شيعة الخليج بين الماضي والواقع والمستقبل
علي آل غراش
بعد دخول قوات التحالف بقيادة أمريكا إلى العراق وإعلان سقوط نظام البعث الحاكم. دخلت المنطقة العربية والخليجية مرحلة جديدة في تاريخها مرحلة التغيير والتطوير, حيث انتعشت أسهم المطالب الشعبية, وانطلقت عربات قطار الديمقراطية والإصلاح السياسي والاجتماعي وان كانت بطيئة, وفتح المجال لعدد من التيارات الفكرية والثقافية والمذهبية بالتعبير عن أرائها والمشاركة في المؤتمرات الوطنية, والسماح للمرأة بالمشاركة في العديد من النشاطات السياسية والاجتماعية والتجارية, كما تم تدشين صناديق الانتخابات, وارتفاع صوت المعارضة. ومن أهم مظاهر المرحلة الجديدة بروز بعض القوى والتيارات والجماعات والطوائف....وبالخصوص الشيعة في العالم ومنها الدول العربية وبالذات الخليجية الذين وجدوا أنفسهم في الواجهة, ولم يخف شيعة الخليج مظاهر الفرح والتفاؤل الكبير ببداية العصر الجديد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومنها الفكرية والعقائدية, وشيوع الثقافة الوطنية, وتطبيق العدالة الاجتماعية, والانفتاح المتبادل لجميع أبناء المنطقة والتعرف على الآخر كما هو بدون حواجز أو خوف أو تحفظ أو وصايا. و بعد ذلك الصعود الملفت لشيعة الخليج على الساحة كرقم مؤثر بعد تهميش وغياب ظهرت على السطح تساؤلات تبحث عن إجابات: هل حقا أن الأنظمة العربية الحاكمة ومنها الخليجية تخلت عن الأيدلوجية الطائفية التي تحكم بها المنطقة منذ قرون وأنها مستعدة بالتعامل مع جميع المواطنين من خلال الوطنية الحقيقية وتحت أنظمة ودساتير يشارك في وضعها والتصويت عليها الشعب, وهل شيعة الخليج قادرون على التعاطي مع الواقع المعاصر بعقلية تناسب المرحلة الحالية ونسيان الماضي المظلم المليء بالظلم والاضطهاد والطائفية. وهل هم مستعدون للدخول والمشاركة في الحكومات أم أن عقدة التعامل مع الحكومات لازالت هي المسيطرة. وما الأساليب المناسبة التي ينبغي على شيعة الخليج اتخاذها لتغيير الصورة السلبية التي روجت ضدهم في الفترة السابقة والتشكيك بولائهم وإنهم طابور خامس ولديهم برامج ومشاريع طائفية خاصة بهم. وهل يدرك شيعة الخليج أهمية المرحلة الحالية وحجم التغيرات الدولية وأهمية استغلالها بما يخدم كيانهم في ظل الوحدة الوطنية ؟ المعروف أن منطقة الخليج الساحلية تتميز بالتسامح والانفتاح على الحضارات إذ يوجد فيها العديد من الآثار التي تدل على وجود العديد من الحضارات والديانات السماوية التي تفاعل أبناء المنطقة معها. ويتميز أهل المنطقة بالتوجه الديني... فعندما سمعوا بالإسلام بادروا بإرسال وفد للالتقاء بالنبي الكريم محمد (ص) والتعرف على الدين الجديد الإسلام ثم الدخول فيه بدون إكراه... ويوجد في المنطقة أقدم مسجد صليت فيها صلاة الجمعة بعد مسجد رسول الله (ص) مسجد جواثا بالأحساء "شرق السعودية". وتتميز المناطق الساحلية على الخليج بالتنوع المذهبي والفكري والتسامح أكثر من المناطق الداخلية في الجزيرة العربية حيث يتواجد فيها عدد كبير من أبناء الطائفة الشيعة الذين هم من أهل المنطقة الأصليين وتعود جذورهم إلى قبائل معروفة, ولقد ساهم هذا التنوع الفكري والمذهبي بجذب العديد من الناس إلى المنطقة والاستقرار فيها والتأثر بالتيارات المنتشرة فيها. وأبناء المنطقة من شيعة وسنة ينتمون إلى جذور وثقافة وعادات وتقاليد وتراث اجتماعي مشترك, وبينهم مصاهرة. كما يتألف المجتمع الشيعي الخليجي من جميع الطبقات كبقية الفئات الدينية والمذهبية في العالم: من العالم والجاهل, والإصلاحي والتقليدي, وكذلك المتشدد, والعلماني والقومي, وكذلك الغني والفقير....