"عتيدة": جمعية عربية بجنيف لتنشيط حوار الحضارات

 

عبد الحفيظ العبدلي

 

 

تحولت جنيف، منذ أن افتتح بها مقر عصبة الأمم في مطلع القرن الماضي، إلى مدينة دولية تتجمع فيها أغلب الوكالات الدولية المتخصصة، كمنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتستضيف هذه المدينة التي تترامى أحياؤها المتراصة على جنبات بحيرة ليمان، جالية عربية متنوعة يعود حضورها لقرن أو يزيد، منها الدبلوماسيون واللاجئون السياسيون، ومنها طلاب العلم، وأصحاب المال والأعمال، وكثير من المترجمين العاملين في المؤسسات الدولية المختلفة أما الثقافة العربية، فتحظى بحضور لا يقل أهمية، إذ تحتضن جامعة جنيف قسما خاصا بتعليم اللغة العربية، وتخصص أقساما عليا لتدريس الترجمة من العربية وإليها، وينشط بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة ناد للكتاب العربي، فضلا عن كون المدينة تؤوي إحدى أعرق المؤسسات الثقافية الإسلامية في سويسرا، وهي أيضا مقصد الآلاف من السياح العرب كل صيف لئن تعددت أغراض العرب في جنيف بتعدد أنفاسهم كما يقال، إلا أن الرواد الأوائل جاؤوا إليها مدافعين عن قضايا أوطانهم التي كانت ترزح تحت الاستعمار، ومن لا يذكر الأمير شكيب أرسلان، الذي اتخذ من عصبة الأمم منبرا للدفاع عن استقلال بلاد الشام، وكم من وفد لأنصار السلام زارها للبحث عن حلول لقضايا الشرق الأوسط، حتى ارتبط اسمها منذ 2003 بمبادرة لحل القضية الفلسطينية.شوهت أحداث سبتمبر 2001 صورة كل ما هو عربي، إذ باتت الثقافة والحضارة العربيتان صنوان للتطرف والانغلاق، فأصبح السبيل للخروج من هذا المنعطف السلبي تنشيط الحوار، والامتداد نحو الآخر والإنفتاح عليه، دفعا للشبهات، وتصحيحا للأفكار المسبقة الخاطئة، وسدا للباب أمام دعاة الصدام بين الحضارات، من أمثال صاموئيل هانتنغتون وتلامذته.

عتيدة، جمعية لتنشيط حوار الحضارات

أعادت التحديات السابقة إلى الواجهة الحديث عن حوار الحضارات، والتعارف بين الثقافات. وقد كان الاهتمام بالحوار بين الشعوب والثقافات في الآونة الأخيرة، هو الإطار العام الذي نبعت منه الفكرة التي انبثقت عنها "جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات (عتيدة)"، وهي فكرة حمل لواءها ثلة من المترجمين المستقلين أو العاملين في منظمات دولية والمشتغلين بالحوار من بلدان عدة، من الذين فقهوا دور الترجمة في تيسير التواصل بين الثقافات، وتأكد لهم دور الحوار في تعزيز السلام والاستقرار الدوليين ويستبشر الأستاذ عبد القادر الغنامي، المنسق بالجمعية، باحتضان جنيف للمقر الرئيسي لهذه المؤسسة، ويقول في حديث إلى سويس إنفو: "سيساعدنا وجودنا في جنيف، هذه المدينة الدولية، على إنشاء شبكة من العلاقات، لاسيما مع الجهات المشتغلة بالترجمة والحوار، مثل مؤسسة "الحوار الشامل بين الحضارات"، التي يديرها ويرأسها المدير العام السابق للمكتب الأوروبي للأمم المتحدة ووكيل الأمين العام سابقا، والرابطة الدولية لمترجمي المؤتمرات وغيرهما و"عتيدة"، تعني في اللغة العربية كما يقول عبد القادر الغنامي: "الشيء الثابت والمستقر، وتعني أيضا الصندوق الذي تحتفظ فيه المرأة بأعزّ شيء تملكه، كما أن هذا الاسم يتفق في تركيبه مع صيغة الحروف الاستهلالية الإنجليزية "Arabic Translation and Intercultural Dialogue Association"ويرى السيد الغنامي في هذا التوافق "تجسيدا لفكرة التماهي بين الترجمة والحوار، إذ إن في هذا توظيفاً للغة الإنجليزية لأغراض اللغة العربية"ورغم الفارق الزمني بين الإعلان عن تأسيس هذه الجمعية في سبتمبر 2006، ودعوة الأمم المتحدة لتنشيط الحوار بين الحضارات، إلا أنه من الصعب عزل هذيْن المسارين أحدهما عن الآخر، وقد يكون التأثير المتبادل بينهما غير مباشر، كما يرى أعضاء هذه الجمعية، لكن الأهداف متقاربة جدا.

