أمن الخليج والمحيط الهندي... الخيارات والأعباء

 

جيفري كمب 

 

 

حان الوقت الآن للنظر فيما وراء التحديات الأمنية المباشرة في الخليج العربي وأفغانستان، والتركيز على التداعيات طويلة الأمد التي ستترتب بالنسبة للقوى الآسيوية الرئيسية، جراء علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع إيران والجزيرة العربية. وكما هو معروف، لايزال يتم إلى الآن نقل الجزء الأكبر من البضائع والمواد التي يتم تبادلها بين آسيا والشرق الأوسط بواسطة السفن والناقلات البحرية. وعلى الرغم من أن النقل الجوي سوف يواصل نموه خلال السنوات القادمة، إلا أن المواد الأساسية التي تصدرها دول الخليج، وأهمها النفط والغاز الطبيعي، والمواد الأساسية التي تستوردها، وهي مواد البناء والمواد اللازمة للبنية الأساسية، والمواد الاستهلاكية والسلع المعمرة... ستُنقل عن طريق البحر أيضاً، وهو ما يدعو للقول إن المسائل المتعلقة بحماية الطرق والممرات والمضايق والموانئ البحرية، يجب أن تحتل صدارة أجندات القوى البحرية الكبرى والتي تقيم علاقات تجارية مع دول الخليج والدول الآسيوية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تولت بريطانيا مهمة حماية الطرق والممرات البحرية في هذه المنطقة والسيطرة عليها، خصوصاً في السنوات المبكرة التي أعقبت الحرب، وذلك قبل أن تتخلى لاحقاً عن هذه المهمة للولايات المتحدة الأميركية، والتي نشرت سفنها ومعداتها البحرية في شرق وجنوب آسيا لسنوات عديدة، ثم أصبحت تضطلع منذ عام 1971 بالمسؤولية الرئيسية في الدفاع عن دول الخليج العربي وبحر العرب، بعد الانسحاب البريطاني الذي طال انتظاره من المناطق الواقعة" شرق السويس" في الوقت الراهن، تقوم البحرية الأميركية بالعديد من المهام في المنطقة، من أجل دعم الحربين المستمرتين في العراق وأفغانستان، ومواصلة الحرب ضد الإرهاب وآثارت الأقدام الآسيوية المتزايدة في المنطقة، أسئلة حول دور الولايات المتحدة الذي لا يزال مستمراً، كقوة حماية لبحار المنطقة ويرجع ذلك لحقيقة أن العلاقات مع آسيا تشتمل على أشياء أخرى غير النفط والغاز الطبيعي، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الاستثمارات، والعمالة، والبضائع الاستهلاكية، والسياحة، والتعليم.

ويمكن أن يقال إن دور دول آسيا في استقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط عامة، قد أصبح يندرج ضمن مسائل الأمن القومي لتلك الدول. وفي هذا السياق، يتوقع أيضاً أن تحتل بعض المسائل الرئيسية؛ مثل تقاسم الأعباء المتزايدة، وترتيبات الأمن المشتركة بين الدول وغيرها، أهمية متزايدة لدى القادة السياسيين في الشرق الأوسط وآسيا والولايات المتحدة.هنا نجد أنفسنا أمام السؤال: من هم حلفاء أميركا الطبيعيين، ومن هم خصومها؟ بناء على طبيعة العلاقات القائمة حالياً، يمكننا القول إن دول الخليج العربية، ودول جنوب وشرق آسيا، تندرج ضمن فئة الأصدقاء، وأن إيران تندرج ضمن فئة الخصوم، أما الصين فإنها ستكون بمثابة السؤال الكبير بالنسبة للقوى الكبرى المهتمة بهذه المنطقة... لكن لماذا؟

الجواب هو أن الصين في الوقت الراهن تعتبر من كبريات الدول المستثمرة في الخليج، كما أنها دولة تتزايد احتياجاتها باستمرار لمصادر الطاقة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وذلك بسبب النمو الهائل في اقتصادها. من الناحية النظرية، كان من المفترض أن تكون الصين من ضمن الدول المؤيدة لاستمرار الولايات المتحدة في لعب دور الشرطي العالمي، على أساس أن ذلك سيوفر ضماناً لاستمرار تدفق وارداتها من النفط من دول الخليج، وكذلك صادراتها من السلع المختلفة لتلك الدول، غير أن ذلك لم يكن هو رأي الخبراء الاستراتيجيين الصينيين. هؤلاء الخبراء يرون أن الاعتماد المتزايد على أميركا في هذا الدور، قد يكون أمراً خطراً في حد ذاته؛ لأن واشنطن في حالة نشوب أي نزاع جدي مع بكين، حول تايوان أو حول كوريا الشمالية مثلاً، ستكون قادرة على إحداث ضرر جسيم بتجارة الصين المحمولة بحراً، ومن ثم إصابة اقتصادها بأضرار فادحة. والبديل عن الاعتماد على أميركا في هذا الدور، يضع الصين أمام مجموعة من الخيارات المتساوية في صعوبتها. فإذا ما عملت على المضي قدماً في برنامجها الخاص ببناء سلاحها البحري، فإنها ستصبح قادرة في هذه الحالة على نشر قواتها في الخليج، لكن ذلك يعني شيئين: الأول أن هذا الأمر سوف يكلفها أموالاً طائلة، كما سيحتاج إلى سنوات عديدة. أما الأمر الثاني فهو أن ذلك الخيار سيؤدي إلى إطلاق عمليات تطوير مماثلة للأساطيل البحرية لكل من الهند واليابان، وهما دولتان لا تريدان بالتأكيد، ولاعتبارات تاريخية وتجارية وغيرها، أن تريا الصين كدولة بحرية مهيمنة.على مدى العقد القادم، يمكننا القول إن الخيار الأكثر ترجيحاً هو أن تتحول الهند إلى قوة أكثر قدرة على تقديم المساعدة في حماية الممرات المائية في بحر العرب أو في المحيط الهندي. وطالما استمرت العلاقات الثنائية الأميركية - الهندية في التحسن، وازداد التعاون العسكري بينهما رسوخاً، فإننا قد نشهد بوادر عهد من التعاون في مسائل الأمن الإقليمي بين الدولتين لكن هذا الأمر لن يتبلور بشكل واضح ما لم يتم دعمه أولاً من قبل الدول الخليجية الرئيسية، وما لم تنظر إليه الصين وباكستان على أنه يمكن أن يمثل تهديداً محتملاً لهما في المستقبل وإذا ما أمكن، بعد الانتخابات البرلمانية الباكستانية يوم الاثنين الماضي، البدء في جهود جديدة لإيجاد حل لأزمة كشمير، فإن ذلك سيؤدي إلى إزالة مصدر رئيسي من المصادر التي تتسبب في استمرار حالة الخصام بين الهند وباكستان، وهي الحالة التي استمرت لعقود، وسيدشن عهداً جديداً من التعاون بينهما في وجه التهديدات المشتركة، خاصة تهديد الأصولية الإسلامية، وهو ما سيمثل تطوراً سيحظى - دون شك- بتقدير القوى البحرية كافة ذات المصالح في المنطقة.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-22-2-2008