وغير ذلك. وكبقية أفراد المذاهب الإسلامية في المنطقة. وحينما سقط نظام بغداد في 9/4/2003م وسطع نجم الشيعة كقوة على الساحة العراقية أطلق احد الإعلاميين الخليجيين على الخليج بـ (الخليج الشيعي) وفي ذلك تعبير واضح وجلي عن حجم تواجد أبناء الطائفة الشيعية على سواحل مياه الخليج الدافئة الغنية بالنفط. ويشكل الشيعة الأكثرية من عدد سكان مملكة البحرين, ومن أهل المنطقة الشرقية في السعودية, ونسبة 30 بالمائة في دولة الكويت, ونسبة 18 بالمائة في الإمارات. كما يتواجدون في دولة قطر وسلطنة عمان, واليمن بالإضافة أنهم يشكلون السواد الأعظم من الشعب العراقي بنسبة تتجاوز 60 بالمائة, ومن الجهة المقابلة للخليج تقع إيران التي تحكمها حكومة دينية شيعية وهي الوحيدة في العالم.., كما أن الشيعة يتواجدون في جميع أنحاء العالم, وأينما تواجد المسلمون بجميع مذاهبهم وأفكارهم تواجد الشيعة. و الشيعة والسنة في منطقة الخليج من السكان الأصليين يعيشون في حالة ود ووئام وتعاون مشترك منذ قرون ولم تقع بينهم أي فتنة طائفية في التاريخ على الرغم من محاولات بعض الحكومات التي تسيطر على المنطقة من زرع بذور الفتنة واللعب على وتيرة الطائفية, وأخرها ما صرح به الرئيس المصري محمد حسني مبارك لقناة العربية الذي قال: إن الشيعة في المنطقة ولائهم لغير أوطانهم, ويأتي ذلك بعد تهديد الملك عبدالله بن الحسين عاهل الأردن بخطورة الهلال الشيعي. ومن أصعب الآزمات التي مرت على الشيعة العرب وبالذات في الخليج كانت في فترة الثمانيات حيث برزت الطائفية في الخليج بشكل واضح من خلال دعم الحكومات الخليجية لنظام صدام حسين في حربه مع إيران, واتخاذ دول الخليج مقولة (من لم يكن معنا فهو ضدنا). ونتيجة لذلك تعرض شيعة الخليج للإقصاء والتشكيك بالانتماء الوطني, وصلت إلى حد عدم توظيف أبناء الطائفة الشيعية في العديد من الوظائف الحكومية وعدم قبول أبنائهم في الجامعات والكليات. وقيام بعض التيارات المتشددة بالنيل والإساءة للشيعة والتشيع علانية... وغير ذلك...مما أدى إلى تأثر بعض الخليجيين بما يردده الإعلام, وخاصة الذين يعيشون بعيدا عن الشيعة, وأوجد بالتالي حاجزا نفسيا بين الخليجيين, وشعر الشارع الشيعي بالتمييز والخوف والتشنج أسفر الوضع عن المزيد من الاحتقان والتشدد الطائفي كردة فعل. بروز إعلامي شهد الكيان الشيعي في هذه المرحلة تحركا واسعا فكريا وإعلاميا بعد الحصول على بعض الحقوق..فلأول مرة يصبح لشيعة منطقة الخليج والعراق قنوات فضائية وصحف ومجلات تغطي الفعاليات الثقافية والفكرية والدينية, مصاحبا لبروز ملفت للرموز والشخصيات الشيعية الخليجية الدينية والثقافية والعلمية والاجتماعية عبر وسائل الإعلام المتنوعة المحلية والعربية و العالمية, وحصول عدد من أبناء الطائفة في المنطقة على بعض المناصب والتواجد في المجالس النيابية, ومشاركة الشيعة الخليجيين في المناسبات والحوارات والمؤتمرات الوطنية. وكل ذلك بحسب رأي على ال غراش في المصدر المذكور. المصدر: ايلاف-15-4-2006
|