الفورة الإلكترونية

تحتفل هذه الجمعية في أواخر شهر سبتمبر الجاري بالذكرى الثانية لتأسيسها، لكنها استطاعت خلال هذه المدة القصيرة تحقيق قدر لا بأس به من أهدافها، ومن هذه الإنجازات إصدار سبعة مواقع إلكترونية بلغات مختلفة، فإضافة للموقع العربي، توجد اليوم مواقع بالإنجليزية والمالوية والتركية والصينية، والفارسية، والفرنسية ومن المتوقع بحسب ما ذكر الأستاذ عبد القادر الغنامي "أن تصدر مواقع جديدة باللغات الإسبانية والألمانية، والأوردو، والإيطالية، والبرتغالية، والروسية في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة"وبالإضافة إلى المواقع على الشابكة الدولية، يتم التركيز على تنشيط المنتديات، الخاصة بكل لغة على حدة، وينظر القائمون على هذه المؤسسة إلى المنتديات "كما لو أنها الرئة التي يتنفس منها كل موقع" ورغم أن الأهداف المنصوص عليها في القانون التأسيسي لهذه الجمعية تنوء بحملها مراكز الدراسات، والمؤسسات الرسمية المدعومة دوليا، فإن السيد الغنامي متفائل بإمكانية تحقيق الأهداف المرصودة، ويقول في هذا السياق:

"لقد أثبتت مسيرة السنتين الماضيتين أننا قادرون على الوفاء بتعهداتنا، ومقدمون على تحقيق ما تبقى منها بالتعاون مع مؤسسات أخرى لديها اهتمامات مماثلة، لأننا نعيش عصر "الفكر الشبكي" وحتى الآن، أنشأت الجمعية فرعا لها في إندونيسيا، وتوجد في هذه الأخيرة حركة ترجمة نشطة خاصة من العربية إلى الاندونيسية، كذلك تنوي "عتيدة" فتح فروع لها في عدد من البلدان العربية. وأكد منسق أنشطة الجمعية: "أننا منفتحون على التعاون مع أي مشروعات أو مقترحات في هذا المجال، بشرط التوافق مع رسالة المؤسسة، وتوفر القدرة على الاستمرار".هذا النجاح يعود في جزء منه إلى اختيار الشابكة (الإنترنت) وسيلة للتواصل ولإنجاز الأعمال، وهي طريقة غير مكلفة، وسمحت لهذه الجمعية، بحسب الأستاذ الغنامي: "بمخاطبة آلاف الزوار والقراء أسبوعيا، ينتمون لأكثر من مائة بلد".

مشروعات تنتظر الإنجاز

ما تقوم به هذه الجمعية من شأنه أيضا أن يثري اللغة العربية، فقد ترجمت مثلا في أبريل 2007، أعمال ندوة "التعددية الثقافية، والتواصل الحضاري في القرن الحادي والعشرين"، التي عقدت بالإمارات العربية المتحدة ولم تكتف بذلك، بل قامت الجمعية كما يقول عبد القادر الغنامي: "باستخراج نحو 120 مصطلحا تستخدم في مجال الحوار والتواصل بين الحضارات، وضمّنت في مسرد وضُمّنت مسرداً سمي "مسرد مصطلحات عتيدة لحوار الثقافات"، وبعد ضبطه سيرسل إلى وسائط الإعلام مساهمة من الجمعية في توحيد المصطلحات العربية في هذا المجال".

كذلك، ستصدر "عتيدة" في نهاية هذا الشهر مكتبة إلكترونية. ومن المنتظر أن تنظم بجنيف يوما ثقافيا تحت شعار "جنيف، مدينة متعددة الثقافات، ومتعددة اللغات"كما يسعى القائمون على أنشطة هذه الجمعية إلى عقد ندوة دولية في جنيف حول "الترجمة وحوار الحضارات" وعلمت سويس إنفو أن المساعي لا تزال جارية للإتفاق مع دور نشر عربية وأجنبية لإصدار سلسلة من الكتب والترجمات في مجال الحوار بين الشرق والغرب.تحل الذكرى الثانية لتأسيس عتيدة يوم 30 سبتمبر الجاري، وتتزامن مع يوم الترجمة العالمي، وبإمكان القائمين عليها أن يعتزوا بما أنجزوه، لكنهم يعلمون قبل غيرهم أن هذا الحوار طريق له بداية، والأفضل أن لا تكون له نهاية.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:swissinfo