مقالات و محاضرات

 

 

الإصلاح العربي بين التحدي والاستجابة

 

السيد يسين 

 

أتيح لى – باعتباري رئيساً لمرصد الإصلاح العربي في مكتبة الإسكندرية- في جلسة خاصة من جلسات مؤتمر الإصلاح العربي الثالث (1-3 مارس 2006) أدار الحوار فيها الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة ورئيس منتدى الإصلاح العربي، أن أعرض المناهج التي طبقها بالفعل خبراء المرصد، لقياس التقدم في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وقد آثرت مجموعة البحث التي قادها الدكتور محمد السعيد إدريس أن تطبق منهجاً ثلاثي الأبعاد لقياس التقدم في الإصلاح السياسي، يقوم أساساً على نظرية التحدي والاستجابة، بالإضافة إلى منهج بناء سيناريوهات للمستقبل.

يطلق فريق البحث على التحدي مصطلح المدخلات المؤثرة في عملية الإصلاح السياسي في الدول العربية. ويقصد بها "أنماط التحديات التي تواجه هذه الدول والتي يمكن تقسيمها إلى تحديات داخلية وتحديات خارجية".

التحديات الداخلية تتركز في تحديين رئيسيين هما: تحدي الإصلاح وتحدي الأمن والاستقرار. وبدون شك فإن هذين التحديين يسيران في اتجاهين متقاطعين وليس متوازين. بمعنى أن الاستجابة لأحدهما تعني بالقطع خصماً من الاستجابة للآخر، ومن ثم فإن مستقبل عملية الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي في الدول العربية، سيتوقف بنسبة كبيرة على حدود التفاعل بين التحديين.

أما التحديات الخارجية فتتمثل في التداعيات التي أفرزها الاحتلال الأميركي للعراق وتصاعد الدعوى الأميركية للإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط.

إذا كان ما سبق يمثل "المدخلات" المؤثرة في عملية الإصلاح السياسي العربي فما هي "مخرجات" عملية الإصلاح السياسي؟ بعبارة أخرى وبعيداً عن لغة "المدخلات" و"المخرجات" أشرنا إلى "التحديات" فما هي أنماط الاستجابة لها؟ للإجابة على هذا السؤال قام تقرير مرصد الإصلاح العربي لعام 2005 بإجراء تحليل مقارن لمؤشرات عملية الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي. واعتمد في ذلك على عدد من المؤشرات الرئيسية الكفيلة بقياس التقدم في الإصلاح.

المؤشر الأول هو الإصلاح الدستوري، ويقصد به إما رصد صدور دساتير عربية جديدة، أو إدخال تعديلات ديمقراطية عليها، أو إلغاء هذه الدساتير، بعبارة أخرى دراسة كل ما يتعلق بالمسألة الدستورية في العالم العربي، والتي عادت بقوة خلال عام 2005، والمؤشر الثاني هو إصلاح المؤسسات التشريعية ويتناول مدى إقامة مؤسسات تشريعية منتخبة جديدة، وإعطاء مؤسسات تشريعية صفات ديمقراطية.

ويلتفت تقرير المرصد إلى حقيقة مبناها أنه يصعب في بعض الأحيان تطبيق مؤشرات سياسية عامة على بلدان العالم العربي، بدون التفات كافٍ إلى الخصوصيات السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة فيها.

ولذلك لجأ التقرير إلى منهج "التنميط" Typology بمعنى تقسيم البلاد العربية إلى فئات متجانسة، وفي هذا المجال تم تصنيف البلاد العربية في فئات ثلاث: الفئة الأولى تضم الدول التي شهدت تطورات رئيسية كان لها تأثير مباشر على النشاط العام للسلطة التشريعية وعلى علاقتها بالسلطة التنفيذية، وتضم كلاً من الكويت ومصر والأردن.

في الكويت مثّلَ منحُ المرأة الكويتية حقوقها السياسية محوراً لتفاعلات متعددة بين مجلس الأمة والحكومة. وبالنسبة لمصر مثل التعديل الدستوري الذي طالب فيه الرئيس محمد حسنى مبارك في 26 فبراير 2006 بجعل الانتخابات الرئاسية تنافسية بدلاً من نظام الاستنقاء، أساساً لتفاعلات سياسية عميقة. وفي الأردن ثارت مسألة الحرية المكفولة للبرلمان لمساءلة الحكومة.

