الصين قادمة
د. حسن مدن
بلغ حجم التجارة بين الصين والمملكة العربية السعودية 2،7 مليار دولار أمريكي خلال الشهرين الأولين من عام ،2006 بزيادة قدرها 43% بالمقارنة مع نفس الفترة خلال العام الماضي، ومن بين إجمالي حجم التجارة الثنائية بلغ حجم صادرات الصين إلى السعودية 480 مليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 21%، بينما بلغت صادرات السعودية 221 مليار دولار أمريكي بارتفاع قدره 49%. لن نذهب أكثر في سرد الأرقام التي تدلل على النمو المطرد، لا بل والصاعد كالصاروخ للعلاقات بين الرياض وبكين، وعلى موقع الجريدة الالكترونية “إيلاف” أمس تقرير واف يكشف الكثير من هذه الأرقام والبيانات، لكننا فقط أردنا أن نقدم بعض المؤشرات الرقمية عن القفزة التي تشهدها العلاقات السعودية الصينية، والتي لعبت الزيارة التاريخية التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للصين في يناير/كانون الثاني الماضي بعد فترة ليست طويلة على تسميته ملكاً للسعودية دوراً مهماً في الدفع بها نحو آفاق جديدة، في توجه حكيم نحو الالتفات نحو الشرق، والعمل على صوغ سياسة خارجية متوازنة تقرأ جيداً وبعيداً المتغيرات التي سيشهدها عالم الغد، والتي تعتمل إرهاصاتها تحت السطح اليوم، وتدفع نحو إنهاء الأحادية القطبية الراهنة التي تكرست بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الشرقية التي كانت تشكل عمقاً استراتيجياً وجغرافياً وسياسياً له، وترجح كل التحليلات أنه سيكون للصين، هذا المارد الصاعد، دور كبير في المستقبل المنظور، بل إنها مرشحة لأن تكون القطب الثاني القوي في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تستعد لهذا الدور بهدوء وبنفس طويل وصبر ينطوي على حكمة وبصيرة، بعيداً عن الجلبة الاعلامية وضوضاء الادعاءات والوعود، ولأن الصين تدرك أن الاقتصاد القوي هو مرتكز القوة في عالم اليوم والغد، كما كان ذلك في الماضي أيضاً، فإنها تعمل بدأب على المضي قدماً في رفع معدلات نموها الاقتصادي، التي ما زالت الأعلى في العالم ومنذ عدة سنوات. وكما تدرك المملكة العربية السعودية الأهمية الكبرى للصين، فإن بكين تقدر أهمية السعودية كشريك تجاري يعتد به، حيث تسعى الصين من الاتفاقيات التي تبرمها مع السعودية إلى تأمين احتياجاتها النفطية لدعم نموها المتسارع، حيث تزود الأخيرة الأولى بنحو 17% من احتياجاتها النفطية، خاصة وأن الصين تعد ثاني أكبر بلد مستهلك للنفط في العالم، وتذهب وكالة الأنباء الصينية إلى القول إن السعودية تعد حالياً أكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وشمالي افريقيا. وإذا كان مفهوماً أن التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي يحتلان الآن مكان الصدارة في العلاقات بين البلدين، فإن الطموح أن يجد ذلك مع الوقت تعبيراته السياسية، بأن يكون للصين دور في المنطقة يوازن النفوذ الأمريكي والأوروبي فيها، وهو ما عبر عنه الرئيس الصيني، حين قال أمس في الرياض إن بلاده التي تعد أكبر دول العالم من حيث عدد السكان على استعداد للمساهمة في استقرار منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى ان هذه المنطقة الحيوية لن تحقق انجازات وتنمية دون أن تنعم بالاستقرار. والمؤمل أن الصين الذاهبة نحو المستقبل تدفع بقواها الدبلوماسية والسياسية نحو أداء الدور العائد لها في العالم، لكي تسهم في بناء عالم جديد تعددي وأكثر عدالة وأمناً واستقراراً، خاصة وأنها وريثة حضارة عظيمة موغلة في القدم، تمتلك من الخصوصية والفرادة ما يؤهلها لأن تضفي على عالم الغد طابعاً أكثر إنسانية. وكل ذلك بحسب راي د. حسن مدن في المصدر المذكور . المصدر : الخليج الاماراتية – 24-4-2006
|