وجهة نظر : "أعداء الأمة"... تساؤلات ستة
خليل علي حيدر
شعور العرب والمسلمين الدائم بالخطر الخارجي وتربص الأعداء بهم على الدوام، هل هو شعور طبيعي أم ظاهرة تستحق الدراسة والعلاج؟ هل ثمة فعلاً دول "تتربص" بنا وتخطط لتدميرنا والقضاء علينا، أو حتى عرقلة تقدمنا سياسياً واقتصادياً وثقافياً وغير ذلك، أم أننا في مشاعرنا هذه ومخاوفنا ضحايا لمختلف الهواجس والعقد؟! صحيح أن الاستعمار خطط ما خطط وفعل ما فعل. ولكن هل مشاكل العالم العربي والإسلامي، لا تزال يرسم لها "هناك"، ولا تزال كما كنا دائماً الضحية؟! لماذا لا نكترث بالديمقراطية إنْ كانت أميركا لا تهتم بها؟ هل هذه القيم الإنسانية مجرد "مصالح أميركية" كما يسميها القوميون، أو بعض أدوات "الغزو الثقافي" كما يصفها الإسلاميون؟ هل مشاكل شمال أفريقيا (مصر والسودان ودول الشام ومنطقة الخليج وإيران وباكستان وإندونيسيا وتركيا) كلها من مخططات الغرب الاستعمارية والأميركان، أم أن ثمة نحو خمسين دولة إسلامية وأكثر من مليار ونصف المليار إنسان في هذه البلدان يعانون من آلاف المشاكل الذاتية؟ لماذا يلجأ كتاب العالم العربي ومثقفوه دائماً إلى التشهير بمن يسمونهم "أعداء الأمة"، ويعتبر كل مسلم غير المسلمين، وبخاصة أوروبا وأميركا، أعداء حقيقيين أو محتملين له؟ ولماذا تتشابه عقليات الناس في كل العالم العربي والإسلامي في هذا، ويبدأ حديثهم في كل مقابلة عابرة من التحذير من "مخططات الأعداء"؟ لماذا لا يفهم الواحد منهم مشاكله الحقيقية وأسباب تخلف العرب والمسلمين، بدلاً من أن يتهم أوروبا وأميركا وإسرائيل وربما روسيا والصين والماسونية والهندوسية بخلقها؟ من يصدق الطالب البليد الذي يبرر دائماً تخلفه الدراسي بانحياز بعض المدرسين ضده، أو التاجر الفاشل الذي لا يجد ما يلومه سوى العين والحسد، أو الرياضي الذي لا يشفي غليله إلا اتهام الحَكَم! ولكن هل يعني هذا أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، ليست لها سياسات وأهداف "شرق أوسطية" أو عربية أو إسلامية؟ طبعاً لا! وهل يعني هذا أن مختلف دول العالم المتقدم والمتخلف لا رأي لها ولا هدف ولا تصور لأي جانب من جوانب حياتنا؟ طبعاً لا ولكن هذه الملامح الدبلوماسية والسياسية الواقعية شيء، وما يدمر خيوط التفكير السياسي السليم في عقول العرب والمسلمين شيء آخر! وإذا كنا من الضعف والهشاشة بحيث تتلاعب بنا كل السياسات، فنحن نستحق أن نكون في هذا الوضع المتردي، ولا ينبغي أن نشتكي منه للقاصي والداني! في الندوة العربية التي عقدت في القاهرة عام 1991 لمناقشة "تداعيات أزمة الخليج على الوطن العربي"، بعد كارثة احتلال الكويت والحرب التي تلته، عرض د.أسامة الغزالي حرب تصوراً قيماً ورؤية شاملة حول هذا الهاجس العربي الإسلامي الذي يضرب بجذوره العميقة في ثقافتنا. د.حرب قال: أعرف أن أهداف أميركا في المنطقة معروفة ومعلنة. إنها ضمان تدفق النفط العربي بكميات معقولة وبأسعار معقولة للولايات المتحدة والمعسكر الغربي، ثانياً: استقرار النظم الصديقة للولايات المتحدة، ثالثاً: ضمان أمن إسرائيل. هذه مسائل بديهية لا تنطوي على مفاجآت ولا على أشياء غريبة. وتساؤلي الآن، قال د.حرب، موجه إلى الكثيرين ممن تحدثوا في هذه الندوة بلغة معينة عن الأهداف الأميركية، ولي هنا عدة أسئلة: الأول: ما هي أهداف أي دولة من دول العالم في علاقتها بنا؟ ما هي أهداف أميركا وروسيا أو بريطانيا أو الصين أو اليابان في علاقاتها بالعالم العربي؟ ببساطة شديدة أقول: إن كل بلد من هذه البلدان يهدف إلى تحقيق مصالحه، وبالتأكيد لا تتضمن هذه المصالح "إنهاض الأمة العربية" ولا "إنهاض الإسلام". ولا يهدف الغربيون أو الآسيويون إلى إنهاض العرب والمسلمين في مجال التكنولوجيا والعلوم، فهذه ليست مهام هذه الدول، بل هي من واجباتنا. وبالفعل، فالنقطة التي يثيرها د.حرب جديرة بالاهتمام. فالدول الغربية والآسيوية ليست ملزمة بأن تحول الدول العربية والإسلامية إلى دول صناعية منافسة، تماماً كما أن الدول العربية المنتجة للنفط لا تتمنى لأسعاره الهبوط، مهما تسبب ارتفاع أسعاره في مشاكل مالية وسياسية للكثير من البلدان المتقدمة، وللدول الثرية والفقيرة على حد السواء! ولو شئت الاستطراد في الإضافة على كلام د.