مقالات و محاضرات

 

 

هل ذهـب الإصـلاح في الشرق الأوسط أدراج الـرياح ؟ لـماذا وكيـف ؟

 

ويليام كوانت

 

نشر المصدر المذكور مقالا لويليام كوانت بعنوان : مبادرة "الشرق الأوسط الكبير"... خيال الشعارات وصعوبة المقايضات ، فيمايلي نصه :

في نوفمبر 2003، أطلق الرئيس بوش وقادة الدول الصناعية الثماني الكبرى، ما يعرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير. كانت المبادرة منذ بدايتها مثيرة للجدل، وبدت في أشد نسخها طموحاً وكأنها محكوم عليها بالفشل. وكان الكثيرون في الشرق الأوسط متشككين في أهدافها المعلنة، في وقت كانت فيه أبرز علامات السياسة الأميركية وضوحاً في المنطقة هي احتلال العراق والدعم الأميركي السخي لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وفي ذلك الوقت أيضاً، أوضح قادة دول مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى الباقون أنهم ليسوا في قارب واحد مع الولايات المتحدة، ما جعل المبادرة تبدو وكأنها مبادرة أميركية من جانب واحد، في وقت وصل رصيد واشنطن في المنطقة إلى أدنى درجاته.

لا يمكن استبعاد دعم الديمقراطية كفكرة جوهرية في مبادرة الشرق الأوسط الكبير، فعلى الرغم من كل شيء، لا يمكن إنكار المناقشات المحتدمة داخل منطقة الشرق الأوسط وفيما وراءها، عن الحالة الفظيعة التي وصلت إليها أنظمة الحكم في المنطقة، مما دعا الأكاديميين الجادين إلى الانشغال بالأسباب التي جعلت الشرق الأوسط يبدو وكأنه استثناء من "الموجة الثالثة من موجات التحول الديمقراطي". واتفقت مجموعة من المفكرين مثل "برنارد لويس" و"إيلي قدوري" و"فؤاد عجمي" على أن الثقافة -وبشكل أخص الإسلام- حاجز رئيسي في وجه هذا التحول. لكن محور الاهتمام اتجه نحو التأثير الخطير للاعتماد على نفط الشرق الأوسط في دعم الأنظمة السلطوية، ودعم عسكرة المنطقة جراء الصراعات المتواصلة.

وقبل أن يكتشف بوش بوقت طويل أن الديمقراطية علاج لجميع علل الشرق الأوسط، كانت هناك تجارب لافتة للنظر في الانفتاح السياسي والليبرالية، قد بدأت بالفعل داخل المنطقة. فلفترة قصيرة، بدت الجزائر خلال الأعوام 89- 1991، وكأنها ستصبح أول دولة عربية تشهد انتقالاً للسلطة من العناصر المؤسسة للدولة المنتمية للتيار القومي، إلى المعارضة الإسلامية من خلال انتخابات حرة. ولكن التجربة الأكثر إثارة للإعجاب، كانت هي نجاح تركيا في اجتياز حقبة التسعينيات دون أن يحدث فيها انقلاب من انقلاباتها العسكرية المعتادة، ونجاح حزبها الإسلامي في تحويل نفسه إلى مجموعة من المصلحين المعتدلين الذين لم يثرْ نجاحهم في صناديق الاقتراع منذ عدة سنوات الدهشة لدى أحد لأنه كان نتيجة منطقية أو طبيعية.

وفي أماكن أخرى، وخصوصاً في بعض الأنظمة الملكية في المنطقة، كان هناك قدر ملحوظ من الانفتاح والليبرالية وذلك عندما انتقلت السلطة إلى الجيل الأصغر سناً من الحكام. فدول مثل المغرب والأردن والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان يمكن كلها أن تؤشر على حدوث تقدم حقيقي في هذا المجال. وعندما قام بوش بإطلاق مبادرته؛ لم تكن المنطقة خالية من الإمكانات الديمقراطية؛ ففي عام 1997 نجد أن دولة مثل إيران نجحت في انتخاب رئيس "إصلاحي" مقنع، وذلك عندما خرج الإيرانيون من الشبان والشابات بأعداد كبيرة للتصويت ضد المرشح "المحافظ" المفضل من قبل نظام الملالي.

لكن ما هي الأسباب التي أثارت شكوكاً حول مبادرة بوش؟ السبب الأول هو أن بوش نفسه وافد حديث على موضوع الديمقراطية، فعندما كان مرشحاً للرئاسة في انتخابات 2000، قال إن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في مهام "بناء الأمم" وتحدث أيضاً عن سياسة خارجية "متواضعة". وأثناء التحضير لحرب العراق في ربيع 2003، لم يشر بوش كثيراً إلى الديمقراطية كهدف من أهداف الحرب، بل ركز على أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب.

