قضايا المرأة في فكر الإمام الشيرازي

 

 

 

المرأة والإسلام:

حظيت المسائل المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها، وموقعها الإجتماعي، وتحررها، وتعلمها وتقديم الخدمات لها، ورغبة مشاركتها في العمل والإنتاج المادي للمجتمع، بمساحة واسعة من اهتمام الفكر الإنساني (1)، ويرى الإمام الشيرازي أنها نصف البشر، بالنصف التقريبي لا العدد، والإسلام قد أعطاها حقها بما للكلمة من معنى، وبين واجبها ومالها وما عليها، بما فيه صلاح دنياها وآخرتها، فكل زيادة أو نقيصة فيها إفرطٌ أو تفريط.

ويضيف بقوله: إن الأصل في الإسلام التساوي بينها وبين الرجل إلا فيما استثني بالدليل لمصلحة رآها الشارع، فالحرية للمرأة مثل الحرية للرجل في كل أنواع المعاملة ونحوها، فلها الحرية في العمارة والزراعة والتجارة والثقافة وغيرها (2).

ويقول الإمام الشيرازي منذ بداية التاريخ تكونت العائلة أول ما تكونت، من زوج وزوجة، قال سبحانه وتعالى: ( وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )، فقد كان آدم وحواء، ثم ولداهما هابيل وقابيل، وخلق الله لهما زوجين جديدين فلما تزوجا بهما، صار أولادهما أبناء عمومة، وهكذا صار التوالد إلى اليوم (3).

إن اهتمام الإسلام بالمرأة ككائن بشري، جعلها ذا منزلة اجتماعية بعد أن كانت تعامل أسوأ المعاملات، ومسلوبة الإرادة والرأي، رغم أن هناك أمثلة كثيرة توضح دورها في حركة التاريخ وبناء أولى لبنات المجتمع الإسلامي حديث التكوين، وهي فاطمة الزهراء(ع)، حيث اشتركت في الجهاد في سبيل الله بالمعنى الأعم، أي الجهاد الذي كان عليها، مثل الجهاد في الشُعُب، وكان ذلك من أعظم الجهاد (4).

فالإسلام وضع اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وكان الفرد هو أحد تلك اللبنات، ويقول الإمام الشيرازي: أن بصلاح العوائل تصلح وبفسادها تفسد، فتنقية العائلة وتوجيهها إلى الرشاد، تقع في منتصف الطريق، بين صلاح الفرد والمجتمع، الفرد ثم العائلة، ثم المجتمع، ولما كان للعائلة أدب خاص، وميزات مخصوصة.. أرصد لها الإسلام لها شطراً مهماً من التخطيط والتحديد، وعين لها أوامراً ووظائفاً، من أب يعطف، وأولاد يبرون، وأم تحن، وأخوة يتواصلون، وزوج يحسن، وزوجة تطيع.

إن الدين الإسلامي كرم المرأة بعد أن كانت الجاهلية تحتقر المرأة أكبر احتقار، وبقيت على حالتها المتردية، حتى جاء الإسلام فرفع شأنها، ووضعها في موضعها المناسب، وأعاد إليها كرامتها الإنسانية -عملياً لا شعاراً، كما يقول الإمام الشيرازي: فكان ذلك الإحترام من أسباب التفاف الناس حول الإسلام، حيث أنها تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهذا له دوره وانعكاساته على أسلوب الحياة والمجتمع، ويعرض الإمام الشيرازي بعض المشكلات التي واجهت المرأة في المجتمع المعاصر مما أدى إلى احتقارها، حينما حرمها من التعليم ومن حقها في الإرث وحرم الكثير منهن من الزواج ومنعهن عن كثير من حقوقهن الأُخرى، فالتجأت المرأة إلى الثقافة الغربية كبديل عن الثقافة الإسلامية، متصورة إن الحضارة الغربية ستوفر لها ما فقدته في البلدان الإسلامية من حقوقه، ولكنها اكتشفت وبعد فترة قصيرة أن الغرب أساء لها إساءة كبيرة (5).

ومما وضعه الإسلام من أسس راسخة ظلت قائمة عبر القرون، هو استعطاف الإسلام الرجال نحو النساء، في قوالب عاطفية، وعبارات رقيقة استجلاباً للرحمة، واستمطاراً للود والألفة، حيث قال رسول الله (ص): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويضيف الإمام الشيرازي قوله: من طبيعة الإسلام لحقوق المرأة: إن تتكافأ الحقوق، وتقسم الواجبات، فللرجل على المرأة، ما للمرأة على الرجل، حيث يقول الله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) (البقرة: 228).

قد حدد الإسلام موقف كل من الزوجين تجاه الآخر، وأن الأذى سواء صدر عن الزوج أو الزوجة، وما كان لها من العقاب شدة وقسوة، تصفية للجو، وإخلاءً للبيت عن الأذى وتبعيداً للعائلة عن الانفصال(6).

المرأة وحضارة الغرب المعاصرة:

يقول الإمام الشيرازي: أن الغرب التف بعض الناس حوله، في قبال عدم التفافهم حول الإسلام الذي ينفع دنياهم وآخرتهم، مع العلم بأن الناس قد التفوا حول الإسلام في زمن الرسول (ص) وأقبلوا عليه أكبر قبال دين الغرب حيث قال عز وجل: ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً )(النصر: 2)، لأن الغرب أخذ يتظاهر بأنه عالج موضوع المرأة معالجة عصرية، بإعطائها الحرية، وإعطائها التساوي مع الرجل في كل الشؤون، ويستطرد الإمام الشيرازي قائلاً: بينما لم يكن هذا في الواقع علاجاً حقيقياً وواقعياً لموضوع المرأة، لذا نرى عقلاء الغرب أخذوا يتبرون من الفساد الذي سببه هذا العلاج الصوري، ويعتقدون بأنه فوضى.. بل الصحيح والمؤيد تاريخياً وتجريبياً هو: أنه لما جاء الرسول(ص) عالج موضوع المرأة معالجة واقعية وحقيقية، وأعطاها من الحقوق العادلة بما سبب التفاف الناس حول الإسلام.

