يا علماء العالم... أنقذوا
كوكبنا!
د. طيب تيزيني
لم يعد أحد من الناس، مواطناً عادياً كان أو عالماً
أو سياسياً، يشك في أن كوكب الأرض يتجه، بوتيرة ما، إلى "قدَرِه
الأخير"، إذا لم يبذل البشر جهوداً عملاقة دون حدوث ذلك. وقد تلكأ
الكثير من المعنيين على صعيد الاقتصاد والمال والسياسة في الاستجابة
للدعوات التي أطلقتها أجيال متتالية من العلماء من ذوي الاختصاصات
القريبة والبعيدة، للحؤول دون الوصول إلى ذلك "القدَر". وتحول ذلك
التلكؤ إلى هاجس خطير متنامٍ في حياة الناس، خصوصاً مع تعاظم العوامل
التي تسهم في استفحال اتجاهات خلخلة البيئة بوتائر مؤرقة من طرف، ومع
الإهمال الصارخ والذي يدعو للاستفزاز لمواجهة الموقف بجديّة مالية
واقتصادية وعلمية من طرف آخر. واتضح أن منْ كانت من الدول ترفض
الاشتراك في هذا المشروع العالمي، لم تدرك أن موقفها هذا سيرتدّ عليها
كما على غيرها، وظهر ذلك بوضوح فيما يخص تلك الدول، التي تسهم، هي
خصوصاً كثيراً في تلويث البيئة بكيفية خاصة من الخطورة. وفي النهاية،
اتضح أن الإهمال أو التلكؤ أو الرفض في هذه الحال، لا يعني أبداً أن
المسألة غابت أو انقشعت من حياة العالم وتجيء اتجاهات ارتفاع حرارة
الأرض بنحو متصاعد في الأعوام القليلة المنصرمة، لتُحدث قلقاً مخيفاً
في أوساط العلماء والمموِّلين، بحيث أثمر ذلك حالة جديدة أتت أخبارها
مؤخراً بصيغة الإعلان عن بدء برامج العام الدولي لكوكب الأرض في باريس.
وأتت "الحيثية" المركزية لتلك البرامج، لتلامس
العصب الحساس الحقيقي في المسألة: وتلك هي أن تتجه جهود العلماء
-بتنظيم وتحفيز من منظمة الأونسكو- صوب الهدف الأكبر، وهو أن "نجعل
كوكبنا أكثر أماناً وسلامة". وقد يكون هذا النشاط الجديد الأكثر ضخامة،
وربما كذلك الأكثر جدية في تاريخ منظمة الأونسكو وتاريخ العلم. وكان
الإعلام قد أعلن أن مائة وإحدى وتسعين دولة تشارك في الفعاليات
المحددّة، وأن أربعمائة ألف عالم من المعمورة سيكونون - في كونهم
مختصين بعلوم الأرض والأنساق الفكرية التي تهتم بهذه الأخيرة (الأرض)-
في أهبة الاستعداد لتقديم عُصارة علومهم وخبراتهم وتشوُّفاتهم.
في ذلك كله، يمكن أن نستنبط أمراً ذا أهمية وخصوصية
كبيرتين وهو أن شعوب العالم وحكوماته ومنظماته، في معظمها على الأقل،
تلتقي على هدف واحد هو الحفاظ على عالمهم، بعيداً عن احتمالات التفكيك
والتدمير بفعل أسباب بيئية متحدرة من سياسات اقتصادية وتكنولوجية
وعسكرية -في نسبة عالية إن من شأن هذا أن يُبعد الاستكانة عن ضمائر
الناس، الذين يعلمون أن تلك السياسات هي من صنع نُظم سياثقافية تُنتج
التلوث البيئي العالمي الراهن، كما تنتج النار لهبها؛ مما يترتب عليه
التبصّر حيال كل ما يجري في العالم، ومن ضمنه الحقل العربي وهذا يعني
أننا هنا، أمام حالة واسعة ومركبة تتجلى في العالم كله، وهي إن الأخطار
التي تحدق بهذا العالم إنما هي - في قسم منها- من صنع البشر، وفي قسم
آخر منها، من صنع طبيعة استفزها نفرٌ من البشر، فأوغلوا فيها صناعاتهم
الحربية وتلويثهم الصناعي وتخطيطهم الأبتر للريف والمدينة وللحضارة
عامة وإذا كان العلماء مدعوين للاعتراف بفضل الثورات الصناعية
والتكنولوجية والمعلوماتية عليهم عِلماً وتقدماً في آفاق الكون، إلا
أنهم - في حالة أخرى - أسهموا بعمق في هذه الثورات وبتعبير آخر
مُستوحىً من علماء في القرن التاسع عشر، يمكن القول بأنه إذا كان مصنع
واحد يضع أمام العلم من المهمات ما يعادل مهمات تطرحها عشر جامعات، فإن
هذا المصنع نفسه يجد ازدهاره عبر ما يقدمه إليه العلماء والباحثون
والمنتجون فيه، وبهذا نتجاوز الرؤية الميكانيكية المنطلقة من غياب
الحرية الإنسانية في الإنتاج الاقتصادي والعلمي وإذا كان العمل الذي
أنجزته منظمة الأونسكو الذي هو التأسيس لبحث عالمي غير مسبوق على صعيد
البحث في العالم كُلاً، عملاً خلاقاً، فإننا يمكن أن نرى فيه أنموذجاً
لما ينبغي أن يتم في حقل مشكلات العالم أجزاءَ، أي من حيث هي أجزاء
لهذا العالم. وحينئذٍ، يصح القول بأن البشر بدأوا يدركون أن ثمن الحفاظ
على عالمهم إنما هو مقترن بالحفاظ على كرامة البشر وعلى حريتهم وعلى
العدالة فيما بينهم وحيث يكون الأمر على هذا النحو، تتضح الحكمة
الدقيقة فيما قاله حكيم: ليس الإشكال في أن نتعثر كثيراً أو قليلاً،
وإنما هو في البقاء فاعلين طامحين،، لكن ليس على طريقة سيزيف العبثية.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alitihaad
|