إيران: المواجهة المتجددة بين الفرقاء في الداخل ومستقبل أحمدي نجاد تلميذ مصباح يزدي
كتب يوسف شلي تحت عنوان : إيران: الحرب المتجددة بين الفرقاء.. عسكرة المواجهة أو تلطيف الأجواء ، مما أورده الكاتب في المقال : - إيران الدولة "الدينية" تشهد رغم مظهرها المتجانس، حربا معلنة بين جميع الفرقاء داخل مؤسسات الدولة. فبعد انتخاب رئيس الجمهورية في شخص المحافظ "المتشدد" محمود أحمدي نجاد، أراد المرشد الأعلى أن يسند الرئيس المنتخب الجديد، ليصد جموح المنافس الخطير علي أكبر رفسنجاني ويحدَ من تطلعاته..لكنه لما شعر المرشد بالخطر الذي يتهدده بعد تنامي سطوة التيار المحافظ المتشدد، بادر إلى تصحيح خطئه . - كانت للتصريحات النارية "المباشرة" التي تفتقد في الكثير من الأحيان إلى اللغة الدبلوماسية الهادئة، التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ عام تقريبا باتجاه الذين يقفون ضد طموحات إيران النووية، ويضغطون في اتجاه تقليم أظافرها "التوسعية" في العراق، أثرها الكبير إعلاميا في تبوء "تصريحاته" صدارة الافتتاحيات الصحفية الدولية، والنقاشات السياسية والأكاديمية، التي تصب أغلبها في الاحتمالات القريبة لمواجهات "ساخنة" بين إيران وأوروبا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. محمود أحمدي نجاد، وبخلاف السائد سياسيا في إيران، ليس معنيا – مباشرة - بالملفين المحوريين اللذين تقوم عليه السياسة الإستراتيجية الإيرانية الحالية،الخارجية – العراق- والملف النووي، وهي السياسة التي اتسمت بالكثير من التجاذبات بين سرايا حكم ولاية الفقيه الذي يمسك بمقاليده خليفة آية الله الخميني آية الله خامنئي، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر رفسنجاني، والمسئول الشخصي الأول على ملف إيران النووي علي لاريجاني رئيس "المجلس الأعلى للأمن الوطني". في حقيقة الأمر، فإن المرشد الأعلى آية الله خامنئي هو الحاكم الفعلي والقوي في إيران، وهو الذي يتخذ القرارات المصيرية في المجال الأمني والسياسة الخارجية، ومنها السياسة النووية، وإن كان مرتبطا – شكليا- بإجماع "المجلس الأعلى للأمن الوطني" وما يصدر عنه من قرارات وتوصيات، وما يحدده من سياسات أمنية لحماية الوطن والجمهورية الإسلامية، يبقى وفي كل الحالات الرجل القوي في البلاد ... . - إن المرشد الأعلى يرسم ويوجه السياسة النووية التي تعتبر المحك الحقيقي للسياسة الأمنية الإستراتيجية القائمة على مفهومي "الردع" و"الضغط " السياسي والاقتصادي، وهي السياسة التي أسندت إلى الرجل القوي "المنافس" لكاريزمية رئيس الجمهورية الحالي محمود أحمدي نجاد، علي لاريجاني المكلف من المرشد الأعلى بتسيير المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الأطراف الأوروبية والدولية، في حين أن رئيس الجمهورية المنتخب (ديمقراطيا) لا يمتلك أغلبية أصوات الأعضاء 12 للمجلس الأعلى للأمن الوطني، وبالتالي فقد سيطرته لأهم مرتكز من مرتكزات حماية الأمن القومي الذي خوله له الدستور الإيراني . - مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة: علي أكبر رفسنجاني الرجل الثاني في النظام، وعلي لاريجاني إضافة إلى الدكتور حسن روحاني، العضو البارز الآخر في المجلس الأعلى للأمن الوطني المعين من المرشد الأعلى، أو جواد ظريف ممثل إيران لدى منظمة الأمم المتحدة، كثفوا من فترة الإشارات التي تدل على أن آية الله خامنئي يرغب في مفاوضات مباشرة مع واشنطن من أجل التفاوض على الملف النووي الإيراني. ذلك أن إيران الملالي تسعى إلى أن تبادر الولايات المتحدة من تلقاء نفسها أو بتشجيع منها عبر القنوات الدبلوماسية، بالمشاركة في المفاوضات الإيرانية – الأوروبية المتعلقة بالأزمة النووية، مع إعطاء الضمانات السياسية بعدم معارضة الفريق "المتشدد" في السلطة لهذا المسعى، وهو الطرف الذي يمثله محمود أحمدي نجاد بدعم مباشر لمفتي حراس الثورة الإسلامية وعناصر "البسيج" ومنظرها آية الله مصباح يزدي، ثم ترى إيران ما سوف تعرضه الولايات المتحدة عليها