من أين جاء موضوع الديمقراطية إذن؟ وما هي التوقعات الحالية للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط؟ في بدايات 2001 تماهى بوش ودائرته الداخلية تقريباً مع النمط "المحافظ الواقعي". فديك تشيني، ورايس، وباول، ومهما كانت الخلافات بينهم كانوا بدرجة أو بأخرى ينتمون إلى المعسكر الواقعي. ويذكر في هذا السياق أن رايس قد كتبت مؤخراً عن فعالية أسلوب الاحتواء والردع في التعامل مع صدام حسين. وكان الصف الثاني في الإدارة في ذلك الوقت هو الصف الذي يمكن العثور فيه على أصحاب الآراء "ضد الواقعية" من بين الأشخاص المنتمين إلى الجيل الثاني من "المحافظين الجدد"، مثل "دوجلاس فيث"، و"بول وولفوفيتز"، و"لويس ليبي"، و"ديفيد وميراف وارمسر". فبالنسبة للبعض من هؤلاء، كانت الديمقراطية تبدو كالتزام حقيقي. فوولفوفيتز على سبيل المثال، أيد تغيير النظام في كل من إندونيسيا والفلبين عندما كان مسؤولاً عن السياسة الأميركية في آسيا. ولكن بعض "المحافظين الجدد" خارج الإدارة، مثل "بيرل"، و"ليدين" اعتبروا مشروع الديمقراطية- جزئياً أو كلياً- وسيلة من وسائل خلخلة استقرار الشرق الأوسط لتحقيق مصلحة إسرائيل.

وعقب هجمات سبتمبر 2001، تم تقديم موضوع تغيير النظام في العراق باعتباره حلاً لجميع مشكلات المنطقة. واعتقد البعض في ذلك الوقت –خطأً– أن صدام حسين كان وراء هذه الهجمات، ووجد آخرون في هذه الهجمات فرصة للتخلص من صدام. ونجحت إدارة بوش في استخدام غلاف الديمقراطية الذي غطت به مساعيها لتغيير النظام في العراق، لتسويق الحرب على صدام حسين، خاصة لدى الرأي العام الأميركي.

وبعد اتخاذ قرار إسقاط صدام، وفي بدايات 2002، تم تطوير أطروحة الديمقراطية، وهو ما تبدى بشكل واضح في الخطاب الذي افتتح به بوش فترته الرئاسية الثانية عام 2005؛ فبوش أشار في الخطاب إلى أن الديكتاتوريات هي أرض تفريخ الإرهاب، وأن الولايات كي تتمكن من محاربة الإرهاب، يجب أن تعمل من أجل إنهاء الديكتاتوريات القائمة في الشرق الأوسط. فالديمقراطية لم تكن إذن مجرد حالة من حق الجميع أن يتمتعوا بها، لكنها كانت وسيلة لإسقاط مواقع تقوم بتفريخ الإرهاب. وكانت أفغانستان والعراق ضمن النماذج المبكرة للنظام الجديد، ولم يكن هناك ما يدعو إلى الاقتصار على هاتين الدولتين.

إذن أين كان الخطأ؟ الأخطاء الأكثر فداحة تم ارتكابها في العراق؛ حيث انطلقنا إلى هناك لإسقاط النظام، لكننا قمنا بتدمير الدولة ذاتها وليس النظام فقط. فمن بين القرارات المبكرة التي اتخذتها إدارة بوش ذلك الخاص بحل الجيش العراقي، وإجراء عملية تطهير واسعة النطاق للنظام السياسي تشمل فصل أي عراقي يحتل درجة من الدرجات الخمس الأولى في النظام التراتبي لحزب "البعث، وبذلك انتقلت مسؤولية الحفاظ على الأمن وتوفير الخدمات، بين عشية وضحاها، إلى أيدينا، أي إلى العسكريين الأميركيين، الذين لم تكن لديهم أية خبرة مسبقة بعمليات "بناء الأمم".

في البداية، لم تكن الانتخابات جزءاً من الخطة الأميركية في العراق، ولكنها فرضت فيما بعد فرضاً على الأميركيين من قبل آية الله السيستاني، الذي أدرك أن الأغلبية الشيعية ستتمكن بسهولة من الوصول إلى السلطة إذا تم إجراء انتخابات. لذلك، وافقنا على عقد الانتخابات حتى قبل أن يتم تطوير بنية دستورية. وقد تبين لنا أن صياغة دستور للعراق عملية في غاية الصعوبة، بعد أن قاطع معظم السُنة العملية، وبعد أن شاركوا في الاستفتاء على الدستور عام 2005 وصوتوا ضده.