ويضيف أن الغرب قد أعطى اليوم المرأة حرية مفسدة فساداً شاملاً، وعاث بشخصيتها، وجعلها بضاعة عادية ورخيصة، والى غير ذلك، ويعالج الإمام الشيرازي الأمر بقوله: اللازم إعطاء المسلمين للمرأة الحريات الإسلامية العادلة، التي منحها الإسلام إياها، لسد الباب على الحريات الغربية التي امتزجت بالإنحراف والفساد(7).

يعطي الإمام الشيرازي أدلة علمية مستمدة من الدين الإسلامي والقرآن الكريم بقوله: نعم لا أشكال في أن للمرأة بعض الخصوصيات والميزات،  جعلها الله فيها بحكمته الدقيقة في سنن الحياة، فهي تمتاز على الرجل في درجات العطف والحنان، كما تختص بمراحل الحمل والرضاع، فإنها وإن اختلفت عن الرجل في بعض ما يرتبط بالخلق كأنوثتها وبعض أحكامها الخاصة، إلا أن القاعدة العامة بين الرجل و المرأة التساوي، إلا ما خرج بالدليل، ويتابع الإمام بقوله: من لاحظ تاريخ المرأة قبل الإسلام وقرأ أحوالها في الغرب والشرق إلى يومنا هذا، يرى عظيم اهتمام الإسلام بها، وكيف أعطاها حرياتها وكرامتها وعزها وشرفها، وكيف أخذ بيدها إلى ما يمكنها من التقدم في مختلف مجالات الحياة(8).

إن حضارة الغرب الغابرة (القديمة) مثل الإغريق، كانت تعد النساء من المخلوقات المنحطة التي لا تنفع لغير دوام النسل، وتدبير المنزل، فإذا وضعت المرأة ولداً ذميماً قضوا عليها ومن ذلك قول، (تروبولنغ):كانت المرأة السيئة الحظ التي لا تضع في اسبارطة ولداً قوياً صالحاً للجندية تُقتل، وقال أيضاً: كانت المرأة الولود تؤخذ من زوجها بطريق العارية لتلد أولاداً من رجل آخر، ولم ينل حظوةً من نساء الإغريق في دور ازدهار الحضارة اليونانية سوى بنات الهوى اللاتي كن وحدهن على شيء من التحرج.

ولم تألوا الحضارات القديمة في الشرق والغرب جهداً إلا وأظهرته عن مكانة المرأة ومدى تدنّيها، حتى كان جميع المشرعين يبدون مختلف أنواع القسوة على المرأة، ومن ذلك شرائع الهندوس التي جاء فيها: ليس المصير المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار بأسوأ من المرأة وفي التوراة كانت المرأة أكثر اضطهاداً، فقد ورد في سفر الجامعة أن : (المرأة أمّر من الموت)، وأن (الصالح أمام الله ينجو منها).

كذلك الحضارة الصينية القديمة تدلنا على مدى درجة احترام المرأة أو مستوى تقديرها حيث يقول المثل الصيني وهو خير دليل: (أنصت لزوجتك ولا تصدقها)، أما المثل الإيطالي فيقول: (المهماز للفرس الجواد والفرس الجموح، والعصا للمرأة الصالحة والمرأة الطالحة)، والمثل الإسباني يقول: (احذر المرأة الفاسدة ولا تركن إلى المرأة الفاضلة) ويستطرد الإمام الشيرازي بقوله: هذا ما ورد في شرائع اليونان والرومان وكذلك أحكام القوانين والديانات القديمة(9).

ويعرض الإمام الشيرازي حضارة الغرب قديماً وحديثاً، والأديان والمذاهب والشرائع المختلفة عرضاً تاريخياً وحضارياً، ثم يشير إلى ما خلفه الغرب من أضرار بنظام الأسرة، بقوله: الغرب رغم اعترافه بهذه الحقيقة الإنسانية، وتأييده لهذه التجربة العلمية التي أثبتت صلاحية نظام الأسرة في الإسلام لهذا العصر، وأفضليته لكل العصور حضارياً وبشرياً في الزمن الحاضر، إلا أنه أشاع في أوساط المسلمين، وروج بينهم ثقافة الميوعة والأنحلال، والفساد والإبتذال، وذلك بشتى الوسائل منها التفكك الأسري والأنحلال القيمي، واحلال قيم أخرى كخطوة أولى لإشاعة ثقافة الأنحلال والابتذال(10).

المرأة أساس بناء العائلة:

إن مساهمة المرأة في كل مجالات الحياة هو حق طبيعي ومشروع بما لا يتناقض في ذلك مع الأعراف السائدة في المجتمع والنصوص القرآنية، وفي الإسلام طائفة كبيرة من الآيات والروايات بهذا الصدد، فيرى الإمام الشيرازي : إن الأولاد قد يضعون ثقلهم على الأم، وقد يضعون ثقلهم على الأب، وقد يساوونهما في وضع الثقل، وذلك لعدة عوامل، فوضع الثقل على الأم، لأنها تدير الإقتصاد، أو لأنها شخصية كبيرة سواء بنفسها، أو لأنها تدير التربية، أو لأن الأب يغيب في تجارة أو زراعة أو صيد أو ما أشبه ذلك(11).

وقد قال الإمام الصادق(ع): (إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خصال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن)(12).

ويناقش الإمام الشيرازي أهمية البناء العائلي في الأسرة والإجتماعي في المجتمع، وما تقوم به المرأة من دور في قوله: المرأة كانت ولا تزال تعمل في حقول الزراعة والتسويق والولادة وغيرها وأضيف على أعمالها في الحال الحاضر عملها في المؤسسات الحديثة كالمستشفيات ودور العجزة والمعامل والمصانع ونحو ذلك.

