مقالات و محاضرات

 

 

مثلث الرعب... لم يرعبنا بعد

 

صفات سلامة

 

يشهد العالم الآن ثلاث ثورات علمية جديدة متداخلة واعدة ومرعبة، ما زلنا في عالمنا العربي لا نعرف عنها الا أقل القليل، رغم أهميتها وخطورتها في القرن الحادي والعشرين. ويؤكد الكثير من العلماء وخبراء المستقبليات أن هذه الثورات الثلاث سوف تكون أشد تأثيرا بكثير على حاضر ومستقبل البشرية عما سبقتها من ثورات، كما أن التعمق كثيرا في هذه الثورات قد يعرض مستقبل الحضارة البشرية للخطر. والثورات العلمية الجديدة هي الجينات Genetics والنانوتكنولوجيNanotechnology والروبوتات Robotics، التي تحمل كل منها في طياتها احتمالات وامكانيات هائلة لتحسين وتيسير حياة الانسان وحل مشكلاته، وفي نفس الوقت أخطارا مرعبة تتربص بالانسانية كلها اذا ما أسيء استخدامها.

فاذا ما نظرنا الى ثورة الجينات، نجد أنها استطاعت أن تقدم للإنسان امكانات هائلة في العلاج والتشخيص، خاصة مع اكتشاف الخريطة الوراثية الكاملة للانسان، وهو ما يعرف بمشروع الجينوم البشري، فقد بدأت الشركات العالمية تتنافس وتتسابق في ما بينها للاستثمار في مجال البحوث البيوتكنولوجية التي تقوم على استخدام الجينات والحمض النووي لأغراض علاجية، لكن ما يخشاه المراقبون أن يتحول هذا العلم الواعد الى تجارة بحتة، قد تصل بالانسانية الى ما لا يحمد عقباه. يقول العالم والمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياماFukuyama في كتابه «مستقبلنا بعد البشري: عواقب ثورة التقنية الحيوية» Our Posthuman Futur Consequences of the Biotechnology Revolution لقد أصبحنا على وشك الدخول الى مستقبل ما بعد البشرية، حيث ستمنحنا فيه التقنية القدرة على تعديل جوهر البشر تعديلا جذريا بمرور الزمان، وقد يصير عالما تنافسيا سلطويا يعج بالصراعات الاجتماعية بدرجة اكبر بكثير مما هو عليه الآن، وقد يصبح عالما تضيع فيه أية فكرة عن الانسانية المشتركة، لأننا مزجنا الجينات البشرية بجينات أنواع أخرى كثيرة من الأحياء، بحيث لم تعد لدينا فكرة واضحة عن ماهية الانسان. لقد أصبح التصدي لمسألة التلاعب في الجينات أمرا في غاية الأهمية، خاصة ما يتعلق بأبحاث الاستنساخ، التي قد تلبي رغبات أصحاب النظريات العرقية وتعمل على تصنيف جديد للجنس البشري، وما ينتج عنه من أخطار مرعبة.

وعن ثورة الروبوتات، التي دخلت تقريبا في كل مجالات الحياة، والتي ما زلنا ننظر اليها على أنها تدخل ضمن باب الخيال العلمي، نجد أنها قد تقدمت تقدما ملحوظا في السنوات القليلة الماضية، لدرجة أن العديد من خبراء الروبوتات والذكاء الصناعي يتنبأون بأنه خلال السنوات القليلة المقبلة سوف تصبح الروبوتات أحد اللوازم اليومية للمجتمع البشري، محدثة بذلك تغييرا في الطبيعة الأساسية للمجتمعات، حيث تطالعنا وكالات الأنباء يوميا بالاكتشافات والاختراعات الروبوتية المذهلة المبشرة بمستقبل واعد لهذه التكنولوجيا، وفي نفس الوقت تحذرنا مما سيؤول اليه مستقبل البشرية اذا أسيء استخدام هذه التكنولوجيا. ويكفي أن أشير هنا الى تمكن علماء أمريكيين أخيرا من صنع جهاز استشعار يمكنه أن يحس بملمس الأجسام بنفس درجة حساسية أصابع الانسان، الذي سيمنح الروبوتات حاسة لمس بالغة الدقة، تستشعر باللمس الأشكال والأنسجة والصلابة، والتعامل بدقة مع الأجسام التي يصعب تحديدها والتعامل معها بحاسة البصر وحدها، وهو ما سيفيد في جراحات استئصال الأورام. يقول العالم الأمريكي رائد الذكاء الصناعي راي كيرزويل Ray Kurzweil في كتابه «عصر الالات الذكية»The Age of Intelligent Machines، إن عصر الانسجام بين الانسان والآلة قادم لا محالة، وبنهاية القرن الواحد والعشرين لن يصبح ممكنا التفريق بين عالم الإنسان وعالم الآلة، اذ سيكون الانسجام مطلقا بينهما وسيتحقق الاندماج كلية أو قاب قوسين أو أدنى من ذلك. ويرى كيرزويل أن الابتكار الذي سيغير تاريخ البشرية، سيكون روبوتا مجهريا دقيقا جدا يتجول في الجسم عبر الأوعية الدموية، ويتمكن من تشخيص وعلاج العديد من الأمراض.

أما ثورة النانوتكنولوجي، فتعد أهم ثورة علمية، اذ يرى العديد من خبراء المستقبليات أن المبتكرات والانجازات التي تعد بها هذه الثورة، سوف تؤثر في جميع مجالات حياتنا خلال السنوات القادمة، بطريقة تفوق بكثير جميع التغييرات التي حدثت خلال القرون الماضية. ورغم الفوائد العلمية الجمة لهذه الثورة، فان معارضيها يخشون من تحولها لسلاح مدمر، يبيد كل أشكال الحياة على الأرض.

ورغم كل هذه الآفاق الواعدة والأخطار المرعبة لهذه الثورات، الا أن عالمنا العربي ما زال لا يعرف الكثير عنها وعن منجزاتها الهائلة المتسارعة، وفي نفس الوقت الأخطار المحيطة بنا والمرعبة ازاء التعمق الكثير والسريع في هذه المجالات الجديدة.

لقد أصبح الاهتمام بهذه الثورات العلمية الجديدة ضرورة حتمية في المؤسسات والمراكز العلمية والتعليمية في عالمنا العربي، مع ضرورة اعتماد ميزانيات ضخمة للبحوث في هذه المجالات الجديدة، وانشاء العديد من مراكز التميز للدراسة والبحث في هذه المجالات الجديدة، واقامة العديد من المؤتمرات العلمية العالمية، مع الاستفادة من خبرة علمائنا العرب بالخارج في هذه التخصصات النادرة والجديدة، تصاحب ذلك زيادة الوعي العلمي بأهمية ومخاطر هذه الثورات، من خلال اعلام علمي متميز يساير العصر وأفاقه العلمية المتجددة، لإعداد أبنائنا للحاضر والاستعداد لمفاجآت المستقبل المذهلة والمرعبة.

كاتبة وباحثة مصرية مقيمة بأمريكا

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور.

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-20-6-2006