وعندما أُجريت الانتخابات في ديسمبر الماضي، لم يكن ثمة اتفاق على كيفية حكم العراق، أي شكل بنيته الفيدرالية، ودور الشريعة الإسلامية فيه، وتوزيع عوائد الثروة النفطية على العراقيين، وهي نقاط قليلة ضمن نقاط عدم الاتفاق بين الفرقاء العراقيين. لذلك ليس غريباً أن عراق ما بعد صدام، لم يتمتع بمناخ من الهدوء والتوافق عند إعادة البناء الجزئي للمؤسسات السياسية. فلم تكن هناك سوى أحزاب سياسية قليلة موجودة، عدا تلك الموجودة في كردستان، وحركات المعارضة الشيعية التي اتخذت من إيران ملاذاً لها إبان حكم صدام كـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، و"حزب الدعوة".

لكن المشهد العراقي، اتجه، وبسرعة شديدة، نحو الطائفية، عندما أصبحت المليشيات -لا الجيش الوطني- هي التي تسيطر على الشارع، وعندما رأى البعض أن الانتخابات التي أجريت في ديسمبر كانت توافقاً أكثر من كونها انتخابات، حيث قام معظم الناس بالتصويت للمرشحين الذين يمثلون طائفتهم، أما المرشحون القلائل المعروف عنهم أنهم علمانيون وغير طائفيين، فقد حققوا نتائج هزيلة للغاية.

والآن لدينا عراق مَر بانتخابات واستفتاء دستوري، لكنه لا يزال بعيداً كل البعد عن الدولة الديمقراطية المستقرة. وفي الحقيقة أن الأحداث التي جرت في أواخر فبراير الماضي، تثير بعض المخاوف من أن شبح الحرب الأهلية أصبح يلوح في الأفق. ربما تتحسن الأشياء مع الوقت، غير أن التجربة العراقية حتى الآن تؤكد تحذيرات "فريد زكريا" من بذل اهتمام أكثر من اللازم بالانتخابات، وعدم بذل اهتمام كاف بالأساسيات التي يرتكز عليها أي نظام ديمقراطي: مثل حكم القانون واحترام حقوق الأقليات، والضوابط الدستورية، وتوفير الأمن، والخدمات الأساسية. وهكذا، فإن العراق وبدلاً من أن يصبح نموذجاً يحتذى في المنطقة أصبح شيئاً يأمل الجميع في تجنبه.

في عام 1994، كتبت مقالة في دورية "فورين أفيرز" حول فرص الديمقراطية في فلسطين، واعتقدت آنذاك أن تلك الفرص جيدة نسبياً، بشرط التوصل إلى اتفاقية سلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. كان المجتمع المدني الفلسطيني وقتها قوياً نسبياً، ولديه تقاليد طويلة في التعددية حتى داخل "منظمة التحرير الفلسطينية". كان الفلسطينيون أيضا شعباً متعلماً ومثقفاً، إضافة إلى النموذج الديمقراطي الإسرائيلي القائم بجوارهم، فكنت متفائلاً، لكن تلاشى التفاؤل بسبب فشل عملية السلام. ورغم ذلك، تم انتخاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والحالي محمود عباس "أبو مازن"، كما أجريت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية مؤخراً والتي تعد في نظري أفضل انتخابات أُجريت في العالم العربي.

ولكن إجراء الانتخابات في وقت وصلت فيه الظروف السوسيو-اقتصادية بالضفة الغربية وغزة حالة من التدهور للسنة الرابعة على التوالي، وفي وقت تمكنت فيه "حماس" من أن تنسب لنفسها الفضل في انسحاب إسرائيل من غزة، كان وصفة مؤكدة للفوضى. بالإضافة إلى ذلك، فإن من قام بتصميم الانتخابات الفلسطينية لم يتعلم في رأيي شيئاً من تجربة الجزائر مع انتصار الإسلاميين في انتخابات 91- 1992. في ذلك الوقت، أدى النظام السياسي السائد والذي كان قائماً على أساس أن الفائز سيحصد كل شيء، إلى تضخيم الفوز الذي حققته جبهة "الإنقاذ الإسلامي" في الانتخابات ووضعه في حجم أكبر من حجمه الحقيقي. وفي الحالة الجزائرية كان الدرس الذي ينبغي تعلمه من قبل الفلسطينيين سهلاً. فالإسلاميون باعتبارهم حركة معارضة منضبطة، جعلوا أتباعهم يقومون بالتصويت لمرشحي "جبهة الإنقاذ"، أما الناخبون غير المنتمين إلى تلك الجبهة، فانقسمت أصواتهم بين ما يزيد على 12 حزباً من الأحزاب الأخرى، فاتحين الباب لفوز ساحق للجبهة. فلو استخدم الجزائريون نظام التمثيل النسبي الصارم لما زادت نسبة المقاعد التي حصلت عليها "جبهة الإنقاذ" عن 40 في المئة، من مقاعد البرلمان الجزائري.