أسامة الغزالي حرب لقلت: بل إن الدول المتقدمة ليست حتى ملتزمة بتعليم أبنائنا في جامعاتها، ولا تدريب كوادرنا الصناعية والمهنية، ولا تقديم أي سر محفوظ أو شائع من أسرارها حتى لو دفعنا المال مقابل ذلك! وليست كذلك ملزمة بتجنيس العرب والمسلمين في بلادها، أو اعتبار كل من ولد هناك مواطناً أصلياً له حق الانتخاب. فالدول العربية والإسلامية نفسها لا تقدم مثل هذه الخدمات الرائعة للعرب والمسلمين إلا نادراً، دع عنك لمن يهاجمها ويهددها ويعتبرها "دار حرب"!. السؤال الثاني: هل هناك عداء خاص لنا نحن العرب؟ ما هي الخصائص الغريبة فينا التي تجعل العالم يعاملنا بهذا الإصرار على الاضطهاد؟ وبهذا الإصرار على قمعنا؟ هذا سؤال بديهي، قال د.حرب، أطرحه لأني ألمس هذه الروح بشكل مُلفت. هل يمكن أن نقارن ما تفعله أميركا بنا مثلاً بما فعلته أميركا باليابان في الحرب العالمية الثانية وضربها بالقنابل الذرية؟ هل يمكن مقارنة ما حدث لنا في الحرب مع ما حدث في غمار الحرب العالمية الثانية التي هلك فيها عشرات الملايين من البشر؟! بل يمكننا أن نضيف إلى ما يقوله د.حرب: لماذا لا يلتفت المسلمون إلى فضل الغرب علينا؟ ألا يساهمون بشكل رئيسي في تقديم الغذاء والدواء وشتى المعارف للعالم العربي والإسلامي؟ السؤال الثالث: هل يجوز لنا التحدث عن عداء تاريخي وأبدي مع أي جهة في العالم؟ الحديث عن العداء مع جهة وكأنه عداء منذ الأزل وإلى الأبد. هذه مسألة بالنسبة إلى دارس العلوم السياسية، يقول د.حرب، تبدو غريبة. المسألة هي: لا أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، ولكن هناك مصالح دائمة. إذن، متى بدأ العداء لأميركا، ومتى سوف ينتهي؟! أريد أيضاً أن تجيبوا عن هذا السؤال! السؤال الرابع: هؤلاء الذين يتحدثون عن الغزو الصليبي الذي تعرضنا له، لماذا يصرون على أن الذين حاربونا هم فقط الأميركان؟ نحن في لحظة معينة كنا في عداء تقريباً مع العالم كله. لماذا نتجاهل هذه الحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها بشجاعة ولا نكتفي فقط بالتصريح بأننا كنا في عداء مع أميركا؟ ويمكن أن نضيف هنا إلى كلام د.حرب أن العالم العربي يمارس دون دراسة ووعي معاداة الغرب والولايات المتحدة، وما يتعلق بهما من أديان وثقافات منذ أكثر من خمسة عقود أو ربما قرن ونيف. وقد تسابقت كل تياراته السياسية تقريباً في هذا المجال، التيارات القومية والإسلامية واليسارية. واليوم كما هو واضح ندفع الثمن. فقد أضيف هدف استراتيجي رابع إلى الأهداف الغربية والأميركية في هذه المنطقة، إلى جانب حماية النفط والدفاع عن الأصدقاء وأمن إسرائيل.. ألا وهو مكافحة الإرهاب! السؤال الخامس للدكتور حرب نادراً ما يُطرح في حياتنا الإعلامية والسياسية! يقول: لماذا المبالغة في الاستهانة بما يرفعه العالم حولنا من شعارات تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، والمرور مروراً سريعاً على هذا بأن أميركا وأوروبا لا تهتمان لا بالحرية ولا بالديمقراطية أو حقوق الإنسان؟ المسألة، يضيف د.حرب، ليست بهذا التبسيط. في تلك البلاد قوى وجماعات قوية وديمقراطية تتحدث وتدافع عن هذه المبادئ والقيم. وهي ملاذ لنا وبالذات ملاذ المثقفين العرب للدفاع عن الكثير من هذه القيم. هذا الموقف الفكري السياسي الذي يرسمه د.حرب طريف ومحزن في الواقع. لماذا مثلاً لا نكترث بالديمقراطية وحقوق الإنسان إن كانت أميركا لا تهتم بها؟ هل هذه القيم الإنسانية الراقية مجرد "مصالح أميركية" كما يسميها القوميون والتقدميون العرب، أو بعض أدوات "الغزو الثقافي والأخلاقي" كما يعتبرها الإسلاميون؟ ولا يقل السؤال السادس والأخير للدكتور أسامة حرب جرأة ووجاهة! فهو يسأل: هل اختلاف خبراتنا مع الاستعمار الأجنبي له صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الاختلاف بيننا في التقييم؟ أنا عندي إحساس عام، يضيف د.حرب، لاسيما بالنسبة إلى إخواننا في المغرب العربي الذي أثّرت خبرتهم المريرة مع الاستعمار الفرنسي في طريقة تعاملهم مع العالم الخارجي، بشكل يختلف عن الطريقة التي تتعامل بها الشعوب العربية، والتي خضعت لاستعمار بريطاني، بمعنى أن البعد الحضاري والثقافي والشعور بالمرارة الشديدة تجاه الأجنبي يختلفان نتيجة هذه الخبرات. فمتى نجابه مشاكلنا الحقيقية المتراكمة، ونكف عن لوم الآخرين؟ وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:alittihad.ae
|