ودعى الإمام الشيرازي لكل من الأمة والدولة إدارة المرأة ككل، إدارة لا تنافي أنوثتها ولا أشتغالها بأمور البيت بما تطابق تلك الإدارة موازين الدين عند المسلمين نقول وذلك ممكن بأمور نذكر منها:

أولاً: يلزم منح الزوجة إجازة بدون مرتب إذا رخص لها بالسفر إلى الخارج لمدة ستة أشهر أو أكثر أو أقل.

الثاني: منحها الإجازة بدون مرتب لرعاية طفلها، وذلك بالحد الذي يكون ملائماً مع البيئة.

الثالث: يلزم تيسيراً على المرأة في مواجهة أعباء الحياة المعيشية أن يرخص لها بأن تعمل نصف أيام العمل الرسمية.

الرابع: يلزم أن يمنح الحق في إجازة للوضع لمدة ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر بعد الوضع وقبله.

الخامس: يلزم توفير دور الحضانة لرعاية الطفل حيث تواجه المرأة العاملة مشكلة ترك أطفالها ورعايتهم أثناء تواجدها في العمل مما يؤثر على استقرارها النفسي أثناء تأدية أعمالها، وكذلك ربما يؤثر على إنتاجها وعلاج هذه المشكلة يتطلب ضرورة التوسع في إنشاء دور للحضانة على المستوى العام في المناطق والأحياء القريبة من محل السكن.

السادس: توفير الأجهزة المنزلية الميسرة إذ أن توفر تلك الأجهزة يمكن للمرأة العاملة من تأدية أعمالها المنزلية بسهولة ويسر.

السابع: توفير السلع الاستهلاكية فإن المرأة العاملة تبذل الجهد الكبير في سبيل الحصول على احتياجاتها من السلع الاستهلاكية.

الثامن: توفير المناخ الملائم لتعلمها وإن كانت كبيرة السن.

التاسع: خدمات المواصلات، فإن المواصلات في العصر الحاضر خصوصاً في المدن الكبار تعد من أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع ككل وخصوصاً المرأة بصفة خاصة.

العاشر: تكوين جمعيات نسائية لمختلف شؤون المرأة كشأن الدراسة، وشأن الخطابة، وشأن تعليم المهن كالخياطة والتطريز ونحوهما.

الحادي عشر: الإهتمام بالأمور الأخلاقية والدينية (13).

ويطرح الإمام الشيرازي فضلاً عن كل ما تقدم حسن العشرة مع المرأة، فهي خليقة بأن تجعل المسكن والبيت آمناً، وتنشأ جيلٌ بلا عقد نفسية كما في قوله: فالإسلام يحرص عليه بالنسبة إلى عامة الناس، فكيف بالزوجين؟.

وقوله أيضاً: أن الطفل ينشأ نشأةً صحيحة سوية خالية من الإضطرابات والعقد النفسية بين عقلانية الأب وعاطفية الأم.

وكيف كان: فمن عقلانية الأب وقيمومته، وعاطفية الأم ورحمتها، تنشأ في الإنسان هاتان الصفتان (الأمر والزجر) وصفة (العطف والحنان).

فالأب يأمر الأولاد بالعمل، ويطلب ترك العمل غير الصالح، وإذا خالفوا، حقّ عليهم العقاب، أما الأم فإنها تعطف على أبنائها أطاعوا أو عصوا، وإن لم تكن بعض الأمهات كذلك، وكما هو الحال عند بعض الآباء الذين لا يمتلكون الحزم والصرامة(14).

إن المرأة ككائن بشري فيها من الإختلاف عن الرجل ما يجعلها تمر بحالات من التوتر والانفعالات خلال أيام الشهر، ربما يفقدها اتزانها، وقد أشار إليها القرآن الكريم وأثبتها العلم الحديث، مما يؤدي إلى اختلال في توازن الأسرة وانحراف عاطفتها لفترة من الزمن، وفي ذلك يقول الإمام الشيرازي: إن المرأة بالإضافة إلى تغير حالاتها  النفسية والبدنية أثناء الحمل والحيض، تطرأ عليها تغيرات بسبب الإفرازات التي تفرزها الغدد مرتين في كل شهر، فإنه تفرز هرمونات تسمى بـ (هرمونات الأمومة) وتبقى فاعليتها لمدة أربعة عشر يوماً أو خمسة عشر يوماً وتصل إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، والمشاهدات تؤكد ذلك، حيث نرى أنها تعامل الجميع كأنهم أولادها الصغار وتملأهم بحنانها، وعطفها، ثم بعد حين تنقلب إلى امرأة أخرى، عندما تبدأ الهرمونات الأنثوية بالإفراز، وعندما تصل هرمونات الأمومة ذروتها ينقلب البيت جحيماً لا يطاق، ويضيف سماحته بقوله: إن تغير الحالات المزاجية تابع لتغير إفراز الهرمونات الداخلية.

إن الإمام الشيرازي أطلق بعض الخصائص على الإنسان، واعتبرها من مختصاته، بما هو إنسان، وهو وحده بحاجة إلى ما يرتبط بالروح الإنسانية، والمرأة هي أحد مكونات هذا المجتمع ولها من الخصائص الإنسانية ومختصاته منها كالهوية، المشاركة الإجتماعية، الأعمال الخلاقة.

وقول الإمام الشيرازي: أن الله سبحانه خلق الإنسان أول ما خلقه إنساناً، وقد دلت على ذلك مختلف الأديان، وقد زود الله الإنسان بأمور خمسة:

1- الفكر

2- النطق

3- الكتابة

4- إمكانية تطوير ما حوله.

5- كونه اجتماعياً (15).

فعليه فإن المرأة كإنسان خلقها الله تعالى لتشارك الرجل بكل الأمور الخمسة، وأعظم مشاركة لها في العمل، والتربية، وإدارة البيت، وإزاء ذلك يقول الإمام الشيرازي في كتابه المتخصص (الاجتماع -الجزء الثاني): إذا وضعت التربية على الرجل، كان خلاف قاعدة البُنْية لهما: حيث أن الرجل للأعمال الخشنة، والمرأة للأعمال الخفيفة، ولعل الحل أن تقسم أوقات المرأة إلى:

1- الإنجاب والتربية.

