ارتأى باتريك كوين ، الكاتب في وكالة اسوشيتد بريس ، أن مزاعم إدارة بوش القائلة بأن الزرقاوي هو همزة الوصل بين العراق والقاعدة كانت خادعة . ويسترسل كوين في مقالته إلى حد القول : " بدأ نسج الأسطورة عن الزرقاوي قبل بدء الحرب في آذار 2003 . قبلها بشهر واحد . ثم أخبر وزير الخارجية كولن باول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن وجود الزرقاوي في العراق دليل دامغ على وجود صلات بين صدام والقاعدة . ولكن مسؤولي المخابرات عادوا فيما بعد ليعلنوا بطلان هذا الزعم . " إلا أن هذا القول هو عين الباطل . فليس فقط أن الزعم لم يعلن بطلانه بل أنه تم تأكيده لدى مراجعة معلومات ما قبل حرب العراق التي أجرتها لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ في تموز 2004 . وفي 5 شباط 2003 أخبر باول مجلس الأمن أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق مما أسماه " شبكة العلاقات المعقدة الخبيثة بين العراق وإرهابيي القاعدة " . يومها قال باول : " تلك الشبكة تجمع بين المنظمات الإرهابية الكلاسيكية وطرق القتل الحديثة ، وإن العراق اليوم مأوى لشبكة قاتلة من الإرهابيين يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي وهو من أصحاب أسامة بن لادن والمتعاونين معه وأتباع القاعدة الآخرين . "  ثم مضى باول في وصف نوع التدريب الذي تلقاه الزرقاوي في أفغانستان وخبرته في العمل على الأسلحة الكيمياوية وتطرق في حديثه إلى معمل الأسلحة الكيمياوية الذي كان الزرقاوي يعمل على إنشائه في شمال العراق . وواصل باول حديثه قائلاً بالحرف الواحد : " وإن اولئك الذين يشرفون على إدارة هذا المعسكر هم من مساعدي الزرقاوي العاملين في شمال المنطقة الكردية في العراق الخارجة عن سيطرة صدام . إلا أن بغداد لها عميل يحتل موقعاً رفيعاً في تلك المنظمة المتطرفة التي يطلق عليها اسم أنصار الإسلام والتي تفرض سيطرتها على ذلك الركن من العراق . وفي عام 2000 عرض هذا العميل على منظمة القاعدة تقديم ملاذ آمن لها في تلك المنطقة . وبعد أن طردنا القاعدة من أفغانستان تقبل بعض أعضاءها اللجوء إلى هذا الملاذ الآمن وهم يقيمون فيـه الآن . لكن نشاطات الزرقاوي لم تكن مقتصرة على هذا الركن الصغير من شمال العراق ، حيث أنه سافر إلى بغداد في أيار 2002 لتلقي المعالجة الطبية وبقي في العاصمة العراقية لمدة شهرين حتى يتعافى لخوض معارك جديدة . وخلال هذه الفترة توافد على بغداد ما يزيد على عشرين متطرفاً وأقاموا قاعدة عمليات لهم فيها . ومنتمو القاعدة المتمركزين في بغداد الآن يقومون بتنسيق تحركات الأشخاص والأموال والتجهيزات إلى داخل العراق وفي جميع أنحاءه لصالح شبكة الزرقاوي وهم يعملون الآن في العاصمة بحرية مطلقة منذ ما يزيد على ثمانية أشهر . إن المسؤولين العراقيين ينفون أية اتهامات تربطهم بالقاعدة ، ولكن هذا النفي لا مصداقية له . ففي العام الماضي تباهى عضو في القاعدة زاعماً بأن الوضع في العراق جيد ، على حد قوله ، بحيث سيكون من الممكن إحداث النقلة في بغداد بسرعة . ونحن نعلم أن هؤلاء المنتمين إلى القاعدة مرتبطون بالزرقاوي لأنهم دائبون إلى اليوم على إجراء اتصالات منتظمة بمعاونيه المباشرين ، بما فيهم مخططي الخلية السامة وهم منخرطون في تحريك المزيد من الأموال والمواد . "

كان هذا هو ما قاله كولن باول .

