صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟
محمد عارف
في الأسبوع الماضي أصبح عدد مواقع الإنترنت الشخصية في الصين نحو 14 مليون موقع· وبينما لم يكن في الصين قبل ثلاث سنوات موقع إنترنت شخصي واحد، تولد الآن عشرات الآلاف منها كل يوم· هذه المواقع، التي ينشر فيها الأشخاص يومياتهم وآراءهم وتعليقاتهم وصورهم، هل تزيل سور المعلومات العظيم، وتضع مفاتيح الصين بيد الغرب، أم العكس، تضع الغرب وربما العالم كله بيد الصين؟ في الجواب عن ذلك قد تنفع حكمة صينية قديمة تقول ''جميع الرجال يستميتون في الحصول على ما لا يعرفون، في حين لا يستميت أحدٌ في الحصول على ما يعرف''· ماذا تعرف الصين؟ أحدث التقارير عن نشاطات الصين في الإنترنت محيّرة، بل مفزعة، سواء صحّت أو لم تصحّ· وهنا ''السيف لا يستطيع أن يمزق الضباب في السماء''، كما يقول الصينيون· فالمسؤولون الأميركيون والبريطانيون يتحدثون عن قراصنة كومبيوتر hacker صينيين اخترقوا مؤسسات سياسية وعسكرية استراتيجية، واستهدفوا الهياكل الارتكازية للبلدين، وشبكات الاتصالات والخدمات العامة· تمّت عمليات الاختراق بواسطة رسائل بريد إلكتروني مصممة خصيصاً إلى مسؤولين في لندن وواشنطن، وما أن يتم فتح الرسائل حتى يتسلل منها برنامج تجسسي متطور يقتحم دون أن يشعر به متسلم الرسالة ملفاته في الكومبيوتر وشبكات المعلومات في مركز عمله، ويرسل بشكل أتوماتيكي محتوياتها إلى قراصنة الكومبيوتر· في إحدى العمليات اقتحم القراصنة ''مستودع ريدستون'' حيث مقر ''قيادة قوات الطيران والصواريخ'' التابع للجيش الأميركي في ألاباما، وانهمكوا خلال ليلة كاملة باستنساخ ملفات تحتوي على مواصفات أجهزة التخطيط الجوي للمروحيات التي يستخدمها الجيش وسلاح الطيران الأميركيان· وفي عملية استغرقت ست ساعات تسلل القراصنة عبر أجهزة الكومبيوتـــر في ريدستون إلى ''قيادة هندسة أنظمة المعلومـــــات'' في أريزونا، و''وكالة أنظمة الدفاع''، و''مركز أنظمة البحرية الخاصة بالمحيطات'' في سان دييغو، و''مركـــز الدفــاع الفضائي والصواريــــخ'' في ألاباما· ودلّت التحريات على أن مصدر جميع هذه العمليات مركز خدمات الإنترنت في مقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين· واتبع القراصنة أحياناً طريقاً غير مباشر، حيث خبأوا الملفات المسروقة في مواقع مُغفلة في كوريا الجنوبية قبل إرسالها إلى غوانغدونغ· وعثر المحققون في هذه المواقع على مئات الرسوم التخطيطية لأجهزة الدفع النفاث، وألواح الطاقة الشمسية، وخزانات الوقود الخاصة بـ''المركبة المدارية لاستكشاف كوكب المريخ'' التي أطلقتها وكالة الفضاء الأميركية ''ناسا''· ويؤكد مسؤولون في مراكز مكافحة التجسس المعلوماتي في المخابرات البريطانية والأميركية على أن المهارة العالية لعمليات الاختراق وذكاء مبرمجيها تدلّل على أنها تجري بعِلم، أو ربما بإشراف مباشر من جهات حكومية صينية تملك موارد ضخمة· فقراصنة الكومبيوتر الاعتياديون لا يقومون بعمليات تجسس اقتصادية الهدف، بل يبحثون عادة عن مردود فوري ومهرب سريع· وفي حين كانت عمليات كهذه تحدث قبل سنتين مرة كل شهرين، أو ثلاثة شهور فإنها تحدث الآن بمعدل عمليتين، أو ثلاث عمليات أسبوعياً، ولم يرتكب القائمون بها أي خطأ ولو مرة واحدة· إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فالصراع بين القوة العالمية الأعظم والقوة العالمية البازغة الأعظم، دخل مرحلة انتقالية خطيرة· و''تبعاً لنظرية انتقال القوة فإن الحفاظ على الهيمنة يغري القوة العظمى المهيمنة بإعلان الحرب ضد القوة التي تتحداّها، مستفيدة في ذلك من قوتها الراهنة''· قال ذلك ديفيد زفايغ، مدير ''مركز