مقالات و محاضرات

 

 

ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا

 

 

 

جيم هوغلاند

 

بدأ ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا بقوة في الوقت الحالي. لذلك سوف تهيمن آسيا على القرن الحادي والعشرين كما هيمنت الولايات المتحدة وأوروبا على العالم خلال فترات أوجهما. هذا ما نقوله نحن جميعا ويشير إليه الجميع تقريبا خلال الندوات الدولية ومؤتمرات القمة وكتابات المراقبين والمعلقين.

بزوغ آسيا أصبح موضوع الساعة، حتى وإن كان شيئا محظورا. ويتم تعديل هذا الوصف من وقت لآخر لكي يجعل الهند والصين القوتين العظميين في المستقبل بدلا من القارة الآسيوية برمتها. وهناك الكثير من الأدلة الإحصائية والروائية التي تعزز هذه الزعم.

يبدو أن معدلات النمو الكبيرة التي حققتها الصين والهند، وظهور الصين كأكبر مركز صناعي في العالم تؤكد أن التحول التاريخي للقوة والقيادة بدأ يتحقق بالفعل. ولكي تتأكد أن أوروبا والولايات المتحدة بدأتها يتركان مكانهما كقوى عظمى لدول الشرق، ينبغي عليك أن تنظر إلى العرض الذي تبلغ قيمته 32 بليون دولار أمريكي الذي تقدمت به شركة لكشمي ميتال الهندية خلال الشهر الماضي لشراء شركة أرسيلور التي تعد أكبر شركة أوروبية لصناعة الصلب.

وقد استوقفني الجدل الدائر بين أنصار النزعة الحمائية الأوروبيين الذين أعربوا عن معارضتهم للعرض الذي تقدمت به شركة ميتال، لذلك بدأت أفكر في كتابة هذا المقال لأشرح للقارئ حلقتين من رواية بزوغ آسيا حدثتا في وقت واحد.

الحلقة الأولى هي الضعف الاقتصادي المستمر في أوروبا التي تعاني من انحفاض حاد في معدلات المواليد، علاوة على تشدد وتصلب الأسواق في العديد من دولها الكبيرة فيما تشهد آسيا نموا اقتصاديا كبيرا.

أما الحلقة الثانية من القصة فتتعلق بإحلال الشركات الأمريكية الكبيرة في الخارج ــ ومثال ذلك شركة ميتال التي تعتبر أكبر شركة لتصنيع الحديد الصلب على مستوى العالم أجمع.

وبالمثل، هددت شركة بيبسي كولا الوظائف والأصول الأوروبية خلال العام الماضي عندما حاولت شراء مجموعة دانون. (على الرغم من أن الصفقة لم تتم). وخلال العام الحالي أثارت شركة هندية متعددة الجنسيات نفس المخاوف ووقفت إلى جانب أنصار النزعة الحمائية الذين يطالبون بعد السماح لشركة ميتال بشراء شركة أرسيلور التي تتخذ من لكسمبورج مقرا لها.

لذلك هل تسعى الشركة الهندية الجشعة إلى استعراض عضلاتها لكي تتفوق على الأمريكيين الجشعين أيضا في لعبة القوة؟ يبدو أن الأمور ليست بهذه البساطة. إن شركة ميتال تتخذ من هولندا مقرا لها وتلعب دورا كبيرا في أوروبا التي مازالت تعتبرها سوقا مربحا.

تسعى شركة ميتال إلى شراء العديد من الشركات الضعيفية في أوروبا وفي أماكن أخرى وتعمل على تطويرها وتحديثها، ويتم ذلك أحيانا في إطار شراكة مع شركة ثيسنكروب الألمانية. لذلك من المتوقع أن تتجسد النتيجة النهائية لقيام شركة ميتال بشراء أرسيلور في انتشار قوتها في أوروبا وآسيا بدلا من تركزها في أيدي الآسيويين فقط.

قد يحدث نفس الشيء في مجال القوة العسكرية في القرن الحادي والعشرين أيضا. فمن الممكن أن تظهر قصة جديدة لبزوغ آسيا على خلفية الأخبار التي تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تحث الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلنطي الناتو في مؤتمر قمة ريجا في نوفمبر المقبل على دعوة أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية لكي يصبحوا «شركاء عالميين« في الحلف. وقد تحصل الهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى على هذا الوضع في المستقبل.

يمكن للمرء استبعاد رؤية وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حول «أوروبا القديمة« حيث تسعى الولايات المتحدة حاليا إلى استبدال شركائها الأوروبيين الذين يتسمون بالضعف من الناحية السكانية والسياسية بشركاء جدد أكثر قوة من مركز القوة الجديد في العالم. وهذه أشياء رمزية أكثر من كونها أمورا جوهرية.

ذلك لأمر واحد وهو أن اليابان ــ القوة الآسيوية التي يتم تجاهلها حاليا ــ سوف تستخدم خبراتها وقدراتها ومواردها لنشر قوتها في المنطقة وللمحافظة على النفوذ الأمريكي فيها.

المنطق وراء ذلك يتمثل في حقيقة أنه ليس من مصلحة اليابان أن تتركز القوة في أيدي جيرانها الإقليميين، سواء تم ذلك بصورة جماعية أو فردية.

لعبت اليابان ــ تحت قيادة رئيس وزرائها جونشيرو كويزومي ــ دورا هاما في ممارسة لعبة تحقيق التوازن بين الصين والهند وذلك بإرسال قواتها إلى العراق وأفغانستان وتقديم مبالغ كبيرة لجهود إعادة الإعمار في البلدين وذلك لدعم الأهداف الأمريكية.

إن تاريخ طوكيو من التعاون الأمني الوثيق مع واشنطن قد يعني بالنسبة لليابانيين أن القوة الأمريكية فقط هي التي يمكنها تحقيق الاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط ووسط آسيا، اللذين يعتبران من أكبر مصدري الطاقة ومستوردي الأمن. وقد توصلت الهند، ثاني أكبر ديمقراطية في آسيا، إلى نفس النتيجة.

هذه قصة تنطوي على حكمتين، أولهما أنه ينبغي على المرء أن لا يثق في الرموز التي تتناسب مع نظريات استراتيجية شائعة.

أما الحكمة الثانية فتتمثل في أن انتقال القوة العظمى قاريا أصبح أمرا مؤكدا الآن شأنه شأن مفهوم نهاية التاريخ المعروف الذي كان سائدا خلال العقد الماضي. لا يوجد خط مستقيم إلى الهيمنة الأحادية القطب الجديدة في العالم حيث يكون تفتت قوة الدولة هو الأ مر الشائع في كافة المناطق. أن هذا الوضع سوف يكون أكثر تعقيدا غدا عما هو عليه اليوم.

وكل ذلك بحسب رأي جيم هوغلاند في المصدر المذكور.

المصدر: ايلاف نقلا عن واشنطن بوست-12-2-2006