مقابل التخلي عن أنشطتها النووية المحظورة، سعيا للوصول إلى صفقة متكاملة تضمن إيران بموجبها الخروج من دائرة الاستهداف العسكري الأمريكي، حماية لمكاسب الثورة، بل الوصول إلى إمكانية بناء علاقات وثيقة بين الجانبين، مقابل قبولها بالوقف الشامل والدائم لعمليات تخصيب اليورانيوم، بحيث تكون إيران قد ضمنت وقتذاك صيانة أمنها الوطني وبقاء نظامها السياسي الذي أصبح يؤرق ساساتها وآياتها. الرئيس الإيراني "المنتخب" محمود أحمدي نجاد، في واقع الأمر، لا يمتلك سلطة تهديداته المتكررة ضد كل من يجرأ على منع أو ضرب أو تهديد إيران في حقها الشرعي من أجل امتلاك تقنيات تخصيب اليورانيوم، وهذا يدفعنا إلى التذكير بأن النظام المؤسسي الإيراني "يمازج" بين أدوات ( ثيوقراطية) دينية إسلامية بصبغة شيعية، لا مكان لمحمود أحمدي نجاد فيها، مع "شبه" ديمقراطية قد تكون واجهة فقط لتحسين الصورة النمطية السيئة لإيران في العالم. إن شبكة المؤسسات غير المنتخبة، التي وقعت تحت سيطرة السلطة القوية "الجبارة" التي من ورائها "المرشد الأعلى"، في مقابل رئيس الجمهورية والبرلمان المنتخبين من الشعب الإيراني لتمثيله، لكن دون سلطات حقيقية بل ومحدودة، أعطت الانطباع بأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شاهدتها إيران في العشريتين الأخيرتين، ما كانت إلا لذر الرماد في الأعين فقط! ففي أعلى هرم السلطة، يتموقع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله خامنئي بصفته الشخصية الدينية "الأولى" الذي يقود المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة(المعينة)، لأن دوره "الريادي" تأسس على أفكار واجتهادات وفتاوى مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني. فالمرشد الأعلى الحالي يعين ويسمي أعضاء "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، ورأس "السلطة القضائية"، والأعضاء الستة الأقوياء في "مجلس حراس الثورة" ورئيس "المجلس الأعلى للأمن الوطني" والقيادات العليا لمختلف القوات العسكرية، وأئمة صلاة الجمعة من الرتبة الدينية العليا (الآيات) والمسئولين في الإذاعة والتلفزيون، كما تدخل في صلاحياته أيضا، تأكيد أو رفض تعيين رئيس الجمهورية المنتخب شعبيا. ويختار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران من طرف أعضاء " مجلس الخبراء" وهو عضو فيها. - حرب الفرقاء داخل دواليب الجمهورية الإسلامية: إيران الدولة "الدينية" تشهد رغم مظهرها المتجانس، حربا معلنة بين جميع الفرقاء داخل مؤسسات الدولة. فبعد انتخاب رئيس الجمهورية في شخص المحافظ "المتشدد" محمود أحمدي نجاد، أراد المرشد الأعلى أن يسند الرئيس المنتخب الجديد، ليصد جموح المنافس الخطير علي أكبر رفسنجاني ويحدَ من تطلعاته، والذي أصبح يهدد مكانة المرشد في هرم السلطة. ورغم ما عرف عن رفسنجاني تقربه من الإصلاحيين، مع خسارته "المشينة" أمام أحمدي نجاد، يبقى أحد أهم وأبرز أعمدة نظام الملالي. وقد نستغرب أبعاد هذا التقارب الذي حصل بين المحافظين بزعامة رفسنجاني والإصلاحيين الذي كان يقودهم الرئيس السابق محمد خاتمي، وكاد تياره يعصف بكل إنجازات الثورة الإسلامية وميراث الخميني من الداخل بعد سلسلة الاضطرابات والمواجهات والمشادات التي حصلت بين الطلبة وقوات الأمن والحرس الثوري، والمدعومة من الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. بعد انتخابه مباشرة، قاد الرئيس الجديد – نظريا الرجل الثاني في السلطة- محمود أحمدي نجاد، حملة من أجل مراقبة سير الأموال العمومية، مهددا بكشف كل الخفايا التي تحيط بموضوع الحصة المالية الكبرى من الأموال المتحصل عليها من جباية البترول والمقدرة بـ 120 مليار دولار من مجموع 600 مليار دولار منذ الثورة الإسلامية في 1979 صرفت بطريقة تشوبها الكثير من التساؤلات والشكوك. وقد أشار في سياق اتهاماته أن بعض الملالي شاركوا في اختفاء الأموال وأن الكثيرين منهم أصبحوا من الأغنياء بعدما اتخذوا من دواليب السلطة مطية لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الفقراء. - الحرس