العلاقات الصينية الدولية'' في ''جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا''· ويصح هذا، حسب اعتقادي حتى إن كانت المعلومات كاذبة، لأنها في هذه الحالة كذب من النوع الذي يقول عنه الكاتب الأميركي الساخر مارك توين ''الفــرق الوحيــــد بين القطة والكذب أن للقطة تسع أرواح فقط''· وقد دلّت تجربة أسلحة الدمار الشامل العراقية على أن الكذب علـــى هــــذا المســـتوى ينذر بكارثة· وكما كان النفط سبب الكارثة في العراق، ليس النفط الذي تنتجه الصين، بل النفط الذي تستهلكه· وفي دراسة بعنوان ''مطاردة الصين العالمية للطاقة'' يذكر ديفيد زفايغ أن الصين كانت قبل عشرين سنة أكبر مُصدّر للنفط في جنوب شرق آسيا، وأصبحت الآن ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم· نصف استيراداتها تقريباً من النفط الخام في الخليج، وأكثر من ربع استيراداتها من السعودية، و13 فــــي المئــــة من عمـــــــان، تليهمــــا إيران بنسبة 10 في المئة· والبحث عن النفط وعقد الاتفاقات حوله كان الشغل الشاغل لبكين خلال العام الماضي· هنا لا يمكن تفادي التصادم مع الولايات المتحدة، حتى بالنسبة للصين التي تتبع الحكمة القديمة ''في أوقات الضعف تجرّع مهانتك المُرّة وركّزْ على أن تصبح أقوى''· ظهر ذلك في الموقف من غزو العراق، والذي عارضته بكين باعتباره انتهاكاً للقوانين الدولية، لكنها لم تقف ضد جهود واشنطن لإضفاء الشرعية على احتلالها للعراق، ولم تستخدم ''الفيتو'' ضد قرار مجلس الأمن بهذا الصدد· هل وقفت بذلك الصين، زعيمة العالم الثالث موقف الذل، أم أنه حصيلة حسابات سياسية بارعة هدفها توريط واشنطن في صراع طويل يبعد خطرها سنوات عدة؟ أيّا كان الجواب فهو لا يقلـــل من قوة الصين العظمـــى، خصوصاً في نظـــر الولايـــات المتحدة التي تستغل ذلـــك أســــــوأ استغلال في حربهـــا السياسية والنفسية ضد الصين· الإعلان هذا الأسبوع عن أرقام عجز الموازنة الأميركية كان مناسبة ألقت فيها واشنطن باللوم على الصين والنفط· وقد حقق عجز الموازنة الأميركية في عام 2005 رقماً قياسياً بلغ 726 مليار دولار· واعتبرت واشنطن الصين والنفط مسؤولين عن اتساع الفجوة بين صادراتها ووارداتها ضعفين عن مستواها عام ·2001 ويمكن التعرف على الولايات المتحدة، والتي يتعامل معها العالم حالياً، من مقارنة هذا العجز مع فائض الموازنة الأميركية الذي اقترب عام 1975 من 13 مليار دولار· وبالمقابل يمكن التعرف على القوة العظمى المنافسة لها من عجز الميزان التجاري الأميركي مع الصين، والذي بلغ نحو 202 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة نسبتها 25 في المئة عن عام ·2004 وعادت تهديدات أعضاء الكونغـــرس الأميركي بفرض العقوبـــات علـــى الصين، إذا لــــم ترفـــع قيمة عملتهـــا الوطنيــــة· ويُفترض معرفـــة هـــؤلاء بأن فـــرض عقوبات تزعزع اقتصاد الصين سمّ لن تتجرعه بكين وحدهـــا، بل واشنطن أيضاً وكثير من الاقتصادات العالمية· فالصين اليوم ورشة التجميع الصناعية للعالم· وقبل يوم من نشر أرقام عجز موازنة التجارة الأميركية كشف تقرير في صحيفة ''نيويورك تايمز'' أن 60 في المئة من صادرات الصين تعود إلى شركات أجنبية· حاسبات وتلفزيونات ''هيتاشي'' و''سوني'' و''باناسونيك'' و''توشيبا''··· وغيرها من الأجهزة الألكترونية التي تباع حالياً في الأسواق العالمية، لم تُصنع في الصين، كما تدّعي يافطتها، بل جرى تجميعها في الصين· هذا التجزؤ في السلسلة التصنيعية المتوزعة بين دول عدة، يجعل أرقام التجارة الخارجية للدول لا تعني ما كانت تعنيه سابقاً· وكل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-16-2-2006
|