هل تصبح أميركا أحسن حالاً بقيادة "الديمقراطيين"؟

 

روبرت كاجان

 

هل يمكن للولايات المتحدة أن تكون أفضل حالاً فيما لو تسلم زمام الأمور في البيت الأبيض رئيس ينتمي إلى الحزب "الديمقراطي" بحلول عام 2009؟ فيما يلي سببان يلزمانك بالرد إيجاباً على هذا السؤال, حتى وإن لم تكن "ديمقراطياً". أولهما حاجة "الديمقراطيين" لاستعادة قيادتهم للسياسات الخارجية الأميركية, سواء كان ذلك لصالح حزبهم هم, أم للصالح العام الأميركي. وربما دفع المكوث الطويل في خانة المعارضة, الحزب المعين إلى الانهزامية والطوباوية والانعزالية, إن لم يكن إلى مزيج من هذه السلبيات الثلاث مجتمعة. فما يبدو في أول الأمر هجوماً مشروعاً على أخطاء الحزب "الجمهوري" الحاكم, ربما ينتهي بالحزب المعارض إلى رفض كامل لمبادئ سياسته الخارجية بالذات في كثير من الأحيان. ففي عقد التسعينيات على سبيل المثال, انحرف "الجمهوريون" من دعمهم التام لعالمية كل من رونالد ريجان وجورج بوش الأب المفرطة, إلى مؤازرتهم لانعزالية إدارة بيل كلينتون المستترة بثوب العالمية الزائفة. أما خلال ولايتي الرئيس الأسبق وودرو ويلسون, فقد شرع حزب تيودور روزفلت ذو النزعة العالمية, بالتحول تدريجياً نحو السياسات الانعزالية المميزة لحزب ويليام بوراه. وبالمثل تقمص حزب جون إف. كنيدي مواقف وسياسات حزب جورج ماكجوفرن إبان إدارتي كل من الرئيسين نيكسون وفورد.

والشاهد أن السنوات الثماني المتصلة التي قضاها الرئيس الأسبق بيل كلينتون في البيت الأبيض, أسهمت في تمكين "الديمقراطيين" من تجاوز عقدة فيتنام تماماً, وتبني نهج التدخل الخارجي بدلاً منها. لكن على نقيض ذلك تماماً, أسهمت سنوات إدارة الرئيس جورج بوش في شد الكثير من "الديمقراطيين" سنوات عديدة إلى الوراء. فما بين إخفاقات إدارة كلينتون من جهة, والانتقادات اللاذعة الموجهة إليها من قبل "اليساريين" من جهة أخرى, إما طأطأ "الديمقراطيون" رؤوسهم أو اضطروا لابتلاع معظم ما اعتنقوه من مبادئ وقيم خاصة بالسياسات الخارجية. غير أن مؤشرات الحياة بدأت تدب في جسد حزبهم مجدداً, وها هم يستعيدون أملهم في احتمال تسلمهم لزمام الأمور مرة أخرى, فيما لو فاز "اليمين الديمقراطي" بالانتخابات المقبلة في عام 2008. ولن يكون ذلك من السوء بأي حال من الأحوال إن حدث. فليس في مقدور أحد اليوم الادعاء بأن فريق إدارة كلينتون الذي تولى أمر السياسة الخارجية, كان أقل كفاءة من فريق "الجمهوريين" الذي خلفه. بيد أن السؤال هو: ماذا سيحدث للديمقراطيين فيما لو خسر مرشحهم انتخابات 2008؟

فالهدف من انتخاب رئيس "ديمقراطي" لا يقتصر على إنقاذ روح الحزب فحسب –على الرغم من أن هذا يشكل هدفاً مستحقاً بحد ذاته- بقدر ما هو مرتبط بتوحيد أميركا كلها, وجمع صفها وإرادتها في مواجهة الأزمنة العصيبة التي تنتظرها مستقبلاً. والشاهد أن العالم كان مقدوراً على إدارته في آخر مرة تسلم فيها "الديمقراطيون" تصريف شؤون البيت الأبيض. وساعتها لم يتعين عليهم بعد مواجهة تحديات عالم ما بعد 11 سبتمبر. وطالما أن السياسة الخارجية الوحيدة التي عرفها الأميركيون في ظل عالم ما بعد 11 سبتمبر هي سياسة الرئيس جورج بوش, فقد ساد الاعتقاد لدى الكثيرين – لاسيما "الديمقراطيين"- بأنه كان ممكناً للعالم أن يكون مقدوراً عليه, لولا وجود الرئيس بوش ساعتها في البيت الأبيض. وفي زعم هؤلاء أنه وبوجود رئيس آخر غيره, لكان سهلاً استقطاب الحلفاء لخوض المعركة معاً مع أميركا ضد تنظيم "القاعدة" والإرهاب الدولي, بقدر ما هو سهل فرض الضغوط الدولية على طهران, وكذلك استبدال القوات الأميركية المرابطة حالياً في العراق. ومن رأي هؤلاء أيضاً أنه كان ممكناً التصدي للتهديدات والمخاطر الأمنية دون الحاجة لاستخدام القوة, أي عن طريق اللجوء للدبلوماسية والقوة الناعمة وحدهما.

ولكن أية فانتازيا وطوباوية حالمة هذه؟ فالحقيقة أن الرئيس المقبل, سواء كان "ديمقراطياً" أم "جمهورياً", سيحظى بفرص أفضل للعمل المشترك مع الحلفاء, وربما كان أكثر ذكاءً في التفاوض مع الخصوم والأعداء. لكن مع ذلك, تظل حقائق عالمنا هذا كما هي اليوم. وكذلك تبقى التزامات السياسة الخارجية الأميركية مثلما هي عليه الآن. ومن بين هذه الحقائق أن انتشار المهددات الأمنية في عالمنا الحالي, لن يكون عاملاً حافزاً لتوحيد صفوف وطاقات الحلفاء, مثل ما فعلت المواجهة مع المعسكر السوفييتي طوال سنوات الحرب الباردة. ولن يكون في وسع أي من دعاة التعددية الدولية –مهما بلغ شأنه- إقناع الحلفاء والأصدقاء بزيادة الإنفاق الدفاعي أو في وقفهم عن شراء منتجات النفط الإيرانية مثلاً. وعليه ربما تنجح أو تخفق استراتيجية التفاوض الذكي مع إيران, في وضع حد لبرنامجها النووي. وللحقيقة فربما تجدي القوة الناعمة في التصدي لمعضلات أخف, مثلما هو حال معضلتي السودان وكوريا الشمالية.

بل إن الخيارات المتاحة لأي إدارة جديدة, وبصرف النظر عن توجهاتها السياسية, لن تكون بذلك التنوع والاتساع الذي يتوهمه أنصارها ومؤيدوها. ولهذا السبب عينه فقد اتسمت السياسة الخارجية بالاستمرار أكثر مما اتسمت به من انقطاع نادر الحدوث في تاريخها الطويل. ولذات السبب أيضاً, فإن الاختلاف الذي يمكن لـ"الديمقراطيين" إحداثه فيما لو آل إليهم زمام الإدارة مجدداً في انتخابات عام 2008, إنما سيكون اختلاف في الدرجة وليس في النوع, في تصديهم لتحديات عالم ما بعد 11 سبتمبر. 

مشارك رئيسي بـ"منحة كارنيجي" للسلام العالمي وزميل بصندوق مارشال الألماني .

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" -1-6-2006