نعم: هناك عوامل قوة عربية

 

د. بهجت قرني

 

في استجابة لمقال سابق عن احتمال تَغيُّر معدلات القوة العالمية لصالح العرب، عبّرت باحثة تونسية عن شكِّها الشديد في تحقيق مثل هذا الاحتمال رغم وجود بعض عوامل القوة المادية في صالح العرب. وفي الواقع فقد عبّر آخرون عن هذا الشك لكي لا يؤكدوا أن عوامل القوة الحقيقية ليست هي التي تأتي بالمصادفة، مثل ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمي فجأة، ولكن عوامل القوة الحقيقية هي التي تأتي عن طريق التخطيط أو ما يسمى أحياناً Social engineering أو الهندسة الاجتماعية، وأساسها قرار سياسي أو اقتصادي، أي اختيار متعمد.

وفي الواقع ففي علم السياسة هناك تفرقة بين عوامل القوة المادية -مثل وجود البترول- والإرادة السياسية من أجل استخدام هذه القوة المادية الموجودة منذ عقود، ولاشك أن أوضح مثال على هذا من المنطقة المحيطة بنا هو الحظر البترولي في سنة 1973. فقد كان البترول موجوداً في دول الخليج منذ عقود، ولكن ما أدى إلى أهميته السياسية وزيادة قيمته الاقتصادية عن طريق زيادة أسعاره وتراكم البترودولارات هو الإرادة العربية في أكتوبر سنة 1973 لاستخدامه كسلاح ضغط ضد بعض الدول. بمعنى أوضح أن وجود عوامل القوة المادية دون الإرادة السياسية يجعل من هذه القوة المادية نوعاً من المخزون الاحتياطي فقط.

وأول مظاهر الإرادة السياسية العربية في هذا الشأن، هو التخلص وبوضوح من وهم كبير يسيطر على الشارع العربي، وكذلك على بعض مظاهر الإعلام العربي، ألا وهو الأولوية الكبرى -وفي بعض الأحيان الوحيدة- للعلاقات مع الولايات المتحدة، وبالطبع لا يستطيع أي عاقل أن يطالب بإهمال العلاقات مع الولايات المتحدة، فهذا غير ممكن البتة، ولكن لا يجب بأي حال من الأحوال الاقتصار على هذه العلاقات.

ثاني مظاهر الإرادة السياسية العربية هو النظر للمصالح المشتركة التي تربطنا بأوروبا، كمجموعة موحدة، وكذلك كدول شكلت جزءاً كبيراً من التاريخ العالمي وكذلك بالطبع من التاريخ العربي، فمثلاً البحر المتوسط الذي يفصل غالبية السكان العرب عن أوروبا، هو في الواقع ليس ببحرٍ مقارنة بالمحيط الأطلسي أو الباسفيكي، ولكنه نسبياً بحيرة، وكان على مرّ التاريخ عامل اتصال أكثر منه عامل انفصال، ولنتذكر مثلاً أن ثغراً عربياً أساسياً مثل الإسكندرية يرجع اسمه إلى اليوناني الأسكندر الأكبر، كما أن حياة العلامة العربي عبدالرحمن بن خلدون وتنقلاته بين الشمال الأفريقي، تونس أو المغرب والجنوب الأسباني، تبيّن أن هذه الأماكن لم تكن منفصلة بعضها عن بعض آخر.

باختصار، وحتى قبل التقدم التكنولوجي المعاصر ووسائل المواصلات السريعة، لم يكن البحر المتوسط عامل اتصال فقط بين السكان العرب والأوروبيين، ولكن عامل تواصل أيضاً، على المستوى الاقتصادي كما على المستوى السياسي وخاصة الثقافي. فمثلاً التواصل في القيم والعادات والتقاليد بين العربي في مصر مثلاً والأوروبي في اليونان، إيطاليا أو حتى جنوب فرنسا في مارسيليا، أكثر بكثير جداً من التواصل بين هذا الأوروبي المتوسطي ونظيره الأوروبي في شمال إنجلترا أو شمال ألمانيا أو الدول الإسكندنافية.

وفي الواقع فإن هذا التواصل بين شاطئي البحيرة المتوسطية هو أساس بعض المشاكل الحالية، والتي من الممكن تحوُّلها إلى مصالح مشتركة، كالهجرة مثلاً.

هذا التواصل العربي- الأوروبي يُبين لماذا هناك تجارة وسياحة واستثمار بين الجانبين، تفوق بكثير ما هو موجود بين العرب والولايات المتحدة، كما تدل بوضوح البيانات والإحصائيات. ولست بالطبع محتاجاً للتفصيل عن عوامل أخرى مثل الاعتماد الأوروبي على البترول العربي أو احتياج العرب إلى التكنولوجيا الأوروبية، حتى يتضح مقدار المصالح المشتركة بين الجانبين.

التواصل والمصالح المشتركة العربية/ الأوروبية -لو تم تفعيلهما بقرار عربي- سيؤديان بالتأكيد إلى تقليل الاعتمادية المفرطة على الولايات المتحدة، بل أكثر من ذلك قد يؤدي إلى بعض التعديل في هيكل النظام الدولي من القطبية الأحادية تحت هيمنة واشنطن إلى نظام متعدد الأقطاب. ولنفكر مثلاً ماذا يحدث على المستوى العالمي، لو قام بعض العرب بتحويل بعض احتياطيهم النقدي من الدولار إلى اليورو؟

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-16-6-2006