في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، تم استخدام نظامين انتخابيين. نصف عدد المقاعد (66 مقعدا) تم اختيار مرشحيها بنظام التمثيل النسبي، وحصلت "حماس" على 45 في المئة من المقاعد. أما النصف الثاني من مقاعد المجلس الذي جرى التنافس المباشر عليه بين المرشحين في مختلف الدوائر الانتخابية، فإن انضباط "حماس" الداخلي ظهر بوضوح من خلال ترشيح شخص واحد من الحركة لكل مقعد، بينما قامت "فتح" بترشيح أكثر من مرشح على المقعد نفسه في أغلب الدوائر، مما أدى إلى تفتيت أصوات مؤيدي "فتح"، لصالح مرشحي "حماس" الذين فازوا بسهولة، وحصلوا على 74 مقعداً.

الدرس الذي نخرج به، هو أن اختيار النظام الانتخابي موضوع مهم؛ فنظام القوائم النسبية يحقق نجاحاً أكبر بكثير فيما يتعلق بإبرازه لمدى اتساع قاعدة الآراء، كما أنه يتلافى تشويه النتائج، وتقديم أغلبيات زائفة. علينا أن نفكر إلى أي حد سيكون القلق، لو حصلت "حماس" على نسبة تتراوح ما بين 40– 45 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. لو أن ذلك قد حدث لأصبحت "حماس" ملزمة بالتوافق وإجراء التسويات مع المجموعات الأخرى لتشكيل الحكومة.

ويقفز إلى الذهن سؤال مؤداه: لو كانت مبادرة بوش قد حققت نجاحاً كبيراً في العراق وفلسطين، فهل كان بوسعنا القول حينئذ إن الديمقراطية طريق خطأ يجب التخلي عنه؟ لا أظن ذلك. وإن كنت أعتقد جازماً أن المتعصبين للديمقراطية قد تعجلوا أكثر من اللازم في التقليل من أي شيء يعود إلى الفترة السابقة في الشرق الأوسط، عندما أعطت السياسة الأميركية أولوية أكبر لحفظ السلام والاستقرار. فعلى الرغم من كل شيء، فإن الرئيس المصري الراحل أنور السادات لم يكن ديمقراطياً، لكنه حقق السلام مع إسرائيل، سلام أثبت على مر الأيام أنه مكون إيجابي وقابل للاستمرار في المشهد العام للشرق الأوسط. هل كان يمكن لأي رئيس أميركي تقوية أعداء السادات من "الناصريين" المواليين للسوفييت و"الإخوان المسلمين" في سنوات السبعينيات الحرجة؟ لا أعتقد ذلك. ومن ثم لا زال علينا مواجهة بعض المقايضات الصعبة في المنطقة؛ فبعض الأنظمة التي قصرت في تحقيق الديمقراطية لا تزال دولاً ذات أهمية لتحقيق أهدافنا الأخرى في الشرق الأوسط. لذلك من الضروري تجنب السياسات أحادية البعد سواء كان ذلك البعد هو الديمقراطية، أو النفط، أو الاستقرار، أو مناوأة الإرهاب، أم غير ذلك، فالعالم مكان معقد، ونحتاج إلى سياسات معقدة للتعامل معه.

إنني أود أن تمضي السياسة الأميركية الخاصة بدمقرطة الشرق الأوسط في الاتجاه التالي: يجب أن نقلل من كمية الوعظ، وأن نكون أقل غطرسة في الطريقة التي ندفع بها رسالتنا، وأن نركز اهتمامنا على حقوق الإنسان، وحكم القانون، وحرية الصحافة، والتبادل التعليمي باعتبارها كلها تمثل دعائم اللبرلة والدمقرطة.

