مقالات و محاضرات

 

 

فليساعد العرب العراقيين إذا أرادوا إنهاء «الاحتلال»

 

عادل درويش

 

إذا كان تشكيل الحكومة العراقية قد تأخر اربعة اشهر، ولا تزال حقيبتان وزاريتان في انتظار من يحملهما، فهي ظاهرة صحية، لان داعمي الديموقراطية ينظرون الى الثلثين الممتلئين في كأس نور المالكي وليس للثلث الفارغ.

فلم يكن المواطن العراقي يحلم حتى باختيار المسؤول عن تنظيف شارعه، إذ كان هذا يفرضه عليه «قوميسار» حزب البعث.

لكن عندما يختار قرابة 13 مليون ناخب عراقي ـ نسبة انتخاب مرتفعة بمقاييس الديموقراطيات الغربية ـ نوابهم ممثلين لجميع العراقيين رجال ونساء، آشوريين وأرمن وأكرادا وتركمان وعربا ـ علمانييين وسنة وشيعة وفيلية ومسيحيين ـ فالنقاش والجدل والاختلاف واحتدام المناظرات على تشكيل الحكومة امر طبيعي، وأفضل من الاقتتال كما نرى في شوارع غزة اليوم.

أوليس من الأفضل الانتظار حتى يتم الاتفاق على وزيرين غير طائفيي التفكير وغير آيديولوجيين ليضعا امكانيات الدفاع والداخلية في خدمة مصالح الأمة العراقية كلها، وليس لمجرد موازنة مصالح طائفة او ميليشيا معينة ضد أخرى، مثلما قال رئيس الوزراء المالكي لنظيره البريطاني توني بلير، الذي كان اول رئيس وزراء يصل بغداد حاملا تهنئة الأمة البريطانية تأييدها للعراقيين.

«وللأسف»، مثلما اخبرني صديق عراقي من السنة العرب ـ وان كان يصر على انه عراقي فقط لا غير ـ «لم يبادر اي مسؤول من الدول الأعضاء في الجامعة العربية او البلدان الاسلامية باعلان تأييده لخيار العراقيين».

ويقول الصديق العراقي ان افضل سبيل لإنهاء «الاحتلال» الذي يثير غيرة العرب والمسلمين، هو مساعدة وتمكين الحكومة العراقية الشرعية من تولي امور تأمين حياة الناس واعادة الاستقرار الى شوارع مدن العراق واتاحة الفرصة للمواطنين بالمساهمة في اعادة الانتاج.

فالحكومة العراقية لن تبدأ بحث الجدول الزمني لانسحاب قوات التحالف، إلا عندما يكون بقدرة قوات الأمن العراقية حماية المواطنين والمرافق ووسائل الانتاج وموارد الثروة ومؤسسات البلاد، وحدها، بدون مشاركة من قوات التحالف.

وحسب مصادر، بريطانية وعراقية، حضرت مباحثات الزعيم البريطاني مع المالكي ومع الرئيس جلال طالباني، اول رئيس شرعي منتخب في تاريخ العراق، ومجلس رئاسته ـ ويعكس تركيبة العراق الدينية والعرقية ـ او مع مجلس الوزراء والنواب، فإن احدا من الجانب العراقي لم يطلب سحب قوات التحالف.

فقط، بحث العراقيون بالتفصيل سبل تقييم الوضع الامني وتحديد حاجة العراقيين، الأمنية والاقتصادية، لتسمية الاقاليم التي يمكن تدريجيا اخلاؤها من قوات التحالف بعد احالة مسؤولية امنها للعراقيين انفسهم.

وفي كل مرة زرت العراق، اسمع السؤال: من المسؤول عن بقاء قوات التحالف؟ هل هما لندن وواشنطن أم الارهابيون؟

وتجيء الإجابة: تجار العنف ـ الذين يسميهم القومجية والمتأسلمون بـ«المقاومة» ـ من فلول البعث الصدامية الذين فقدوا امتيازاتهم غير المشروعة، والارهابيون من عصابات اجنبية، كالزرقاوي، الذين لا حق لهم في الوجود في العراق، والذين يعيثون فسادا في ارضه ويفجرون قنابلهم في نسائه واطفاله ويسرقون خيراته؛ والمجرمون الذين اطلق صدام حسين سراحهم بالآلاف قبل سقوطه ليخلق مشكلة امنية كبيرة للحكومة الديموقراطية التي عرف ان العراقيين سينتخبونها بعد التخلص من ديكتاتوريته.

فقوات التحالف ارسلتها حكومات منتخبة ديموقراطيا، يعاني رؤسائها، خاصة رئيس الوزراء بلير، من تناقص شعبيتهم في استطلاعات الرأي بسبب موقفهم المبدئي بدعم شعب العراق في تحقيق حلم اجياله بالديموقراطية.

