مقالات و محاضرات

 

 

أمن العراق... وخطر الميليشيات

 

 

مات شورمان

 

 

إذا كانت حدة أعمال العنف التي أعقبت انفجار سامراء الشهر المنصرم قد خفت نوعاً ما، فإن المشكلة الأكبر التي طرحتها أعمال العنف تلك ما تزال قائمة. فمنذ سقوط نظام صدام، انتشرت الميليشيات المسلحة في البلاد لأخذ العدالة باليد وإنفاذ العقاب في حق المجموعات الدينية والعرقية الأخرى وفق تقديرها. ولعل الحل الأمثل للخروج من هذا الوضع لا يكمن فقط في وقف نشاط هذه المليشيات في توفير الأمن، وإنما أيضا في الاستفادة منها في أداء دور منتج داخل المصالح الأمنية الشرعية التابعة للدولة العراقية.

وبحكم تجربتي السابقة كمستشار لدى وزارة الداخلية العراقية لمدة سنتين، أدرك جيداً قوة هذه الميليشيات وقدرتها على زعزعة استقرار البلاد. ورغم أنه لا يوجد إحصاء رسمي للميليشيات النشطة في العراق، فقد عقدنا في 2004 مفاوضات مع ما كنا نعتبرها المليشيات التسع الكبرى، والتي كانت تضم في صفوفها عشرات الآلاف من الرجال المسلحين.

ولعل أكثر ما يبعث على القلق هو التحاق أعداد كبيرة من أعضاء الميليشيات بالجيش العراقي وقوات الشرطة منذ قدوم الحكومة التي يتزعمها الشيعة إلى السلطة في مايو المنصرم. أما الخطر فيكمن في أن أكثرهم يدينون بالولاء لمليشياتهم وطوائفهم الدينية أكثر من ولائهم للدولة، فـ"فيلق بدر" بزعامة عبدالعزيز الحكيم مثلاً، تمكن تدريجياً من بسط سيطرته نظرياً على وزارة الداخلية، في حين اكتسب أتباع رجل الدين المناوئ لأميركا مقتدى الصدر نفوذاً كبيراً على مكاتب مديري الشرطة والحكام جنوب البلاد. والواقع أنه من الممكن جداً أن تصبح هذه المجموعات وميليشيات أخرى أقوى وأكثر نفوذاً من الجيش العراقي وقوات الشرطة.

ما العمل إذن؟

للأسف أن الميليشيات هي جزء من النسيج المجتمعي في العراق، ولذلك فلا يمكن القضاء عليها أو نزع سلاحها بسهولة. إلا أنه يمكن بالمقابل التعرف على أعضائها الذين يشغلون وظائف أمنية حكومية ومراقبتهم. وعوض أن يطلب منهم التنازل عن الروابط التي تجمعهم بمذهبهم وعشيرتهم –ولا معنى لذلك بالنظر إلى الثقافة العشائرية السائدة في العراق- علينا أن نجعلهم يكشفون عن الجهة التي يدينون بالولاء لها قبل تسلمهم إحدى الوظائف الحكومية، على أن نمنحهم ضمانات على أن ذلك لن يؤثر في شيء على مستقبلهم المهني.

قد لا يكون هذا الأمر كافياً ولاسيما في حالة "الولاء المختلط"، إلا أنه سيمنح الحكومة العراقية ومستشاري التحالف فكرة عن أعضاء الميليشيات الذين يشغلون مناصب حكومية ويحدد الوزارات التي يعملون بها. أما على المدى البعيد، فيمكن للحكومة أن تتحكم في طريقة التوظيف تحاشياً لتغليب مجموعة عرقية أو مذهبية على حساب أخرى في صفوف قوات الشرطة أو الجيش، وذلك حتى لا تكون هذه القوات خاضعة لسيطرة مليشيا معينة.

وثمة أيضاً العديد من الجزرات التي يمكن للحكومة استعمالها لتشجيع القوات غير النظامية على الالتحاق بالمصالح الحكومية. هذا وتقوم طريقة أخرى هدفها احتواء هذه المليشيات على إعادة إحياء قوات الشرطة المكلفة بالأماكن الدينية، والتي كانت تشكل قسما خاصاً بوزارة الداخلية في عهد النظام "البعثي"، حيث أنيطت بها مهمة حماية مئات الأماكن الدينية من مساجد وأضرحة ومزارات عبر أرجاء البلاد. صحيح أن إعادة إحياء هذه القوات ستؤدي إلى تغليب العامل الديني على عمل قوات الأمن، إلا أن الأمر قد لا يكون مكلفا كثيرا مقابل منح الميليشيات الدينية شعورا بالمساهمة في بناء الوطن وتوفير الحماية للمواقع الدينية التي تشكل، كما رأينا في حالة سامراء، أهدافا ثمينة بالنسبة للمتمردين. وبطبيعة الحال فأي فإن أي اتفاق من هذا النوع يجب أن يكون دقيقاً وواضحاً في حصر دور هذه المليشيات في محيط الأماكن الدينية.

والحقيقة أنه في حين يمكن للمسؤولين الأميركيين استخدام المحفزات المالية للدفع في اتجاه إحداث التغيير، إلا أن الحل الأخير هو بيد العراقيين أنفسهم، كما أن مستوى تأثيرنا عليهم آخذ في التقلص بمرور الأيام، وبالتالي فلم يعد بإمكاننا تأجيل موعد التفاوض مع المليشيات. والأكيد أنه ما لم تصبح هذه المليشيات خاضعة للحكومة المنتخبة، فلن ينعم العراق بالاستقرار.

وكل ذلك بحسب رأي مات شورمان في المصدر المذكولرر.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-13-3-2006