2- ترفيعها لنفسها بالعلم والصنعة.

3- العمل مع مراعاة الحشمة الكاملة.

ويناقش الإمام الشيرازي أهمية دور العائلة في التربية السليمة للأولاد بقوله: العائلة يجب أن يكون محيطها بحيث يمكن تربية الأولاد، تربية صحيحة وبحيث يتخرج فيه الأولاد:

1- سالمين من حيث الجسم.

2- من حيث العقل.

3- من حيث العاطفة.

ويستطرد بقوله: إن سعادة الزوجين لا تؤثر فقط في سعادة الأطفال، وإن كانت سعادتهما  من شروط سعادة الأطفال، إذ الدار التي فيها الشقاق والتضارب لا تتمكن أن تربي أولاداً صالحين، وعلى أي حال، فالدار المزلزلة لا تتمكن أن تربي الطفل السليم، وأقل ذلك أن لا يتمكن الطفل إذا كبر من المعايشة السليمة مع الناس، حيث امتزجت نفسه بالصخب والتنافر، واللازم بالإضافة إلى هدوء العائلة الصغيرة (الأبوين) هدوء العائلة الكبيرة (الأجداد والأعمام والأخوال) (16).

المرأة وأزمة الحضارة المعاصرة:

تعاني المرأة في الزمن الحاضر أزمات مختلفة شملت المرأة المسلمة والمرأة غير المسلمة على امتداد الكرة الأرضية وفي مختلف المجتمعات الشرقية أو الغربية، النامية أو المتقدمة وتوجز الباحثة (آمال طنطاوي) المعوقات التي تجابهها المرأة في ثلاثة أنماط وهي:

النمط الأول: حيث تكون المرأة باحثة وزوجة مسؤولة عن أسرة، حيث تعيش بعض النساء الباحثات إحساساً دائماً بالتقصير تجاه أسرهن، مما يؤثر على قدراتهن على العمل.

النمط الثاني: يتعلق بتلك النساء اللاتي يضعن أولوية العمل كهدف لحياتهن،وهؤلاء أيضاً لا يسلمن من المعاناة النفسية ومن النقد الإجتماعي وتستنزف طاقاتهن.

النمط الثالث: أولئك اللاتي تشبّعن بما حدده المجتمع بكل مؤسساته من دور تقليدي للمرأة، حيث تصبح متطلبات البحث وشقاؤه بالنسبة إليهن نوعاً من التعسف الذي لا يراعي طبيعتهن الخاصة وطبيعة دورهن في المجتمع (17).

ويرى الإمام الشيرازي أن هناك حواجز نفسية كثيرة تفصل بعضنا عن البعض، وهذه الحواجز لا تظهر في فترة الإختلاط والصداقة والسفرات وإنما تظهر عندما نبدأ العمل الجدي، هذه الحواجز التي تقف جداراً سميكاً يجب أن ننسفها حاجزاً بعد حاجز حتى تتحد وتتلاحم الأمة، ويجب أن نشعر أنفسنا في هذه المرحلة بضرورة  تحطيم الحواجز وذلك بمعرفة بعضنا للبعض الآخر، ونقيّم كل منا للآخر.

ولتوضيح هذه الحواجز الوهمية يتطرق الإمام إلى محاورة مع شاب يتصوّر منافاة الحجاب لعمل المرأة في العصر الحديث فيقول:والمرأة اليوم في الجامعة، دكتورة، ومهندسة، وموظفة، وفي المعمل، ومضيفة في الطائرة، وممرضة، وهل تتلاءم هذه الأعمال مع العباءة؟.

فاللازم إما أن تخرج المرأة من الحياة، وإما تخرج من العباءة، فإن كان الأول غير ممكن، كان من الضروري الثاني، فأن قلتَ ـ والمقصود الشاب ـ  أن آية الحجاب لا تلائم العصر.

قلتُ: كلا، لا تخرج المرأة من الحياة، ولا تخرج من العباءة، قال: وقبل أن تتم كلامك، أليست العباءة (عادة عباسية) أدخلها خلفاء بني العباس في الإسلام؟.

قلت: أنت الآن ناقضت نفسك بنفسك، فإنك قلت (آية الحجاب في القرآن) فكيف تقول إنها عادة عباسية؟.

قال: صحيح، وقد اشتبهت لكن هذا الكلام نفذ إلى ذهني فجأة، ثم قال: فلنرجع إلى كلامنا! فكيف قلت: لا منافاة بين دخول المرأة في ميادين الحياة،وبين العباءة؟ ثم يستطرد الإمام في الحوار قائلاً: لنفرض إذا تخرجت معلمة، أو موظفة أو مهندسة أو دكتورة أو قائد طيارة أو ممرضة أو مضيفة أو نحوها؟

وقلت تكون:

1- معلمة لمدارس البنات.

2- موظفة بالوظائف التي تخص بالنساء.

3- المهندسة تخطط وتصمم.

4- الدكتورة تكون خاصة بالنساء.

5- قائد الطيارة تكون في غرفة القيادة.

6- الممرضة تكون خاصة بالنساء.

7- المضيفة تقدم الطعام والماء، وهي بلباس الحشمة والحجاب.

فهناك مرحلتان:

الأولى: هل بإمكان المرأة أن تدخل الحياة العامة، مع الحجاب ولباس الحشمة،وهذا ممكن، لأنه لا منافاة بين لباس الحشمة والحجاب،وبين الأعمال المذكورة.

الثانية: الشيء المناسب للمرأة، وهو أقرب إلى عفتها وطهارتها (18).

ويرى الإمام الشيرازي العائلة المسلمة بعد اندحار الماركسية والنظريات الأخرى بقوله: أخذت العائلة في التحسن مما ظهر بعض آثاره في الحال وستظهر آثاره الأخرى في المستقبل، إن لم تصادف البشرية انتكاسة جديدة،والتحسن ظهر في:

1- علاقة العائلة، بين الزوجين، وبينهما والأولاد، حيث يكون العطف الأكثر والألفة والمحبة والتعاون الأوفر وتقوى الروابط بين الأقرباء.

