الخروج من المصيدة الايرانية

 

اناتول ليفين

 

لا يبدو ان الاستراتيجية التي تتبعها ادارة بوش بشأن برنامج ايران النووي قادرة على الوصول الى اي هدف فقد قوبل الطلب الامريكي بتوقف ايران كليا عن اي مسعى لتخصيب اليورانيوم بالرفض القاطع من قبل جميع الشخصيات والجماعات السياسية في ايران بمن فيهم الزعماء الاصلاحيون اذ ان اي موقف مغاير يمكن ان يطرح من قبل اي ايراني سيكون بمثابة انتحار سياسي قياسا على الجو السائد من الاراء والمواقف على صعيدي المؤسسة الحاكمة وجماهير السكان في ايران.

بسبب الاختلاف الجوهري في الكيفية التي تعاملت بها الولايات المتحدة والغرب مع ايران من جهة ومع الهند وباكستان واسرائيل من جهة اخرى, فان المطالب الغربية قد صورت في ايران على انها معاهدة استسلام اخرى على غرار تلك التي سبق للدول الغربية ان فرضتها على ايران في الماضي. وكان الاستياء من تلك المعاهدات هو السبب في نشوء القومية الايرانية المعاصرة.

من العبث الحلم بعملية تغير سريع يحيل ايران الى ديمقراطية على الطراز الغربي مستعدة لتأييد الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط. والواقع ان الولايات المتحدة التي تعرف الديمقراطيين في ايران تبعا لاستعدادهم للخضوع لامريكا لا تفعل شيئا سوى تدمير صورتهم في نظر غالبية الايرانيين.

ان المفتاح الى تغيير ايران داخليا وتحقيق التعاون الايراني في مجالات السياسة الخارجية والامن يكمن في سياسة تدريجية وبطيئة. وهي بالتأكيد سياسة لن تطرح تسوية عاجلة للقضية النووية.

كما يبدو في حكم المستحيل ان تتمكن الولايات المتحدة من تسليط الضغط الاقتصادي الكافي لارغام ايران على القبول بالمطالب الامريكية, وخصوصا عند الاخذ بنظر الاعتبار مدخولات ايران العالية من النفط وموقف روسيا والصين غير المستعد للمشاركة في الضغط على ايران.

لا يترك هذا في يد امريكا سوى الاختيار العسكري لكن الاسابيع الاخيرة شهدت صدور التحذيرات المتكررة من جانب مسؤولين وخبراء استخباريين في كل من بريطانيا والولايات المتحدة ينبهون من ان العملية العسكرية لن تؤدي الا الى تأجيل مشروع ايران النووي, مع احتمال قوي بان لا يكون لها اي تأثير على الاطلاق على ذلك المشروع. وهي, في الوقت نفسه, سوف تستفز بالتأكيد الردود الانتقامية الايرانية التي يمكن ان تؤدي الى الحاق المزيد من السوء بالاوضاع في العراق وربما تؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة بكاملها. يضاف الى ذلك, ان الهجوم العسكري لا بد ان يساهم الى حد كبير في تكثيف مساعي ايران للحصول على اسلحة نووية.

كان روبرت لوفيت, السياسي البارز في ادارة الرئيس ترومان, يقول كلما واجه مأزقا مماثلا: دعك من الجبنة لنفكر في طريقة النجاة من المصيدة.

ان الطريق الوحيد للخروج من المصيدة الحالية هي القبول بحد معين من تخصيب اليورانيوم تحت رقابة مشددة مع التركيز, في الوقت نفسه, على ايجاد موانع فعالة وقوية تحول دون استخدام اليورانيوم المخصب في انتاج الاسلحة النووية. ونحتاج في هذا المجال الى تجميد عملية التخصيب الايرانية وغيرها من القدرات النووية عند مرحلة تسبق القدرة على انتاج السلاح النووي, بثمانية عشر شهرا على الاقل, وسوف توفر هذه المهلة الزمنية الفترة الكافية لتحذير الولايات المتحدة والاسرة الدولية من اية اشارة الى تحرك ايراني محظور ومن ثم الاعداد للرد المناسب.

