هل تكرر أميركا خطأ العراق أم تتعايش مع إيران النووية؟

 

توماس فريدمان

 

إذا ما كان الخياران التاليان هما الوحيدان المتاحان أمامنا، فعلى أيهما يقع اختيارك؟ هل تفضل التعايش مع إيران النووية أم شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية يتم تنفيذه وتسويقه للعالم بواسطة فريق الأمن القومي لبوش ومع وجود رامسفيلد على رأس "البنتاجون"؟

لو خيرت بين هذين الخيارين فسأختار التعايش مع إيران النووية. فعلى الرغم من أنني أعرف أن الشيء السليم في هذه الحالة هو إبقاء جميع الخيارات مفتوحة فإنه لا توجد لدي ذرة واحدة من الثقة في قدرة الإدارة الحالية على إدارة ضربة عسكرية مُعقدة ضد إيران ناهيك عن التعامل مع التداعيات العسكرية والدبلوماسية التي ستلي مثل هذا الهجوم.

وباعتباري مقتنعاً -ولا أزال- بأهمية وضع العراق على المسار الصحيح، فإن مستوى عدم الكفاءة الذي أظهره فريق بوش في العراق ورفضه الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها أو إقالة الأشخاص الذين ارتكبوها يجعل من المستحيل بالنسبة لي أن أقوم بتأييد هذه الإدارة في القيام بأي عمل عسكري هجومي ضد إيران.

إنني أنظر إلى مسؤولي الأمن القومي التابعين لبوش بنفس الطريقة تقريباً التي أنظر بها إلى سائقين مخمورين. إن كل ما أريده هو أن أسحب منهم رخص قيادة السياسة الخارجية للثلاث سنوات القادمة.

لو كانت دولتنا تُحكم من قبل نظام برلماني لكان جميع أعضاء فريق بوش قد خرجوا من مناصبهم الآن عن جدارة واستحقاق. في العراق كان المفترض على الرئيس أن يقود، ويدير، ويحاسب المرؤوسين ولم يفعل ذلك. وكان المفروض في رامسفيلد أن يستمع ولكنه لم يفعل ذلك. وطالما أن الأمر كذلك.. فما العمل؟ إننا لا نستطيع أن نطلب مهلة نسترد فيها أنفاسنا في مسألة من مسائل السياسة الخارجية. على الأقل يجب إحداث تغيير في "البنتاجون". رامسفيلد يحاول أن يرسم نفسه في صورة الوزير المستعد لإعطاء جنرالاتنا في العراق ما يريدونه من قوات، فليست هناك مشكلة في ذلك، وكل ما هنالك هو أنهم لم يطلبوا. طبعاً هذا محض هراء.

وحتى إذا ما افترضنا أن الجنرالات لم يطلبوا، كما يقول رامسفيلد، فإن السؤال الصحيح يا سيد رامسفيلد يجب أن يكون: ما الذي طلبته أنت منهم؟ ما الذي طلبته منهم وأنت تشاهد السلب والنهب الذي حدث في العراق عقب سقوط النظام مباشرة، وعندما شاهدت مستودعات ذخيرة صدام متروكة بدون حراسة، وعندما عرفت أنه لم يكن لأحد سيطرة على الحدود السورية- العراقية، وعندما رأيت أن العراق يفتقر بشدة إلى الأمن إلى درجة أن المقاتلين راحوا يتكاثرون في كل مكان.. ما الذي طلبته من الجنرالات يا سيد رامسفيلد؟

إنك لم تطلب شيئاً ولم تقل شيئا لأنك لم ترد في أي وقت أن ترسل مزيداً من القوات. فالحقيقة أنك قد اعتقدت أنه بمقدورنا تحطيم نظام صدام حسين بسهولة ثم المغادرة دون أن يلحق بنا أذى. لقد كان ذلك جنوناً مُطبقاً. لذلك فإنه إذا ما كان الخيار أمامي الآن بين عملية عسكرية أخرى ضد إيران تحت قيادة "رامسفيلد" وبين أن تصبح إيران دولة نووية على أن نقوم نحن بردعها من خلال وسائل تقليدية فإنني سأختار الردع. إن توجيه مذكرة دبلوماسية موجزة لملالي إيران سيكون هو كل المطلوب. مذكرة دبلوماسية نقول لهم فيها: "أيها السادة المحترمون: إذا ما قمتم في أي وقت باستخدام معدات نووية، أو إذا ما قمتم بإعطاء واحدة منها للإرهابيين، فإننا سنقوم بتدمير كل موقع من مواقعكم النووية باستخدام أسلحتنا النووية التكتيكية. وإذا كان أي جزء من هذه الجملة غير مفهوم لديكم فإنه يرجى الاتصال بنا.. شكرا".

هل أستطيع أن أتمنى لو كان هناك خيار ثالث؟ نعم. ولكن الخيار الثالث الوحيد المعقول هو تحدي إيران للدخول في مفاوضات تجري وجهاً لوجه حول كل الموضوعات التي نختلف عليها وهي: العراق، العقوبات، النووي. على أن يكون مفهوماً أن تلك الدبلوماسية ستتطلب شيئين: الأول أن تقوم إدارة بوش بحزم أمرها على شيء كان سبباً في انقسامها على مدى السنوات الخمس الماضية: هل تريد تغيير النظام في إيران أم تريد من النظام القائم في ذلك البلد أن يغير سلوكه؟ إذا ما كانت تريد تغيير النظام فلن تكون أمام الدبلوماسية فرصة في هذه الحالة. ففي هذه الحالة فإن الإيرانيين لن يتفاوضوا أبداً.

الثاني: إذا ما قنع فريق بوش بمجرد إجراء تغيير في سلوك إيران، فإن الدبلوماسية ستكون لديها فرصة في هذه الحالة بشرط أن يكون لديها حلفاء وتهديد موثوق به باستخدام القوة في حالة الفشل، حتى يقتنع الإيرانيون بالتفاوض بجدية.

إن السبب الرئيسي الذي يدعوني إلى القول بأن رامسفيلد يجب أن يترك منصبه الآن هو أنه لا يمكن أن يصبح لدينا خيار دبلوماسي أو عسكري موثوق به في مواجهة إيران في وقت يشعر فيه أغلبية الناس -تماما كما أشعر أنا- بأنه في حالة المفاضلة بين تنفيذ ضربة عسكرية بقيادة رامسفيلد ضد إيران أو التعايش مع حقيقة تحول إيران إلى دولة نووية فإن الخيار الأخير هو الذي يجب أن نختاره.

وسيكون من الأفضل لنا أن يكون لدينا خيار توقيع صفقة دبلوماسية مع إيران لإنهاء برنامجها النووي، ولكن تلك الصفقة لن تتحقق ما لم تكن مصحوبة بتهديد موثوق باستخدام القوة. ولكن المشكلة هي أننا لن نتمكن من الحصول على هذا التأييد الداخلي والخارجي لهذا التهديد طالما ظل رامسفيلد على رأس "البنتاجون". ليس هناك أحد يتمتع بكامل قواه العقلية يمكن أن يسير وراء هذا الرجل في مواجهة أخرى. وهذا هو في رأيي الالتزام الاستراتيجي الحقيقي الذي يجب أن نلتزم به.

كاتب ومحلل سياسي أميركي

وكل ذلك بحسب راي   توماس فريدمان في المصدر المذكور .

المصدر : الاتحاد الاماراتيه – ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز -20-4-2006