من المتوقع أن تكلفنا حرب العراق ما يزيد بكثير عن تريليون دولار قبل أن تضع أوزارها. لقد كان بإمكاننا بشريحة من هذا المبلغ أن نفعل الأعاجيب في مجال التبادل التعليمي والثقافي، وإزالة الفقر، ومقاومة الأمراض، وتعويض اللاجئين عن منازلهم المفقودة، وكان يمكن للنتائج المترتبة على كل ذلك أن تكون أكثر استمرارا، وأطول مدى.

يمكنني القول إن الولايات المتحدة يجب أن تشجع براعم الديمقراطية الموجودة بالفعل في الشرق الأوسط. فتركيا على سبيل المثال تعتبر نموذجا جيدا للدولة التي تمكنت من إنجاز التحول الديمقراطي. يجب علينا أن نشعر بالفخر عندما نقوم بالإشارة إلى نجاحهم، ولكن يجب علينا أيضا أن نقول إن المغرب والجزائر والكويت وقطر ولبنان وفلسطين دول فعلت هي الأخرى مؤخراً أشياء تستحق منا الاعتراف. وفي معظم الحالات كانت مبادرات هذه الدول نابعة من الداخل، وهذا النوع من المبادرات هو الذي سيستمر وهو الذي يمكن أن يكون قدوة تحتذى من قبل الآخرين.

يجب ألا ننسى أن الديمقراطية في الشرق الأوسط يمكن أن تزدهر على أفضل وجه ممكن في الأحوال التي يسود فيها السلام والرفاهية؛ فالصراع العربي- الإسرائيلي تواصل وامتد أكثر مما ينبغي. ونحن الآن نعرف بعض الخطوط العريضة بشأن ما نحتاج إلى عمله إذا ما أردنا حل هذا الصراع من خلال التسويات والاتفاقات المتبادلة. ربما يكون الأمر قد تأخر كثيراً، ولكن علينا ألا نيأس ونقوم بجهد بطولي في هذا الشأن.

أما العراق، فإنه إذا ما أراد أن تكون أمامه فرصة للبروز كدولة لائقة في المنطقة، فعليه إقامة علاقة طبيعية مع إيران. وهذا سيتطلب -ضمن أشياء أخرى- تغييراً في المسار الحالي للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. وعنصر الوقت له أهمية كبرى هنا. فإذا ما اعتقدت إيران فعلاً أن الولايات المتحدة مصممة على الإطاحة بالنظام -وهذا ما تبادر إلى ذهني عندما استمعت إلى خطاب "حالة الاتحاد "الأخير- فإن الأمر المرجح، هو أنهم سيمضون قدماً في طريق الخيار النووي وبأقصى سرعة ممكنة، وهو ما يمكن أن تترتب عليه عواقب خطيرة في المنطقة.

ولإقناع إيران بعدم التحول إلى دولة نووية، سنحتاج إلى صفقة تتكون من حزمة من الاتفاقيات. فسنجد أنفسنا مثلاً مضطرين للقبول بشرعية نظام إيران فيما بعد الثورة الإسلامية، على الرغم من أن ذلك أمر غير مستساغ عند كثير من الأميركيين. وسنجد أنفسنا بحاجة لإيجاد طريقة للدخول مع إيران وغيرها من دول منطقة الخليج في مباحثات حول أمن المنطقة في المرحلة التي ستلي انسحابنا من العراق. وهذا اليوم آت، ويجب أن نخطط له الآن، لأن بقاءنا في العراق إلى ما لا نهاية لن يحقق السلام والاستقرار.

من سوء الحظ، أن هذه الأجندة البديلة ستتطلب من إدارة بوش الاعتراف بأنها قد ارتكبت أخطاء والاعتراف ليس من الفضائل التي عرفت بها الإدارة. يجب على هذه الإدارة أن تعيد التزامها مرة ثانية بحل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وأن تقوم علنا بنقض ما يتردد من أنها ستبقى لمدى طويل في قواعد في العراق، ضرورة قيامها في الوقت ذاته بتحديد موعد للخروج وإنهاء وجود القوات المقاتلة في العراق بنهاية 2007 أو شيء من هذا القبيل. وسنحتاج بعد ذلك لفتح قنوات في العراق - يفضل أن تكون سرية- مع من يشاطروننا قلقنا من الآراء المتطرفة للرئيس الإيراني الحالي.

إن هذه الأجندة صعبة، بل ويمكن القول إنها بالغة الصعوبة. ولكن دون أن نحقق تقدماً بشأن هذه الموضوعات، فإن الهدف الخاص بدمقرطة الشرق الأوسط سيظل يراوح في دائرة الخطابية القائمة على الخيال.

كل ذلك بحسب الراي ويليام كوانت في المصدر المذكور .

المصدر : الاتحاد الإماراتية – 7-3-2006