ان لمثل هذا الموقف عددا من المزايا المهمة, فهو سيعيد كلا من الولايات المتحدة واوروبا الى شروط معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية التي وقعت عليها ايران ويمنع الايرانيين من الادعاء بكونهم يخضعون لمعاملة تمييزية غير قانونية ولا عادلة. كما انه سوف يلزم الحكومة الايرانية بالبيانات المتعددة التي صدرت عنها والتي تفيد بانها لا تسعى الى انتاج السلاح النووي, يضاف الى ذلك ان مثل هذا الموقف سيحمل ضمنا نوعا من الخضوع للارادة الروسية والصينية واعتراضها على المنهج الامريكي الحالي, وهو امر يسمح بالمقابل لامريكا بان تلزم هاتين الدولتين وبقية دول الاسرة الدولية بفرض اقصى انواع المقاطعة على ايران في حالة قيامها بانتهاك هذه الاتفاقية والتحول الى انتاج السلاح النووي.

ينبغي ان يتفق مسبقا على تنسيق هذا الرد الدولي وتوقيعه بمعاهدة توقع عليها الدول الاعضاء في مجلس الامن ومجموعة الدول الثماني الكبرى وعدد من المنظمات الدولية ذات العلاقة.

تقول جميع الدول النووية الحالية انها تعارض بشدة حصول ايران على الاسلحة النووية, وبوسع الامريكيين ان يصدقوها اذ ان آخر ما تريده تلك الدول هو توسيع ناديها النووي المحدود وبالتالي الانتقاض من هذا الامتياز الذي تتمتع به يضاف الى ذلك ان الجميع يعلمون بان نجاح ايران في ان تحذو حذو باكستان في انتاج السلاح النوي يعني ان المملكة العربية السعودية وتركيا وغيرهما قد تلجأ الى الطريق نفسه مما يزيد فرص الارهابيين في وضع اليد على السلاح النووي او المواد الداخلة في صناعته عاجلا ام آجلا.

وبناء على ذلك, فان امريكا تملك جميع المرتكزات اللازمة للتوجه الى روسيا والصين واخبارهما بانها ستعود الى معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وتوقع اتفاقية دولية ملزمة تحدد علنا ومسبقا وبالتفصيل ما سوف تقومان به وما سوف تقوم به كل جهة موقعة على الاتفاقية في حال نقض ايران لوعدها والتوجه فعلا الى انتاج السلاح النووي.

اما التهديدات التي تتضمنها الاتفاقية فهي قطع العلاقات الدبلوماسية واستبعاد ايران من جميع المنظمات الدولية, وقطع جميع انواع الاستثمارات الخارجية عنها, وفرض مقاطعة تجارية كاملة عليها, وحظر كل رحلات الطيران العالمية منها واليها.

وبقدر تعلق الامر بروسيا, فإن على الولايات المتحدة ان تقدم حافزا اضافيا لها لحملها على التوقيع. وهو السماح لروسيا بتعزيز مكانتها الدولية عن طريق منحها زمام المبادرة في قيادة هذا المسعى الدولي. ويمكن اقامة حفل توقيع الاتفاقية الدولية في روسيا وتسميتها بشيء من قبيل »اعلان موسكو«, او ما شابه ذلك.

كما يستحسن, في الوقت نفسه, تضمين الاتفاقية تهديدا خاصا بروسيا يجعل من التزامها بالاتفاقية العنصر الاساسي في العلاقات الامريكية الروسية المستقبلية ففي حالة قيام ايران بانتاج سلاح نووي وتقاعس روسيا عن الرد بالطريقة التي وعدت بها, سيكون الرد الامريكي شاملا لجميع مستويات العلاقة بين البلدين ابتداء من التجارة وانتهاء بتوسيع حلف الناتو.

لعل الكثير من هذه المقترحات يبدو مفرطا في الراديكالية في نظر المؤسسة السياسية في واشنطن. لكن روبرت لوفيت وادارة ترومان ما كانت لتجده كذلك قبل ستين عاما. ولكانوا اعتبروا هذا النوع من المقترحات دبلوماسية ذكية وفاعلة من النوع الذي كان الامريكيون يجيدونه في الماضي والذي اصبح بحاجة الى تمرين لدى ادارة بوش الحالية.

و كل ذلك بحسب راي اناتول ليفين في المصدر المذكور .

المصدر : ICAWS-20-4-2006