مقالات و محاضرات

 

 

مخاوف أميركية من تنامي قوة الصين العسكرية

 

توم شانكر

 

أفاد تقرير أصدرته وزارة الدفاع الأميركية يوم الثلاثاء الماضي أن القيادة الصينية لم تقدم تفسيراً مقنعاً حول الأهداف الكامنة وراء تنامي قوتها العسكرية، خاصة وأن بكين منهمكة في تحديث قواتها المسلحة وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات التي قد تشكلها قوات أجنبية في المناطق القريبة منها. ويشير التقرير الذي يقيم الحالة العسكرية الصينية لسنة 2006 ويحمل عنوان "القوة العسكرية لجمهورية الصين الشعبية" إلى أن "الإنفاق العسكري الصيني يفوق بمرة إلى مرتين الأرقام المعلنة رسمياً". يشار إلى أن التقرير الذي جاء في خمسين صفحة ويُعرض كل سنة أمام أنظار الكونجرس متاح على شبكة الإنترنت، حيث يضم بين دفتيه أنواع الأسلحة التي تملكها الصين، فضلاً عن إيراده لتفاصيل حول جهود الصين لتحديث صواريخها البالستية وتطوير قدرتها التدميرية. بيد أن التقرير الذي يحيل على التنافس الصيني في مجال حيازة الأسلحة المتطورة يغلف لغته التحذيرية بكلمات انتقيت بعناية تعبر عن التفاؤل حيال مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين.

والواقع أن التقرير استطاع في السنوات الأخيرة أن يخلق سجالاً خاصاً به على الصعيد الدبلوماسي بين الدولتين. فهو من جهة يطلق العنان للانتقادات الأميركية تجاه الإنفاق العسكري الصيني ويفتح المجال أمام التحليل والتكهنات، ومن جهة أخرى يؤجج شهية المسؤولين الصينيين بالرد على الانتقادات وإجراء تحليلاتهم الخاصة على ضوء ما ورد في التقرير. والملفت أن التقرير الذي أصدرته وزارة الدفاع الأميركية حول تحديث الصين لقدراتها العسكرية جاء في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إقناع الصين بالدخول في شراكة بهدف الحد من التطلعات النووية لإيران وكوريا الشمالية. ومن جهته أكد "بيتر رودمان"، مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي مصادقة الجهات المختلفة في الحكومة الأميركية على التقرير بعدما وزع على مراكز القرار الأميركي، منوهاً إلى الاتفاق الواسع الذي حظي به في الأوساط الأميركية.

وتظهر النبرة المتفائلة للتقرير على نحو واضح وجلي من خلال إبراز الموقف الأميركي المرحب بصعود الصين إلى الساحة الاقتصادية الدولية، حيث جاء فيه "ترحب الولايات المتحدة بصين ناجحة ومزدهرة" مضيفاً أن "السياسة الأميركية تشجع الصين على المشاركة كطرف فاعل في القضايا الدولية وتدعوها لتحمل جزئها من المسؤولية من أجل نظام عالمي سليم كانت هي إحدى أكبر المستفيدين منه". وحسب التقرير بذلت المؤسسة العسكرية الصينية جهوداً حثيثة على المدى البعيد بهدف التحول من جيش ضخم موجه لخوض حروب الاستنزاف فوق أراضيه إلى "قوة أكثر حداثة قادرة على الدخول في معارك قصيرة، أو خوض صراعات طاحنة ضد خصوم يمتلكون وسائل تكنولوجية متطورة". وبينما يقر التقرير بمحدودية القدرات الصينية على تحمل عمليات عسكرية تجري على مسافات بعيدة، إلا أنه يعترف من جهة أخرى بامتلاك القوات الصينية القدرة على منافسة الولايات المتحدة، لاسيما في مجال "إنتاج تكنولوجيا عسكرية تستعيض بها عن التفوق الأميركي التقليدي في ميادين أخرى".

ويتابع التقرير أن تطوير الصين لقدراتها العسكرية يعني أن بكين ستواصل في المدى القريب حشد قواتها عبر مضيق تايوان التي تعتبرها الصين إقليماً متمرداً، لكنها في الوقت نفسه ستعمل على "تطوير قدرات خاصة يمكن توظيفها في حالات الطوارئ التي قد تنشب في محيطها الإقليمي، مثل اندلاع نزاعات حول الموارد أو الأراضي". وانسجاماً مع هذه السياسة قامت الصين في السنة الماضية بنشر ما بين 710 و790 صاروخاً بالستياً قبالة تايوان مقارنة مع الـ650 صاروخاً التي نشرتها السنة التي قبلها. ويشير التقرير أيضاً إلى قدرة الصين المتصاعدة على منع قوات مسلحة من الوصول إلى المنطقة مستخدمة الضربات الجوية والغواصات، فضلاً عن الصواريخ الدقيقة، مؤكداً قدرة تلك الأسلحة على "طرح تهديدات حقيقية للجيوش العصرية التي تعمل في المنطقة".

هذا وقد أصبحت الصين في 2004 بعد النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته في السنوات الأخيرة ثاني أكبر دولة استهلاكية في العالم، وثالث أكبر مستورد للنفط أيضاً، وهو ما دفع بكين إلى تعزيز علاقاتها مع البلدان المنتجة للطاقة في المنطقة على حساب الولايات المتحدة التي طالما تمتعت في هذا المجال بنفوذ مطلق في السابق. ويلفت التقرير النظر إلى أن "جوانب عديدة من التطور العسكري الصيني فاجأت المحللين الأميركيين وأذهلتهم، خاصة فيما يتعلق بوتيرة ونطاق تحديثها لقواتها الاستراتيجية". وينطبق مصطلح "القوات الاستراتيجية" على الأسلحة النووية ذات المدى الطويل التي تعمل الصين حالياً على تحديثها من خلال تطوير أنظمة معينة واستحداث نماذج أخرى متحركة تعتمد على السرعة في الإطلاق. وفي هذا الصدد يقول "رودمان"، مساعد وزير الدفاع بأن التقرير يستند إلى أدلة تؤكد "شروع الصين في إجراء تحديث حقيقي وشامل لقواتها الاستراتيجية. ومن ناحيتهم اعتبر المسؤولون الصينيون أن التحذيرات الأميركية المتعلقة بقدراتهم العسكرية بعيدة عن الواقع، مؤكدين أنهم لا يفعلون أكثر من الحفاظ على مصالحهم الأمنية والوطنية وحماية أراضيهم على غرار ما تقوم به دول أخرى في العالم، مستبعدين أن تطرح قواتهم العسكرية أي تهديد على الأراضي الأميركية.

محرر الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز"

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" -25-5-2006