الثوري يجني من مكاسب الثورة: يسعى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الرفع من مصاريف الدولة لصالح عناصر الحرس الثوري وأفراد المتطوعين "البسيج" (حركة شبانية شبه عسكرية)، فأحمدي نجاد ضابط سابق في الحرس الثوري وزعيم قديم للبسيج، وهم القوة الضاربة للثورة الإسلامية والعمود الفقري لدولة الآيات انتظارا لعودة المهدي المنتظر، المعتقد الذي يدين به الرئيس عمليا، أملا في ظهوره القريب لتكتمل عنده النظرة العقائدية الممزوجة بالواقعية السياسية المتمثلة في مجابهة "الشيطان الأكبر" باسم الأمة الإسلامية ونيابة عنها، بالسلاح المدمر الذي يرهب أمريكا قبل سواها وأصبح قاب قوسين أو أدنى من امتلاكه، وباللغة التشنجية التي يحسن توجيهها في زمن التخاذل والوهن الإسلامي. ومن هذا المنطلق بدأ الرئيس الإيراني حملة تطهير في بعض الوزارات السيادية مثل الخارجية والمالية، عن طريق غرس عناصره المقربة من الحرس الثوري ومصالح الاستخبارات. كما يسعى بكل قوة من أجل استبدال 29 محافظا عاما من أصل 30 في المحافظات العمومية الإيرانية، ونصف الولاة وأغلب الموظفين السامين في وزارة الداخلية ، جميعهم من العناصر المنتمية إلى المصالح الأمنية والاستخبارية. وقد رأى المحللون السياسيون بأن بصمات آية الله مصباح يزدي "المنظر المتشدد"، كانت واضحة في هذه الحملة استباقا لما قد يحدث في المستقبل من مواجهات –عسكرية- مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وما يتطلبه الظرف من الحزم في القرارات المصيرية وعدم الاستهانة بالمصالح العليا للأمن الداخلي والخارجي الإيراني ومهما تطلب الأمر من تضحيات. - المرشد الأعلى مهدد! يقول أحد المقربين للمرشد الأعلى آية الله خامني، أنه يخشى من مكانة آية الله مصباح يزدي المتصاعدة داخل سرايا الملالي، وبالتالي الخوف على منصبه المهدد، خاصة وأن آية الله مصباح يزدي هو المرجع الديني للرئيس والموجه المباشر له في قضايا الإصلاح داخل النظام الذي "تهاون" في تطبيق إرشادات الثورة الإسلامية. ويعرف عن آية الله مصباح يزدي بأنه الشخصية القوية البارزة في التيار المحافظ المتشدد "المتخندق" داخل النظام، الذي أصبح موجودا في رئاسة الجمهورية من خلال أحمدي نجاد والعناصر الأمنية المتوزعة في مفاصل الدولة. آية الله مصباح يزدي كان قد أصدر فتوى ملزمة موجهة إلى حراس الثورة الإسلامية وأفراد "البسيج" المتطوعين الذين يقدرون بالملايين، من أجل انتخاب ممثلهم في الانتخابات الرئاسية أحمدي نجاد. وهو يعمل من أجل تجسيد "إسلام حقيقي" كما يراه في صورة "الخلافة"، كما يعلن بأنه على اتصال مباشر مع المهدي المنتظر، وأن له القدرة على هداية كل الأمريكيين للتشيع! ويترأس حاليا آية الله مصباح يزدي "معهد التربية والبحث للإمام الخميني"، الذي يعتبر من أبرز المدارس الدينية في الحوزة العلمية في قم، كما يعتبر أحد المؤسسين "للمعهد الديني حقاني"، وهو معهد شديد التأثير في الحوزة العلمية، والغطاء الرسمي للتيار المحافظ المتشدد في إيران الذي تخرج منه أغلب معاونين الرئيس أحمدي نجاد. شعر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بالخطر الذي يتهدده بعد تنامي سطوة التيار المحافظ المتشدد، فبادر إلى تصحيح خطئه الذي ارتكبه في حق علي أكبر رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، بعد أن اقترب من التيار الإصلاحي بقيادة محمد خاتمي، فقام علي خامنئي بتوسيع صلاحيات رفسنجاني بداية من أكتوبر 2005، حيث أصبح القائم المباشر على المجلس المكلف بحماية ورعاية المصالح العليا للنظام. المجلس من ذلك التاريخ أصبح يراقب سير الحكومة ويتابع سياستها، ليتحول بذلك إلى الرجل الثاني القوي في الجمهورية الإسلامية بعد المرشد الأعلى للثورة، وفوق رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس المجلس (البرلمان) غلام علي حداد عادل. وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصا ودون تعليق في المصدر : http://www.alasr.ws/index
|