2- كون الشمل سيصبح أجمع.

3- كون الرفاه أكثر، بسبب وسائله.

4- في تربية الطفل، فإنها تتحسن بسبب روضة الأطفال والمدارس والجامعات)(19).

ومن أزمات المرأة المعاصرة:

أزمة الزواج:

كان الزواج المبكر هو السائد في المجتمع، والمهور بسيطة إلى أبعد الحدود، فكان الشاب يقتنع بمهر يؤمن الأوليات البسيطة جداً، وكانت والعائلة تتعامل مع الزوجة الجديدة كأبنتهم، أو مع الزوج الجديد كولدهم، وما كانت الدراسة أو الجندية أو ما أشبه تمنع الزواج، ولذا لم تكن حاجة الإنحراف.

ويضيف الإمام أيضاً: كان غالب الناس رجالاً ونساءً يعملون، فلم يكن للبطالة مفهوم، فالرجال كانوا يشتغلون في الزراعة والعمارة والتجارة والكسب والصناعة وفي البساتين، كما أن النساء كُنّ يشتغلن بالإضافة إلى إدارة أمور العائلة، ولم تجد أثر للبطالة بين الناس لأن الجميع كانوا يشتغلون(20).

أما في الوقت الحاضر فقد صار الزواج بشروط مرهقة، سواء من قبل الدولة أو من قبل الناس أنفسهم، فشروط الدولة: السن الخاص، وهو فوق السن الطبيعي الذي جعله الله سبحانه وتعالى، أما عن الناس فقد صارت شروط الزواج معقدة: من مهر كثير، ودار مستقلة، وشغل مهم لمستقبل معيشتهم وما أشبه، مع وجود الموانع الحكومية للأشغال الحرة (21).

ويوجز الإمام الشيرازي أسباب تأخر الزواج بالأمور التالية:

1- انحراف القانون.

2- المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمع.

3- السعي إلى التجمل في قبال القناعة.

4- البطالة المتزايدة.

5- الإفراط في صنع وشراء السلاح.

6- كثرة الموظفين.

7- خروج الحياة عن البساطة بسبب الصناعة والحرص وما أشبه (22).

تحول الشؤون العائلية إلى الخارج:

تحول الإقتصاد والتعليم والتربية والإكتفاء الذاتي وتربية الدواجن وزواج الأولاد وما أشبه ذلك من العائلة إلى الخارج، حيث أن الوحدة الإقتصادية التي كانت تتم في الدار بالغزل والنسيج ونحوهما، تحولت إلى المعامل والمصانع، كما تحول تعليم الأطفال وتربيتهم إلى المدارس والروضات وغيرهما، كذلك الأبوان لا يكلفان في الحال الحاضر بتزويج الأولاد، وإنما نفس الأولاد، هم الذين يختارون لأنفسهم زوجاً أو زوجة حسب صداقة في المدرسة أو غيرها.

تلك الأمور بعضها حسنة يورث السعادة والرفاه، وبعضها سيئة يورث الشقاء والوحشة، واللازم على المصلحين أن يهتموا لتمييز الصالح من الفاسد وتنظيم المجتمع، بحيث يجمع بين الرفاه النفسي والجسدي، وبين الصناعة والتقدم.

ضعف القيم الدينية:

مما ينتج عنه الخوف والقلق كما يقول الإمام الشيرازي فضلاً عن اتخاذ شريك مع الإله الحق، لا يمكن أن يملأ فطرة الإنسان التي تطلب الحق والأمن في ظل ذلك الحق، ورغم اختلاف الآراء والاتجاهات إلا أنهم أرجعوها تارة إلى ضعف الثقافة، و (تولستوي) أرجعها إلى عدم الأمن و(فرويد) أرجعها إلى الكبت، و(ماركس) أرجعها إلى عدم الأمن وإلى الاقتصاد الطبقي..

وبنظر الإمام الشيرازي أن سبب عدم الأمن وكثر الأزمات، هو عدم الدين كعقيدة عند الكثيرين، وتطبيقاً عند آخرين، فإن الدين عقيدة يملئ الفكر، فلا يبقى مجال فارغ حتى يشعر الإنسان بعدم الأمن الفكري، وقد عرفت أن المبدأ والمعاد والرسالة أمور فطرية، أما العدل فهو امتداد للمبدأ في قبال ما أنكره بحجة غير تامة، كما أن الدين شريعة تملئ الحياة، في عباداته ومعاملاته، وأحواله الشخصية، وعقوباته وقضاءه وغير ذلك، وقد أشار القرآن الحكيم إلى ذلك، قال سبحانه: ( أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ ) وقال تعالى: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون َ)(الرعد: 28).

المادية وقلة الكرامة:

يقول الإمام الشيرازي: عادت إلى الظهور الأوضاع القديمة لعالم قديم، وأصبح فيها للمال قوة عظيمة، حتى سحقت طاحونته الكبيرة كل قيمة أخرى، وكل شيء صار يعرض من أجل المال، وبلغت وصمة حب المال، والمكر لتحصيله أعلى طبقات رجال الدولة، وقد نشأ عن قلة شعور الإنسان بكرامة نفسه وشرفه، قلة تقديره لكرامة الغير.

البغاء:

انتشر البغاء على الرغم من أن الإسلام أباح الزواج بأكثر من واحدة، ومن أن العرف كان ينكر البغاء، بحيث كان الرجل الأعزب أو الفتاة بدون زواج، بعد هذا كله، يبدو أمراً شاذاً  جداً، وعلى الرغم من أن الشريعة جعلت حد الزاني المتزوج قاسياً فقضت أن يرجم حتى الموت، على أن الشارع شدد واحتاط في إثبات تهمة الزنا إلى حد لم يمكن معه الحكم بهذه العقوبة (23).

