العراق...رهان بوش في بقية ولايته الرئاسية
جون هيوز
في الوقت الذي جمع فيه الرئيس جورج بوش مستشاريه بكامب ديفيد هذا الأسبوع من أجل التباحث حول موضوع العراق، لابد أن جل تفكيره كان منصباً على الانتخابات النصفية المقبلة وانتخابات 2008 الرئاسية التي تليها. لقد جرت العادة على أن تكون حالة الاقتصاد، وليس مواضيع السياسة الخارجية، هي التي تؤثر على طريقة تصويت الأميركيين في انتخاباتهم الوطنية. غير أن الظروف الحالية ليست عادية، ذلك أن الولايات المتحدة تخوض اليوم حرباً ضد الإرهاب، كما أن الآلاف من جنودها معرضون للخطر في العراق. ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن يلعب مستوى الاستقرار في العراق، وحجم الإصابات في صفوف الجنود الأميركيين، إضافة إلى حالة عدم اليقين بخصوص مدة الالتزام الأميركي دوراً مهماً في الانتخابات المقبلة. وإذا كانت محادثات كامب ديفيد قد تناولت موضوع العراق، فإن الرئيس كان يتخذ أيضاً قرارات من شأنها التأثير على ما تبقى من فترته الرئاسية. وبالتالي، فإنه يمكن القول إن بقية فترة بوش الرئاسية ستكون رهينة المآل الذي ستؤول إليه الأوضاع في العراق. ولئن كان الأداء العسكري في بداية الحرب في العراق بدا جيداً بعد أن تمكنت القوات الأميركية والبريطانية بسرعة من التغلب على جيش عراقي ضعيف، فإنه لم يجرِ التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب بما ينبغي من الدقة والعناية وسرعان ما تكشفت ملامح العجز عن إدارة هذه المرحلة. في الجانب الإيجابي، تم إسقاط نظام صدام حسين الذي من المرتقب أن يواجه العدالة بسبب ما ارتكبه من جرائم. وإضافة إلى ذلك، فقد صوت ملايين العراقيين في انتخابات حرة، وتم وضع دستور للبلاد، وتنصيب حكومة وحدة وطنية. كما تمكنت القوات الأميركية الأسبوع الماضي من تحديد مكان زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي وقتله. وهو ما يعد نصراً لأجهزة المخابرات الأميركية في العراق، ويشكل دون شك ضربة قوية لمعنويات أتباعه. إلا أنه من غير المعروف كيف سيؤثر رحيل الزرقاوي على زخم الأنشطة الإرهابية. أما في الجانب السلبي، فقد استغرق تشكيل الحكومة العراقية وقتاً طويلاً جداً، وهو ما يعكس الشكوك المتواصلة والكبيرة في أوساط الأكراد والسُّنة والشيعة. وبالرغم من التقدم الذي لم يحظَ بما يكفي من اهتمام وسائل الإعلام على صعيد إعادة إنشاء البنى التحتية في العراق، إلا أن العديد من العراقيين مازالوا دون كهرباء وماء وغيرهما من الخدمات الأساسية. أما الأمن فهو منعدم في الغالب الأعم، ولاسيما في وقت تعج فيه البلاد بالأسلحة المختلفة التي توجد بحوزة القوات الأميركية، والجيش والشرطة التابعين للحكومة العراقية، والمليشيات الخاصة، والفصائل السياسية، إضافة بطبيعة الحال، إلى الإرهابيين من مختلف الجنسيات الذين ينطلقون من أجندات مختلفة. ونتيجة لذلك، دفعت هذه الظروف مجتمعة بعض العراقيين إلى القول إنهم إذا كانوا سعداء بالحرية التي ينعمون بها اليوم، إلا أن الحياة اليومية هي أسوأ اليوم مما كان عليه الحال في عهد نظام الرئيس المخلوع صدام حسين. وفي وقت تستمر فيه أعمال عنف الحركات المتمردة والخصومات السياسية، شهدت شعبية الرئيس بوش تدنياً كبيراً في الولايات المتحدة. فبالرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن أغلبية من الأميركيين أيدت قرار التدخل في العراق، غير أن صبر الأميركيين أثناء مرحلة ما بعد الحرب آخذ في النفاد. وبالتالي، فإن الرئيس بوش لا يتوفر على شيك أبيض من الشعب الأميركي. والواقع أن قائمة المواضيع التي تقض مضجع بوش طويلة وعريضة. فعلى المستوى الخارجي، هناك طموحات الأسلحة النووية الإيرانية والكورية الشمالية، ومشاعر معاداة الولايات المتحدة التي يجهر بها رئيس فنزويلا الغنية بالنفط هوغو شافيز، إضافة إلى المد اليساري في أميركا اللاتينية، وعلاقة الولايات المتحدة مع كل من الصين وروسيا. والملفت أن بوش خفف من لهجته حول بعض هذه القضايا بعد أن منح وزيرة الخارجية كندوليزا رايس السلطة لتجربة وسائل دبلوماسية جديدة. أما على المستوى الداخلي، فيعمل بوش على الترويج لإصلاحات على صعيد الهجرة والضمان الاجتماعي، وكلاهما موضوع مثير للجدل ويجب التطرق إليهما بالرغم من أنهما لا يمنحانه مكسباً سياسياً كبيراً. ولهذا الغرض، شرع بوش في مغازلة أعضاء في الكونغرس يعتبر إقناعهم ضرورياً إن هو كان حريصاً على إنجاح مخططاته الإصلاحية. غير أن كل المشاكل، الداخلية منها والخارجية، تحتل مرتبة متأخرة طالما ظل موضوع العراق هو التحدي الرئيسي. الأمر المثالي هو أن تقضي الحكومة العراقية الجديدة على الإرهاب، وتعمل على استقرار الاقتصاد، وتسمح بتدشين عملية انسحاب أميركية. والواقع أنه في حال تمكن العراق من القيام بهذا الأمر وفق جدول زمني معقول، فمن شأن ذلك أن يكون له تأثير مهم على مناطق أخرى من العالم الإسلامي. وبالتالي، يمكن القول إن استقراراً في العراق يدفع في اتجاه نوع من الديمقراطية في الشرق الأوسط يمكن أن يكون أفضل إنجاز يرتبط بإرث ولاية بوش الرئاسية. وعليه، فلا غرابة إذن أن يكون بوش ومستشاروه منشغلين بتطورات موضوع العراق. مساعد وزير الخارجية في إدارة الرئيس رونالد ريغان و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" - 17-6-2006ينشر
|