متى تتخلى أميركا عن ثقافة الخوف؟

 

 مادلين أولبرايت 

 

 

اعتقد أن أفضل هدية يمكن لرئيس أميركا القادم أن يمنحها لبلاده هي أن يضع نهاية لسياسات الخوف. الخوف شيء موجود في الطبيعة البشرية: فمنذ سبعة عقود تقريباً كان وجود هتلر كافياً لبث الرعب في العالم، أما اليوم، فهناك أسباب أخرى للخوف، يأتي من بينها العراق الذي تحول إلى برميل بارود، وأفغانستان التي تشهد صراعاً دامياً، وإيران التي أصبحت خطراً محتملاً، وكوريا الشمالية التي تحولت إلى لغز لم نعثر على حله بعد، وهناك أيضاً باكستان التي تضم جميع العناصر التي تسبب لنا صداعاً دولياً... ثم هناك بعد ذلك تنظيم "القاعدة" وفروعه الذي يستحق منا أقصى اهتمام ممكن، لأنه عندما يكون هناك أناس يقولون إنهم يريدون أن يقتلونا، فإننا سنكون أغبياء بالتأكيد إذا لم نأخذ ما يقولونه على محمل الجد على الرغم من ذلك، فإننا حصلنا على جرعة زائدة من الخوف في السنوات الأخيرة. حيث قيل لنا إننا يجب أن نخاف، وذلك كي نكون أقل اهتماماً بحماية دستورنا، وأقل اهتماماً بما يمثله القانون الدولي، وأقل احتراماً للحلفاء، وأقل قدرة على التمييز في بحثنا عن الحقيقة، وأقل تدقيقاً في مساءلة وتمحيص ما يقوله قادتنا لنا. لقد تعرضنا للابتزاز من قبل البيت الأبيض كي نعتنق ثقافة الخوف التي قادت، وضيقت مجال سياستنا الخارجية، وعملت في الوقت ذاته، على تسميم قدرتنا على التواصل بفعالية مع الآخرين.

إن أحد مظاهر هذا الخوف هو عدم رغبتنا في التفكير جدياً حول الرؤى البديلة. إن مكانة أميركا شهدت هبوطاً مستمراً في السنوات القليلة الأخيرة، لأنه كان يتم النظر إلى بلدنا على أنها تحاول أن تفرض رؤيتها على العالم، أو تحاول صوغ عالم يكون آمناً ومريحاً لنا دون أدنى اهتمام بوجهة نظر أي أحد آخر. إنني أحب أميركا حباً جماً، ولا زلت اعتقد أن بلدنا هو الأفضل في العالم، غير أنني اعتقد أيضاً بأننا قد أصبحنا نعاني من قصور حاد في الوعي بالذات. فنحن نقول: لا للأسلحة الذرية، في نفس الوقت الذي نمتلك فيه أكبر ترسانة نووية في العالم، ونحن نطلب من الآخرين أن يحترموا القانون في الوقت ذاته، الذي نتجاهل فيه اتفاقية جنيف.. ونطلب من العالم أن يكون إما معنا أو ضدنا، في الوقت ذاته الذي نتجاهل فيه تأثير أفعالنا، على تركيا والشرق الأوسط. ونحذر دولاً أخرى، وندعوها لرفع يدها عن العراق في الوقت ذاته الذي تحتل فيه قواتنا بغداد، ونطلب من العالم الحذر من القوة العسكرية الصينية في الوقت ذاته، الذي ننفق فيه على قواتنا المسلحة قدر ما ينفقه العالم بأسره على قواته وندعو العالم للعمل من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا، في الوقت الذي نتغيب فيه دونما مبرر عن المساهمة في جهود مكافحة التغير المناخي.

يتعين علينا أن نبذل جهداً أكبر من أجل رؤية أنفسنا بنفس الطريقة التي يرانا بها العالم. إن العالم ينظر إلينا باستهزاء عندما يرانا - على الرغم من كل ما نملكه من قوة وثروة- خائفين للغاية من الإرهابيين، ومن الدول المارقة، والمهاجرين غير الشرعيين، والمنافسة الاقتصادية الأجنبية. إن الناس يضعون أنفسهم مكاننا ويتوقعون منا أن نتصرف بثقة، وهو ما يلزمنا بأن نتصرف فعلاً على هذا النحو، وأن نعرف أنه يمكن إظهار مدى ثقتنا الحقيقية في أنفسنا من خلال إبداء الرغبة في الدخول في مساجلات صعبة، والقبول بالنقد، ومعاملة أنفسنا باحترام، والقيام بواجبنا في حل المشكلات الدولية إن الثقة الموجهة نحو تحقيق هدف معين، هي ما كانت أميركا تعنيه دوماً، وخصوصاً عندما تكون في أفضل حالاتها.

نحن لا نشكل سوى 4 في المئة من كوكب الأرض الذي يشكل الآسيويين نصفه من حيث التعداد، ويشكل الفقراء نصفه من حيث المستوى الاقتصادي، ويشكل المسلمون ثلثه من حيث الديانة وهذا العالم - إلى حد كبير- أكثر إلماماً بأفعال وتصرفات الولايات المتحدة منه بإنجازاتها السابقة والمشكلة هي أن هناك الكثيرين ممن ينظرون إلى إدارة بوش على أنها هي وأميركا شيء واحد، وهو ما أثر بالسلب على سمعتنا التي غدت في حاجة لإصلاح عاجل. يجب علينا أن نعرف أننا لن نسترد عافيتنا بمجرد التصرف انطلاقاً من الشعور بالخوف، وإنما سنتمكن من ذلك، عندما نتزود بالوعي عن العالم المحيط بنا، ونتعلم لغات أجنبية، ونحترم العقائد الأخرى، وندرس الأبعاد المختلفة للحقيقة التاريخية، ونتمكن من التقنية الحديثة ونسخرها لأغراض بنائه، ونجعل نظرتنا أكثر عمقا من تلك النظرة التبسيطية، التي ترى العالم من خلال منظور الخير والشر فحسب. إنني أرجو ألا يكون الشيء الذي يهتم به الرئيس الجديد للولايات المتحدة أكثر من غيره لحظة أدائه للقسم هو الحاجة لإخافتنا، وإنما الحاجة لاسترداد إيماننا بفكرة أميركا. إن هذه الفكرة تقوم على إحساسنا بالوحدة، والتزامنا تجاه بعضنا بعضاً وهذه الفكرة كامنة في الإيمان بالديمقراطية، ومدعومة بإحساسنا بالمسؤولية تجاه الأجيال ما سبق منها وما سيلحق. تلك هي المادة اللاصقة التي مكنتا من التغلب على اختلافاتنا الحزبية السياسية في العقود السابقة، وهي التي ستساعدنا على المحافظة على رباطة جأشنا في مواجهة الخصوم بشكل أكثر تماسكا وقوة مما نفعل الآن. إننا إذا ما أدمجنا الإيمان بقيمنا، مع ثقة البحث عن القيم الموجودة لدى الآخرين، فستكون لدينا قاعدة انطلاق للقيادة الأميركية، أكثر رسوخاً بكثير من أي دافع قد يدعونا للخوف.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-7-1-2008