وعاد باول فأشار إلى أن مساعدي الزرقاوي الذين تم القبض عليهم بعد اغتيال موظف الإغاثة الأميركي لورنس فولي في الأردن اعترفوا اثناء التحقيق بأنهم تلقوا السلاح من الزرقاوي . كما أن معظم تلك الخطة كان قد خطط لها في الملاذ الآمن الذي يقيم فيه الزرقاوي داخل العراق . وقد وجدت لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ أن المعلومات التي وردت في كلمة وزير الخارجية باول ، فيما يتعلق بالإرهاب والتي قدمتها وكالة المخابرات المركزية ، قد تم التحقق منها بعناية من قبل محللي الإرهاب والمنطقة ، وأن أي من تلك التقارير المخابراتية لم يأت مختلفاً بأي قدر يذكر عن التقييمات التي أصدرتها وكالة المخابرات الأميركية  بل أن وكالة المخابرات المركزية كانت على علم ، في الواقع ، بوجود صلات بين الزرقاوي والمخابرات العراقية منذ آذار 2002 عندما تقدم زعيم عمليات القاعدة أبو زبيدة طوعاً للمحققين بعد القبض عليه بمعلومات تفيد بأن بن لادن كان يعارض إقامة تحالفات نظامية صريحة مع صدام ، ولكنه كان على استعداد للتغاضي إذا ما تولى غيره مثل تلك العلاقات عنه من دون أن يبلغه . وفي نفس ذلك الإقرار أخبر أبو زبيدة المحققين الأميركيين أن الزرقاوي كان على علاقة طيبة بالمخابرات العراقية . وأبو زبيدة خير من يستطيع الحكم على مثل هذه الأمور لأنه عرف زعيم الإرهابيين الأردني على مدى سنوات ، وقد خططا معاً لتفجير فندق راديسون في عمان، وتمت محاكمتهما غيابياً عن ذلك الهجوم . وكان الزرقاوي قد أدار معسكراً تدريبياً في هرات في أفغانستان قبل أن ينتقل إلى العراق بعد الغزو الأميركي ، ولكن عملاء جهاز المخابرات الأردني تتبعوه . وقد قامت لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ ، التي أطلقت على الأردنيين وصف " جهاز حكومي أجنبي " ، بمناقشة تلك الأحداث في تقريرها لشهر تموز 2004 الذي قالت فيه : " لقد كان النظام العراقي يعلم ، على أقل تقدير ، بوجود الزرقاوي في بغداد في عام 2002 بعد أن قدم جهازا حكوميا أجنبيا معلومات تتعلق بأماكن وجوده إلى السلطات العراقية في حزيران من عام 2002 . " وقد أكد تقرير مجلس الشيوخ مزاعم باول بأن الزرقاوي كان يعمل من داخل العراق الذي يسيطر عليه نظام صدام ، حيث جاء فيه ما نصه : " كان الزرقاوي وشبكته يعملان من داخل بغداد ومن المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في العراق أيضاً . " وقد تحدث مسؤول أمني أردني مؤخراً إلى صحيفة واشنطن بوست قائلاً : " كان هنالك دليل على أن الزرقاوي موجود في العراق خلال تلك الفترة ، وقد بعثنا بعدة مذكرات إلى العراق حينها نطلب منهم تحديد مكانه وكيفية حصوله على السلاح وكيف يتيسر له تهريبها عبر الحدود . " ويمضي تقرير الواشنطن بوست قائلاً : " يذكر المسؤول الأمني الأردني أن حكومة صدام لم ترد على تلك المذكرات أبداً ، ولكن الوثائق التي أمكن الحصول عليها بعد الإطاحة بالنظام في عام 2003 تظهر أن الأجهزة العراقية قد قامت باحتجاز بعض العاملين التنفيذيين من مجموعة الزرقاوي ثم عادت فأطلقت سراحهم بعد استجوابهم . بل أكثر من هذا أن العراقيين قاموا بتحذير هؤلاء التنفيذيين بأن الأردنيين على علم بمكانهم . وبعد أن تعافى الزرقاوي من إصاباته استأنف تحركاته المتكررة عبر الحدود في المنطقة مستخدماً التنكر وجواز سفر مزور ليتجنب الأردنيين الذين يتعقبونه . "

ترى ما الذي يدعو العراقيين لاحتجاز أعوان الزرقاوي ثم إطلاق سراحهم بعد تحذيرهم بأن الأردنيين جادون في أثرهم؟ ووفقاً لما يقوله المسؤولون العسكريون الأميركيون السابقون والحاليون فإن المقاتلين الأجانب كان قد ألقي القبض عليهم ضمن حملة كاسحة أوسع استهدفت المتطرفين الدينيين العراقيين . ولكن تلك لم تكن نهاية القصة ، حيث أن المقاتلين الأجانب سرعان ما أطلق سراحهم بموجب توجيه مباشر صادر عن مكتب الرئيس العراقي السابق صدام . والمثير في الأمر هو أن هذه الحقيقة المهمة التي سربت إلى وسائل الإعلام بشأن احتجاز إرهابيي القاعدة ثم إطلاقهم قد أسقطت من التقارير الصحفية بالمرة على ما يبدو ولم يشر إليها أحد .

مقتل الزرقاوي المتعصب المتعطش للدماء يذكرنا بحقيقة السبب الذي نقاتل من أجله . ونظرة واحدة إلى الوراء على ما صنعت يداه بعد خروجه من أفغانستان تكفي لجعلنا نمضي في خوض المعركة في العراق.

 و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر:جريدة الصباح نقلاً عن ويكلي ستاندرد-21-6-2006