تحديد النسل:

يقول الإمام الشيرازي، لقد ثبت علمياً ظهور الأعراض والأضرار الناجمة عن التعقيم بما يوجب ندم الإنسان في المستقبل على هذا التصرف غير المسؤول في خلق الله. قوله إن تحديد النسل لأجل الخوف من الفقر وسوء الحالة الإقتصادية، مصداق من مصاديق قوله تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِير اً)(الإسراء: 21).

وقول الإمام، ولعل التغيير من حيث الرزق في الآيتين لإفادة أنه لا فرق عند الله سبحانه بين (أن يرزقهم وإياكم) أي: بأن يكون الوالدان سبباً لرزق الأولاد وذلك مثلاً عند صغر الأولاد أو أن ( يرزقهم وإياكم ) أي: بأن يكون الأولاد سبباً لرزق الوالدين كما لو كبر الوالدان، فكلكم عباد الله سبحانه وتعالى، وأرض الله واسعة ورزق الله وافر إلى أبعد الحدود.

ويناقش قوله: ولا يخفى أن تحريض الإسلام على كثرة النسل لم يكن مختصاً بأول عهد الإسلام حيث العدد الضئيل، وقلة المسلمين، بل يعم جميع الأزمنة وإن ازداد عدد المسلمين. وقوله أيضاً: إن الثروة البشرية هي أساس التقدم والرقي لو أحسن استغلالها بدلاً من التذرع بعدم وجود الإمكانات المتاحة، وهذا ما أثبتته تجارب الحياة اليومية من واقع البلدان المتحضرة الغنية وغيرها، ومن هنا كانت أهمية النسل البشري الذي يتأتى من المرأة الولود(24).

حقوق المرأة بين الواقع الإسلامي والشعارات الغربية:

قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ )(البقرة: 228) ، وقال سبحانه: ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ).(الملك: 3)، وقال عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء ً).(النساء: 1).

هذه الآيات وغيرها من الآيات الشريفة، مضافاً إلى الكثير من الروايات الدالة على حقوق المرأة ولزوم احترامها وحفظ كرامتها.

ويقول الإمام الشيرازي من حقوق المرأة في الحال الحاضر، العمل، والمرأة الموظفة تدر الثروة، والمرأة العاملة ولو في المصانع اليدوية، لها قيمة فوق قيمة العاطلة في المجتمع، حتى إن مهرها عند طلب يدها أكثر من غيرها، والعالم لم يستطع أن يحل مشكلة المرأة في العصر الحاضر، حيث أنها إن انشغلت بالحمل والولادة والتربية والأعمال المنزلية فاتها الإقتصاد، وإن انشغلت بالإقتصاد لم تتمكن من إدارة المنزل، والإنجاب والتربية (25).

ويقول الإمام الشيرازي: الرجل منتج طبيعي (أي نوع من الإنتاج)، أما المرأة فإذا كانت منتجة - حسب ادعائهم - ارتفعت مكانتها في العائلة، وكذا في المجتمع بخلاف ما إذا لم تكن كذلك، بل بقيت مربية وربة بيت، فإن عملها وإن كان عملاً رفيعاً، إلا أن المجتمع المادي لا يعيرها تلك الأهمية التي هي للمرأة الإقتصادية.

بينما نرى الإسلام قد جعل للمرأة مكاناً رفيعاً لم يصل إليه الغرب حتى الحال الحاضر، إنّ المرأة الغربية والشرقية أخذتا تشتكيان حشرهن في المعامل والأعمال الخشنة، وفوق طاقتهن، مما سبّب ذبول أنوثتهن،وقد أصبحن وسيلة رخيصة للمتعة والإعلان والدعاية، ولا تحظى كثيرات منهن بدفء البيت.

إن دعاة المساواة والحرية في عالم اليوم يدورون حول المرأة وحقوقها، والمساواة بينها وبين الرجل،ودعاة المساواة وحقوق المرأة الغربيون هم أول من ظلمها حقها، كذلك دعوا إلى نزول المرأة إلى ميدان العمل لمشاركة أخيها الرجل -كما يدّعون- بحجة المشاركة في البناء، ولم يحددوا نوع العمل الذي يجب أن يسند إليها ليتلائم مع طبيعتها النسوية، مما دعا إلى ظهور اشكالات أخرى، فعندما تخرج المرأة للعمل، وغالباً ما يكون عملها في الميادين التي لا يمكنها اصطحاب أولادها، فإنها تترك وراءها بيتاً فيه أطفال صغار بحاجة إلى خدمة ورعاية وليس هناك من يخدمهم ويرعاهم، لأن الأب هو الآخر يخرج كزوجته للعمل، فمن سيقوم برعاية هؤلاء الصغار إذن؟ ومن سيسد فراغ الأم؟!.

ويمضي الشيرازي بقوله: إن شعار تحرر المرأة ماركة تجارية وهي شعارات مزيفة، منها ما خفي، ومنها ما ظهر.. لكن الدافع الأقوى كان دافعاً اقتصادياً بحتاً، حيث أن إطلاق مثل هذه الدعاوى برر على اثر الثورة الصناعية في الغرب، وما نجم عنها من توسع في الدوائر الإنتاجية ووسائلها،وتزايد رؤوس الأموال ونفوذ أصحابها في مراكز القرار ومواطن الدعاية والإعلام، والشيء الذي جعلهم يروّجون لمثل هذه الدعاوى واضح، حيث أن مؤسساتهم الإنتاجية الواسعة بحاجة إلى أيدي عاملة وبأجور منخفضة، حيث أن العمل في مؤسساتهم كان مقتصراً على الرجال، فبهذه المبررات حصلوا على كم هائل من الأيدي العاملة الرخيصة لديمومة إنتاجهم وزيادته بكلفة أقل وذلك عن طريق استخدام النساء كأيدي عاملة رخيصة لتشغيل مؤسساتهم من وراء تلك التبريرات، مضافاً إلى أنهم لترويج بضاعتهم والدعاية لها جعلوا من المرأة آلة رخيصة للإعلان، وهتكوا عزها وسترها بذلك، كما جرّوها إلى الفساد ليحصلوا عن طريقها على الأرباح الهائلة، فكان الهدف من هذه الشعارات الإستثمار الإقتصادي عبر المرأة المسكينة(26).

