النفط والمياه: كلاهمامعركة حياة
ثريا الشهري
دعا الرئيس جورج بوش في خطابه لأمته أمام الكونغرس في بداية الشهر، إلى ضرورة استغناء بلاده عن ثلاثة أرباع نفط الشرق الأوسط المستورد بحلول عام 2025، موضحاً كيف أن التكنولوجيا هي أفضل وسيلة للتخلص من هذا الإدمان، كما وصفه، الأمر الذي من أجله صرفت الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، عشرة بلايين دولار لتطوير بدائل طاقة أنظف وأرخص وأكثر أماناً، وهو ما تنوي وزارة الطاقة الأمريكية الاستمرار في أبحاثه تحت مسمى «مبادرة الطاقة المتطورة»، وإليكم قراءتنا لهذا الملف الطاقوي! أنفقت أمريكا على تكنولوجيا الطاقة البديلة عشرة مليارات دولار منذ العام 2001، وفي نيتها بذل المزيد من الأموال ودائماً في سبيل أمنها القومي، وفي الوقت الذي غرقت فيه ولا تزال ما بين صراعاتها الداخلية والخارجية، كانت أجندتها تحوي من الأولويات الاقتصادية ما لا تقل في أهميتها عن تطلعاتها السياسية، التي قد ننظر إليها نحن العالم الآخر (ولا أقول الثالث)، ونظن أنها شغلها الشاغل وحدها، وبالرغم من تعليق الخبراء حول إعلان بوش غير الواقعي، وكيف أن تخفيض واردات أمريكا من نفط الشرق الأوسط يعد من غير الممكن على المدى القريب، غير أن المستقبل البعيد لا يستبعد تحقيق مثل هذا الهدف وبشهادة مسؤولي قطاع الطاقة الدولية، الذين يرون أنه من الجائز التسليم بحدوثه بسبب اعتماد الولايات المتحدة في غالبية وارداتها النفطية على كندا وفنزويلا والمكسيك، وليس فقط على الشرق الأوسط، أضف إليه جدية النظرة التي توليها أمريكا لاستخدام مصادر الطاقة البديلة ومنها الطاقة العضوية. وعلى كل، وكما هو مثبت، فإن منطقة الخليج العربي، التي تعوم على 60% من الاحتياطي النفطي العالمي، ستكون المورد الأول للنفط مستقبلياً، من دون أن تتأثر كثيراً بالتوجهات الأمريكية لوجود الأسواق الآسيوية البديلة. أي أن النفط، سيبقى القوة المادية الاقتصادية الأعظم في الحياة العربية، وعليه نسأل: كيف استثمرنا هذه الهوية عربياً! فهل عربّنا النفط ثقافياً كما تم تعريبه سياسياً؟ هل أطلقنا له خيالاتنا ومشاعرنا وكتاباتنا! هل منحناه بطاقة عضوية في اتحاد كتابنا العرب! أو شهادة وطنية بالأصالة وليس بالتجنيس؟ هل تعرفّنا عليه ونقبّنا في المتغيرات الاستراتيجية وعلاقتها به وببدائله حتى نكون على بينة من موقعنا على خريطة المستجدات؟ أم هل أعددنا أبناءنا لدراسته والتخصص في علومه؟ ما زالت مساحة الوعي النفطي في عقولنا شبه مغيّبة، فالنفط هو شريان حياتنا، وهو سلاحنا الذي منَّ الله به علينا، بل هو الحضارة الجديدة، فأين نحن منها، إذا كنا نعد من الشعوب غير المنتجة، فغيرنا أيضاً من الشعوب المستهلكة لنفطنا، ولكن الفرق أنهم يستوردن ولا يكفون عن تفكيرهم العلمي وتقدمهم، فهم من يدفع، ونحن من يتسلم.. من يحصّل، ومع ذلك، هل يوازي إنفاقنا على تطوير حياتنا الإنتاجية من تصنيع وتسليح وتحديث زراعي وتصعيد لمستويات المعيشة وتغيير في أساليب العمل والتفكير