يسار جديد في مواجهة المحافظين الجدد
إبراهيم غرايبة
يتحدث الكاتب الأميركي المحافظ ستيفن مالانغا، في كتابه "الجيل الجديد من اليسار"، عن تيار سياسي جديد يواجه المحافظين الجدد، وهو تيار بدأ بالظهور والتنامي في الوسط الليبرالي الأميركي، وبخاصة بين اتحادات العمال والعاملين في المؤسسات الحكومية ومنظمات الخدمات الاجتماعية والعمل الجماهيري في مجالات البيئة وحقوق المرأة وحقوق الأقليات والحقوق المدنية والمهنية. ويهدف هذا التيار إلى تحقيق عدالة ضريبية، لتتصاعد الضريبة وفقا للدخل والأرباح، بدلا من سياسة المساواة الضريبية التي اتبعها جورج بوش والمحافظون الجدد، والتي تساوي في الضريبة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دخولهم وأرباحهم، وهو الاتجاه الذي بدأ يطبق في الأردن أيضا مع فرض وزيادة ضريبة المبيعات، وتقليص ضريبة الدخل. ويسعى هذا التيار أيضا إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، وبمعنى آخر فإنه يهدف إلى استعادة دولة الرفاه التي قضت عليها الشركات ومؤسسات رجال الأعمال التي استولت على السلطة في الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى كثيرة. وبدأ هذا التيار بالظهور في الانتخابات المحلية لكثير من المدن والمقاطعات الأميركية، وهو تيار مختلف عن اليسار الأوروبي الجديد الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يوائم بين الليبرالية والاشتراكية، ولكنه جيل سياسي نشأ بفعل سياسات مواجهة الفقر وتنمية المجتمعات التي اتبعتها الحكومات الغربية لمواجهة الشيوعية، وتمحور في مجموعات من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية العاملة في التنمية والرفاه. وتركز هذه الجماعات الجديدة في برامجها السياسية والانتخابية، وضغوطها على المرشحين والدولة، على تحديد حد أدنى للأجور وربطها بمتطلبات المعيشة، وهي تنتشر بقوة في 43 ولاية أميركية على الأقل. ويرى المحافظون الجدد، والمؤلف من بينهم، أنها حركات تؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي، وتتناقض مع قاعدة العرض والطلب التي تمثل أساس قوانين الاقتصاد الحر. كما أن الولايات المتحدة استقدمت في السنوات العشر الأخيرة حوالي 13 مليون مهاجر، غالبيتهم من الفقراء وغير المتعلمين تعليما متقدما، وذلك بهدف إسناد وظائف دنيا لهم وبأجور زهيدة، ويعتقد المؤلف والمحافظون الجدد أنه من الغبن أن يطالَب لهؤلاء بالمساواة مع غيرهم، وكأن عملية استقدامهم هي على نحو ما استعادة لاستقدام العبيد من القارة الإفريقية، ولكن على نحو أكثر أناقة وحرية، أو هي عبودية اختيارية أقدم عليها هؤلاء مختارين ومسرورين أيضا. والمشكلة الأخرى من وجهة نظر المحافظين الجدد، أن الولايات المتحدة مقدمة على حالة تعددية ثقافية، ولكنهم لا يريدون التعامل معها بإيجابية. فالغرب الذي يفرض على العالم منهجا وسياسات قائمة على حقوق تعددية الثقافات والهويات لا يريد أن يقبل بها، وربما يفسر هذا لجوء بعض المسلمين المتجنسين بجنسيات الغرب، بل والمولودين هناك، إلى عمليات عنف تستهدف مجتمعاتهم التي يفترض أنهم ينتمون إليها. فهل ستشهد المجتمعات الغربية حالات من العنف والانقسام الداخلي؟ ثمة تحذيرات كثيرة من الانقسام الطائفي والثقافي والعرقي في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا بعامة، وقد تؤجل حالة التقدم الاقتصادي تفجير هذه الأزمة، أو قد تساعد على استيعابها واستباقها، ولكن المحافظين يرفضون الاعتراف بالمشكلة، وهذا سبب مهم لتفاقمها. لقد كانت دولة الرفاه والتدخل الحكومي والمجتمعي لمواجهة الفقر وتغول الشركات ونشوء الديمقراطيات والحركات اليسارية والاجتماعية مصاحبة للعولمة في موجتها الأولى (1876–1914)، والتي طغت فيها الشركات، فهل يعود اليسار الجديد في العولمة الجديدة كما ظهر في أوائل القرن العشرين؟ نحتاج إلى ثلاث سنوات لنرى تحولات الناخب الأميركي، التي وإن بدأت بالظهور في مجالات داخلية، فإنها في تحولاتها إن حدثت في الانتخابات الرئيسة قد تؤثر على العالم كله. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: http://www.alghad.jo/?article=2297-26-9-2005
|