المرأة والمساواة:

أطلق شعار المساواة بين المرأة والرجل من قبل من يدعون التقدمية، حتى بلغ ذلك درجة الضجيج، ويستمر الإمام الشيرازي في طرح أفكاره بقوله: حتى بلغ ذلك درجة الضجيج، فهل المساواة هي في تشبه المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، والإختلاط المبتذل؟ وأين هي المساواة (27)، وكثرت الدعوات إلى المساواة والحرية المطلقة وأظهرت بعض المنظمات النسوية والداعية إلى المساواة عرض أفكار مترابطة أو  موقف اجتماعي يهدف إلى التغيير، وهي دعوات في مجملها ذات معنى واسع، يرتكز على المطالبة بحق المرأة السياسي والقانوني، وحق الإستقلال الجنسي، وحق تساوي الفرص، وحق تقرير المصير (الحق بالإجهاض واستخدام موانع الحمل)، وقد تشكل كل ذلك نتيجة الاعتراف بالوضع الأدنى للمرأة، والناتج عن التمييز وعدم المساواة (28) ..هذه الأفكار تطرحها إحدى المنظمات الداعية إلى حقوق المرأة وحرية المساواة، وبنفس الوقت تتناسى هذه المنظمة والمنظمات الأخرى ما حصلت عليه المرأة من إساءات في الغرب، منها، ما حصلت عليه من الإبتذال بسبب المساواة، وجعلها في متناول الأيدي بغية الحصول عليها بسهولة لمن أراد ذلك، حالها حال بقية المعروضات، بل قد تُفضّلها بعض تلك المعروضات، لما تجده من صيانة واضحة أثناء العرض، أو ما تسام به من ثمن باهض!!وغاية ما حصلت عليه هو إهانتها، فتارة تستخدم (كعارضة أزياء) وتارة للدعاية التجارية الرخيصة، كاستخدام صورتها على أغلفة الصابون، وأخرى للترويج، كتوظيفها في المحلات التجارية، والى كثير من هذه الحالات التي تحط من قدر المرأة وتجعلها سلعة تباع وتشترى، بغض النظر عن الأشغال الشاقة التي تقوم بأدائها المرأة وهي خارجة عن طاقتها غير مناسبة للطافتها.

ويستطرد الإمام الشيرازي في التعليق على أوجه المساواة بقوله: إذا كانت المساواة تعني التشبه كما يرى البعض، فهذا يعني أن المراد من ذلك هو أن تتخلى المرأة عن أنوثتها للتحول إلى ذكر، وهذا ما يأباه العقل، وترفضه الأنثى، حيث يعني ذلك أن المرأة ستترك دورها لتؤدي دور الرجل... ويضيف حول ظاهرة (التشبه) بكلا الجنسين، فهو منبوذ ومرفوض لماله من أثر سلبي على سير الحياة الطبيعية، ومخالفته للنواميس الطبيعية، وقد نهى رسول الله(ص) عن تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه رأى رجلاً فيه أنوثة في مسجد رسول الله فقال له: أخرج من مسجد رسول الله (ص) يا من لعنه رسول الله (ص)، ثم قال علي(ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (29).

وقول الإمام الشيرازي: إذن تشبه النساء هو غير مساواتهن لهم، فإن تكون المرأة مسترجلة فهو شيء مستهجن، وعلى النساء أن يرفضنه حتى لو فُرض عليهن فرضاً، لأن ذلك يعني أن يفرضُ على المرأة ما لا يناسبها، ولا ينسجم مع عواطفها وخلقتها، وتفصلها عن شخصيتها التي تعتز بها، فتتقمصّ شخصية أخرى لا تلائمها ولا تحقق لها رغباتها، فهي تجد سعادتها في شعورها بأنها في أسرة محترمة تقوم بدورها كأم وكزوجة، ويحميها رجل قوي وهو شيء طبيعي لدى المرأة السوية، لكن هذا الشعور لا يتوافق مع شخصيتها الجديدة بتقمصها لها.

إن رأي الإسلام فيها، هو الصواب الذي يتضمن سعادتها في الدارين، وقد قال الإمام علي بن أبي طالب(ع): (المرأة ريحانة وليست قهرمانة) (30)، لذلك ينهي الإسلام عن تشبهها بالرجال لأنها ستفقد أعز خاصية إلى نفسها، وهي أن ترى نفسها أنثى مرغوباً فيها من قبل زوجها كما أراد الله تعالى ذلك (31).

المرأة والزواج:

يقول الإمام الشيرازي في كتابه (العدالة الإسلامية) : الزواج رباط مقدس في نظر الإسلام، ترتبط به الحياة العائلية أولاً، وتربية الأولاد ثانياً، وتكوين المجتمع ثالثاً، ولذا يهتم الإسلام به أكبر اهتمام، ويدقق في لحاظ العدالة في جميع شؤونه، فيشترط الكفاءة بين الزوجين بادئ ذي بدء، الكفاءة في نظر الإسلام ليست بالمال والجمال والشرف، فإن الإسلام لا يقيم لهذه الأمور وزناً عند الله ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: 13) بل الكفاءة الإسلامية هي المناط، ففي ظله يزدهر العيش،ويخيم الرفاه، وتظل السعادة، أما المال والجمال والجاه فيجب أن تكون سبباً لشد الرباط في المجتمع، لا لتمزيق الصلة، ولتقريب الأفراد بعضهم إلى بعض، لا لتبعيدها بعضهم عن بعض، فكيف يجعلها الإسلام فوارق تفصل طبقة عن طبقة، وجماعات عن جماعات؟ بل يقف الإسلام من هذه الفوارق المزعومة موقف العدو اللدود، ويصب غضبه على من يقيم لهذه الأمور وزناً(32).