ولا خطوة ترفع من شعبية زعيم سياسي مثل اعادة الجنود سالمين من جبهات القتال، وبالتالي فإن الرغبة رقم واحد لبلير وبقية زعماء العالم الحر هي الانسحاب من العراق مما سيرفع من شعبيتهم لدى الناخب.

ولن تطلب الحكومة العراقية سحب القوات إلا بتمكنها من تأمين العراق. فعصابات الإرهاب الاجنبية كعصابة الزرقاوي تعتمد في خطوط تموينها وتمويلها على الحدود المفتوحة. ولذا فتعاون جيران العراق الستة (وكلهم عرب ومسلمون) مع الحكومة الشرعية في بغداد لا بديل عنه لقطع الطريق على الارهابيين وتجفيف مصادر تموينهم ومدهم بالعتاد والذخيرة.

وواجب البلدان الإسلامية، خاصة صحفييها وفقهائها، سحب بساط المغالطة من تحت أقدام الارهابيين، وأن يكف الإعلام عن تسميتهم بالمقاومة، واصدار فتاوي واضحة بأن ممارسات ما يسمى بالمقاومة الاسلامية هو ارهاب رخيص. فهل يذكر احد معركة باسلة خاضها الزرقاوي وجها لوجه ضد جنود التحالف؟

«مقاومة» الزرقاوي هي اختطاف النساء والمسنين الذين جاؤوا تطوعا لمساعدة اطفال ومرضى العراق، وتسجيل مشاهد ذبحهم في اشرطة لم تخجل فضائيات عربية من بثها؛ وتفجير القنابل في باصات اطفال مدارس العراق، وطوابير النساء والكهول امام المستشفيات وطوابير فقراء العراقيين ـ شيعة وسنة، عربا واكرادا ـ الباحثين عن لقمة العيش. ان اي مسؤول او اعلامي او فقيه ذي ضمير عليه ان يسمي ذلك باسمه الصحيح وهو «الإرهاب» وليس المقاومة.

بصرف النظر عن موقف اي انسان من الحرب، كما يقول بلير، فإن الشرفاء عليهم الان النظر لاحتياجات الشعب العراقي، ودعمه، كي تصبح البلاد نموذجا لبناء الديموقراطية والانتخاب المباشر لبقية بلدان المنطقة. وقد عبر الرئيس طالباني عن امله في حضور وزراء الخارجية العرب لمؤتمر الوفاق في بغداد، وكان قد اتصل تليفونيا بعمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، ليؤكد ضرورة إرسال وفد عربي للعراق لغرض تقديم التهنئة بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وقال له «.... ليس من المعقول ان يأتي رئيس وزراء بريطانيا ووزير خارجية إيران إلى العراق للتهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة فيما العرب يتخلفون».

وكان طالباني قد أشاد بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي اتصل هاتفيا للتهنئة واقترح إرسال رئيس وزرائه لتقديم التهنئة.

وإذا كان العرب، عبر فضائياتهم القومجية والإسلاموية، يتهمون الغرب بمحاولة تجويع الفلسطينيين لأنهم انتخبوا حماس ـ رغم رفض حماس الالتزام باتفاقيات وقعتها حكومة المرحوم ياسر عرفات ـ فلماذا يرفض العرب اليوم مساعدة العراق وهو بلد عضو في جميع اتفاقيات الجامعة العربية؟

وما هو مبرر العرب والمسلمين لعزل العراق والشعب العراقي، خاصة ان كل اعضاء الحكومة العراقية، بزعامة المالكي، نواب منتخبون مباشرة من الشعب العراقي، وهو أكثر ما يقال عن الحكومات العربية والبلدان الاسلامية التي تقاطع العراق؟

وسواء في لقائه مع بلير، او مع راندال توبابيس، مدير الوكالة الأمريكية للتنمية، كرر الرئيس طالباني بحث موضوع إعادة اعمار العراق خاصة المناطق المحتاجة، كالبصرة والعمارة، في منطقة تنتج نحو 70% من البترول العراقي بينما يعيش أهلها في حرمان.

وقد ناشد بلير العالم في واشنطن امس مساندة ودعم الشعب العراقي ماديا واقتصاديا، موجها النداء للأمم المتحدة ومنظمات كصندوق النقد الدولي، لدعم العراق في اعادة بناء اقتصاده بعد نموه بمعدل 10% هذا العام، لكنه لا يزال في حاجة ملحة الى اعادة بناء البنية التحتية، والحماية من محاولات التنظيمات الإرهابية تدميره والنيل منه.

وكرر بلير تنبيه العالم الى انه لا يوجد اي مبرر اخلاقي او معنوي للتقاعس عن دعم العراقيين وحكومتهم الشرعية المنتخبة.

وربما تجيبنا سكرتاريات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي: لماذا جاءت المبادرة من بلير وليس منهما؟

و كل ذلك بحسب راي  الكاتب في المصدر المذكور .

المصدر : الشرق الاوسط  اللندنية– 27-5-2006