والمؤسسات، أقول هل تقارب الحركة الإنمائية لدينا ما نسمع عنه في بلادهم، فنحن وإن اعترفنا بمحاولاتنا، إلا أن شعارها السلحفاة مقارنة بحصان سبقهم، فدائماً ما تنسب الانجازات البشرية إلى غيرنا، إلى أن وصلنا إلى إنتاج الهند والصين الذي كان يوماً موضع تجاهلنا، فإذا به وقد أصبح منافس الأسواق العالمية الحديث. فإذا تركنا مؤقتاً موضوع النفط وانتقلنا إلى عصب آخر للحياة لا يمنحنا رفاهية التمتع به هذه المرة، وإنما يهددنا بالمعاناة وقطع الوريد، فإنها المياه ومشاكل مواردها المعنية بكلامنا، فعند تصنيف العالم إلى أربع فئات، حسب إمكاناتها المائية من الأكثر شحاً في الفئة الأولى، إلى الأغزر وفرة في الفئة الرابعة، وردت أسماء لعشرين دولة في الفئة الأولى منها 12 دولة عربية، جاءت السعودية من ضمنها لعلة ظروفها الجغرافية وتباعد مدنها عن السواحل واستهلاكها غير المقنن لمياهها، ومع ذلك فالاستفسار عن الكيفية التي ستواجه بها تلك الدول أزمتها مع المياه، تراه موجها إلى جميع الدول الـ12 بما فيها السعودية، فحتى هذه القضية، لا أظن أننا قطعنا فيها مرافعة تتناسب وحجمها، فإذا كان الضمان النفطي وحرية التحرك في مجاله لم يساعدنا في رحلة الاستكشاف التكنولوجي، وإذا كان تحدي المياه الكبير لم يحفزنا لإيجاد الحلول الحاسمة لظروفنا المائية الصعبة، فما الذي يملك زحزحتنا! أ هي الكارثة إذا حلت؟ لقد بدأت أعتقد بالفعل بأننا قوم لا نحسن سياسة المبادرات من تلقائنا، وكأننا جبلنا على فلسفة الاستهانة بثقة توهمناها فأظلتنا إلى أن تستفحل الأمور وتنفجر في وجوهنا، وحتى حينها قد لا نوفق تماماً في خلق التسويات المناسبة، لأن تلقيح العقل بالتفكير في هدوء وطول أناة يختلف في نتائجه عن الجو المشحون، الذي يصرخ بسرعة الاستجابة، عدا عن عامل الوقت الذي لا يسعف أحياناً في تبني أحكم القرارات، بسبب تأخرها عن ميعادها الذي يكون قد استحق وفات. ما زالت مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز طبيعي وفحم تزود العالم بنحو 86% من حاجته الطاقوية، بينما لا يتعدى إنتاج المفاعلات النووية الـ6.6%، والـ6.7% للمشاريع الكهرومائية، وبنسبة لا تتجاوز الـ0.8% لمساهمة مصادر الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط الأخيرة إلى أرقام قياسية، ما زالت الطاقة المتجددة تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية التي تفرض بها وجودها، وكأن الله لا يريد لهم الإفلات من تحت أيدينا، فهّلا أحكمنا قبضتنا لصالحنا وربينا أجيالنا على كيفية التحكم فيها! ولكن، وكما نريد بها الإمساك من ناحية، لا ينبغي الاستكانة إلى ضعفها من الناحية الأخرى، وبالتالي، فإن مواجهة ثغرات أمننا المائي بأبعاده من هدر وتلوث وتبخر وتصحر وتملح، والحفاظ على مصادر مياهنا، وإدارة سدودها، وحماية أنظمة سحبها وضخها، هي معركتنا التي «يجب» أن نكسبها، لأن خيار الهزيمة غير مطروح من الأساس. كل ذلك بحسب الراي ثريا الشهري في المصدر المذكور . المصدر : الشرق الاوسط – 13-2-2006
|