أما الفئة الثانية من الدول العربية فهي التي اتجهت إلى إحداث تعديلات في الهيكل التنظيمي للسلطة التشريعية. وهذه التعديلات اتخذت شكلين: الأول يتمثل في اتباع نظام الفرقتين مثل حالة تونس، التي أنشأت مجلس المستشارين لأول مرة في تاريخها، والذي يتألف من 126 عضواً ينتخب ثلثهم الأول من المنظمات الشعبية وثلثهم الثاني على مستوى المحافظات، ويعين الرئيس الثلث الباقي. وهناك حالة البحرين حيث إن هناك اتجاهاً نحو تقليص صلاحيات المجلس المعين لصالح المجلس المنتخب. ويبقى الشكل الثاني الذي يتمثل في الاتجاه نحو تأسيس مجلس شورى مثل حالة الإمارات العربية المتحدة وقطر.

أما الفئة الثالثة والأخيرة فتضم الدول التي شهدت سلطاتها التشريعية تفاعلات هادئة تمثلت في إجراءات روتينية شكلية لن يكون لها تأثير مباشر على النشاط العام للسلطة التشريعية، وهى لبنان وفلسطين واليمن. وننتقل للمؤشر الثالث من مؤشرات الإصلاح السياسي وهو إصلاح الهيئات القضائية، والذي يتمثل في مدى استقلالية القضاء وحياديته، ومدى وجود مساواة بين المواطنين.

ويخلص تقرير المرصد لعام 2005 إلى أن منحنى أداء السلطة القضائية في الدول العربية خلال عام 2005 لم يشهد تحسناً لافتا. ذلك أن السلطة القضائية العربية مازالت تواجه قيوداً عدة على ممارسة صلاحياتها ومهامها المخولة لها.

وتبرز أهمية المؤشر الرابع من مؤشرات الإصلاح السياسي لأنه يتعلق بالمشاركة السياسية التي تشهد في الواقع أزمة عميقة منذ عقود طويلة في العالم العربي، نتيجة لسيادة القهر السياسي ووجود موانع متعددة قانونية وعملية، تمنع عملية تشكيل الأحزاب السياسية بدون قيود، للتعبير عن مختلف الاتجاهات الأيديولوجية والمصالح الطبقية المتنوعة.

ويقرر تقرير مرصد الإصلاح العربي أن هناك متغيرين أساسيين يمكن الاستناد إليهما في تقييم مسار عملية المشاركة السياسية في الدول العربية.

المتغير الأول هو الانتخابات، حيث شهدت سبع دول عربية استحقاقات انتخابية مختلفة سواء كانت رئاسية كحالة مصر وفلسطين وجيبوتى، أو تشريعية في العراق ولبنان ومصر، أو بلدية في فلسطين والسعودية والكويت وتونس.

غير أنه تفاوتت أهمية هذه الانتخابات في الدول العربية التي يمكن تقسيمها إلى أربع فئات.

الفئة الأولى هي الدول التي شهدت استحقاقات انتخابية ذات طبيعة خاصة نتيجة الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها الدول مثل العراق ولبنان.

الفئة الثانية هي الدول التي شهدت استحقاقات انتخابية ساخنة وتضم هذه الدول كلا من مصر وجيبوتى وفلسطين.

الفئة الثالثة وتضم الدول التي شهدت استحقاقات انتخابية هادئة مثل الكويت والسعودية وتونس، والتي شهدت إجراء انتخابات بلدية.

والفئة الرابعة والأخيرة وتضم الدول التي شهدت تفاعلات هادئة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية.

أما المتغير الثاني فيتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة، حيث شهدت الدول العربية درجات متفاوتة من التفاعلات بصددها، كما حدث في الكويت والسعودية.

بالإضافة إلى توسيع مشاركة المرأة في العمل السياسي مثل حالة سلطنة عمان، أو إجراءات قانونية جديدة سوف يكون لها تأثيرها على مجمل النشاط العام للمرأة مثل حالة الجزائر.

والمؤشر الخامس والأخير هو الحقوق والحريات العامة، من خلال قياس مدى وجود حرية في تداول المعلومات، إلى جانب حرية التنظيم والانضمام إلى الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.

ويقرر تقرير المرصد أنه ليست هناك فروق واضحة بين البلاد العربية في هذا المجال.

وهكذا يمكن القول إن دراسة الإصلاح السياسي في مرصد الإصلاح العربي والتي قامت على أساس المؤشرات من خلال جدلية العلاقة بين التحدي والاستجابة، لم تغفل الخصوصيات العربية المتعددة، ولذلك لجأت إلى منهج التنميط أو التصنيف.

ليس ذلك فقط، وإنما تجاوزت الدراسة منهجية المؤشرات لتطبيق منهجية وضع سيناريوهات لمستقبل الإصلاح السياسي، وهو موضوع يستحق أن نعالجه في مرة قادمة.

و كل ذلك بحسب رأي السيد يسين في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-9-3-2006