الصبر وبلا تخبط يمكن أن يكون مفتاحا لحلّ الأزمة العراقية
ماكس بوت
في حرب العـراق... الصبر مفتاح النصر عُمر الحرب في العراق اليوم ثلاث سنوات، ويمكن القول إن مدافعا مستأَجرا عن الإدارة الأميركية هو الوحيد فقط الذي يمكنه الادعاء بأنها مرت بسهولة. والحقيقة هي أن الحرب كلفت أكثر مما تصوره المدافعون عنها وعمرت أطول مما تخيلوه، كما أنه لا شيء يبعث على الاعتقاد بأن نهايتها أضحت وشيكة. الواقع أنه أمر جيد أن يتساءل المرء بشأن الوقت الذي قد يستغرقه تمرد غير ناجح، فلقد حاربت إسرائيل الجماعات الفلسطينية المسلحة منذ الأربعينيات، وحاربت كولومبيا الجماعات الماركسية المسلحة منذ الستينيات، أما بريطانيا فقد حاربت الجماعات المسلحة الإيرلندية من منتصف القرن التاسع عشر إلى السنوات الأخيرة الماضية. بل إن الحملة التي كثيراً ما يشير إليها الخبراء كنموذج ناجح للقضاء على التمرد –حين قضت بريطانيا على تمرد شيوعي في مالايا- استغرقت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سنة حتى تنجح، وذلك من 1948 إلى 1960. ربما كان بالإمكان تحاشي نزاع مكلف وطويل في العراق لو أن القيادة المركزية ووزارة الدفاع كانتا مستعدتين بشكل أفضل لمرحلة "ما بعد النزاع". ولكن، وكما نعلم اليوم، حصل فشل ذريع وغير مفسر في اتخاذ التدابير اللازمة لإدارة العراق بعد سقوط صدام حسين. ولعل أكثر جوانب هذا الفشل التي كانت محل انتقاد –وعن حق- هو عدم إرسال عدد كاف من القوات الأميركية من أجل مراقبة نحو 25 مليوناً من السكان في العراق. إذ سمح انعدام الأمن للتمرد بالانتشار في المناطق السنية كانتشار النار في الهشيم، واليوم يثبت المتمردون أنه أصبح من شبه المستحيل القضاء عليهم. والأدهى أن الأمر قد ينفجر على نطاق أكبر بعد أن أمسك الشيعة السلاح للدفاع عن مكتسباتهم السياسية التي حصلوا عليها بعد طول عناء. هل يشهد العراق حربا أهلية؟ الواقع أن ذلك يتوقف على معنى "الحرب الأهلية". مما لاشك فيه أن ثمة اقتتالاً داخلياً متزايداً. أما في حال لم يكن العراق يعيش حرباً أهلية، فالأكيد أنه يسير نحوها. ورغم ما بلغته الأمور من سوء وتدهور، فإنه من الممكن أن تزيد سوءاً في حال انسحبت الولايات المتحدة قبل الأوان. ففي الوقت الراهن، ورغم صعوبة تصديق الأمر إلا أن حضور الـ136000 جندي أميركي في العراق يساهم بفعالية في الحد من أعمال العنف. لقد لقي ما لا يقل عن 30000 عراقي وعراقية مصرعهم على مدى السنوات الثلاث الماضية، وعدد كبير منهم قتلوا على يد إرهابيين لا يرحمون. وقد تبدو المرحلة الراهنة مواتية في حال اندلاع حرب أهلية شاملة، إذ من الممكن أن تنجم عن اقتتال داخلي شامل حمامات دم تشبه تلك التي شهدتها البلقان ورواندا والسودان، تزهق فيها أرواح مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، مع ما يحمله ذلك من خطر اتساع دائرة الصراع لتشمل دولا مجاورة. أما في حال حدوث ذلك لا سمح الله، فستكون ثمة بكل تأكيد دعوة إلى تدخلٍّ دولي في بلاد الرافدين بقياد الولايات المتحدة. لنعود بذلك إلى حيث نحن اليوم، أي وسط العراق سعياً إلى حفظ الأمن وحث الفصائل المختلفة على إبرام اتفاق لإنهاء الاقتتال. وباختصار، يمكن القول إنه لا يوجد أمل في هروب من معضلتنا الحالية. وبالتالي فعلى البنتاغون الكف عن تسريب المعلومات بخصوص استعداده لسحب القوات، وهو ما دأب على قوله منذ ربيع 2003، ذلك أن كل تسريب إنما يقوي أعداءنا، ويثبط عزيمة حلفائنا، ويضعف نفوذنا السياسي، ويجعل جميع الأطراف في العراق تشك في الضمانات الأمنية الأميركية. وعليه، فبدل الحديث عن السرعة التي ينبغي علينا أن نغادر بها العراق، يجدر بالإدارة الأميركية أن تتحدث عن كيفية الفوز في هذه الحرب. والواقع أن ذلك قد يتطلب إرسال المزيد من القوات –ربما كتيبة إضافية أو كتيبتين إضافيتين للمساهمة في إرساء الاستقرار في بغداد والأنبار. والواقع أن عدم رغبة الإدارة الأميركية في القيام بدور الشرطي داخل العراق، أو زيادة الحجم الدائم للقوات الأميركية، يملي بإلحاح ضرورة القيام بعملية تنظيف داخلية بوزارة الدفاع. أما في حال أقدم الرئيس بوش على ارتكاب خطأ فادح ما –وقد فعل- فإن ذلك لا يجعله مختلفا عن أي زعيم آخر وقت الحرب. فلنفكر في جميع الانتكاسات التي أصيبت بها الولايات المتحدة حتى في النزاعات الناجحة في الماضي، ابتداء بالغزو الفاشل لكندا وفقدان نيويورك وفلاديلفيا وتشارلز تاون في الحرب الثورية وانتهاءً بالانسحاب المروع في معركة "خزان تشوسين" متبوعاً بسنتين من الطريق المسدود الدامي في الحرب الكورية. الواقع أنها كانت كوارث أشد هولاً من أي شيء وقع لنا في العراق، ومع ذلك لم تمنع أي من تلك الكوارث من اتخاذ قرار مرْضٍ. ولذلك أرى أنه مازال بإمكاننا الانتصار في العراق شريطة أن نتحلى بالصبر اللازم للتغلب على المتشددين الدينيين والانتهازيين الذين يريدون إخراجنا. ولكن كل ذلك رهين بتوفر هذا الشرط. *زميل رئيسي في "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-28-3-2006
|