وعلى ذلك فالرسول(ص) قال: (من تزوج فقد أعطي نصف العبادة) (33)، وقوله(ص) أيضاً: (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)(34).

إن الإمام الشيرازي يرى أن الزواج في الإسلام هو من أبسط الأمور وأيسرها، ويكفي الرضا وإجراء صيغة العقد لجمع الشاب والشابة، على الوجه الشرعي لينال كل واحد منهما حاجاته النفسية والجسدية (35).

أما الدراسات الأكاديمية فترى أن تكوين الأسرة ضرورة حيوية (بيولوجية) ونفسية ونسق اجتماعي تجمع على أهميته جميع الثقافات بغض النظر عن مصدرها أو زمانها (قديمة أو معاصرة) أو مكانها (شرقاً أو غرباً)، ويعد الإختيار الزواجي الخطوة الأكثر أهمية لتكوين الأسرة، إذ يعكس تأثر الشخص الذي يختار بكل جوانب السياق المحيط به، إضافة إلى كونه -أي الاختيار الزواجي- مقدمة لظواهر عديدة إيجابية وسلبية على السواء، فهو المساهم الأكبر في العلاقة الإيجابية التي تؤكد البحوث وجودها بين الحالة الزواجية والصحة النفسية، ومن ناحية أخرى، يعد الإختيار الزواجي غير الموفق المسؤول الأول عن التفكك الأسري وما ينتج عنه من إصابة الأبناء بالإكتئاب والتأخر الدراسي وانحرافهم وتورطهم في أفعال مضادة للمجتمع أو في تعاطي المخدرات(36).

ويطرح الإمام الشيرازي هنا أهمية الزواج لكلا الجنسين (الرجل والمرأة) بقوله: الزواج نواة البشرية، فلا يتكون الإنسان إلا من زوج وزوجة، والإسلام يحرص الحرص كله على إسعاد الزوجين كموضوع وكوسيلة، فالسعادة للبشر هي المطلب الأول لكل بشر، ثم سعادة الزوجين وسيلة لحياة الأولاد في رغد وهناء، ولذا يقرر الإسلام ابتداء التكافؤ بين الزوج والزوجة، ومرجعها إلى الروحية أكثر من المادية: فيلزم أن يكون الزوجان متقاربين في العقائد، وبعد اشتراط التكافؤ العقائدي، يضع الإسلام قوانين للتكافؤ الخلقي والمادي، كما أن الإسلام ينفي الفروق القبلية والإقليمية وما إليهما، فالمسلم كُفؤُ المسلم، مهما كانت صبغة أحدهما ويضيف الإمام الشيرازي قوله: وبهذه الكيفية يضع الإسلام أول لبنة لحياة سعيدة: زوجان عاقلان كاملان، وهذا هو الميزان الوسط للحياة الزوجة الرفيعة.

ويؤكد الإمام: يلزم مراعاة العدالة بين الزوجات لمن له أكثر من زوجة، كذلك تحصن المرأة عن الخلاعة والإستهتار والتبرج، وبعد العدالة والتحصن يأتي دور النفقات وحسن المعاشرة، فالإسلام يوجب على الرجل القيام بنفقات المرأة، من مأكل وملبس ومسكن، يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها(37).

وترى دراسة (فهد ثاقب الثاقب) أن العلاقة الزوجية علاقة اجتماعية في المقام الأول، وتعتمد بشكل أساسي على المشاركة والتفاعل الإيجابي بين الزوجين، وقد تؤدي الضغوط الداخلية أو الخارجية إلى تصدع العلاقة وربما تؤدي إلى التفكك النهائي(38)، وإزاء ذلك يرى الإمام الشيرازي أنه: لا يزال رب الأسرة الشرقية محافظاً على سلطانه خلافاً لما هو واقع في الغرب، ويمتاز الزواج الشرقي عن الزواج الغربي، بأن الزوج الشرقي هو الذي يدفع إلى أهل الزوجة مهراً متحولاً بحسب ثرْوَتيْهما (39).

.............................

الهوامش :

(1) مساهمة المرأة العربية في الفكر الاجتماعي: سمير إبراهيم حسن، شؤون اجتماعية، العدد 71، خريف 2001

(2) رسالة في أبعاد الفقه: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت، 2001 ص26

(3) فقه الإجتماع: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم، بيروت، 1992 ص30

(4) فاطمة الزهراء أفضل أسوة للنساء: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، دار الصادق، بيروت، 2001 ص28

(5) لماذا تأخر المسلمون: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة الوعي الإسلامي، بيروت 1999 ص138

(6) الأخلاق الإسلامية: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مكتبة نينوى، طهران، (ب . ت) ص77

(7) كتاب المرور: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت 2000 ص50

(8) أم البنين(عليها السلام): الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت، 1999 ص22

(9) موجز تاريخ الإسلام: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت 1998، ص161

(10) المسلمون يتضررون: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت 1999 ص41

(11) فقه الإجتماع: مصدر سابق ص34

(12) تحف العقول: أبو محمد الحسن الحراني، دار شريعت، طهران 1421هـ ص323

(13) فقه الإدارة: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، الشرق الأوسط، بيروت 1992 ص212

(14) الصياغة الجديدة: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة الفكر الإسلامي، بيروت 1992 ص49

(15) فقه الإجتماع ج1: مصدر سابق ص95

(16) فقه الإجتماع ج2: مصدر سابق، ص48

(17) مشكلات الباحثين الشباب: آمال طنطاوي، مجلة المستقبل العربي، بيروت تشرين الأول 1998 ص115

(18) حوار حول تطبيق الإسلام: محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بيروت 1983 ص64

(19) فقه الإجتماع ج2: مصدر سابق ص52

(20) بقايا حضارة الإسلام كما رأيت: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، دار الصادق، طهران 1405هـ ص32

(21) الأزمات وحلولها: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت 1999 ص15

(22) لنبدأ من جديد: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت 1999 ص59

(23) تلخيص الحضارة الإسلامية: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت 1999 ص177

(24) تسعون مليار نسمة: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت، 2001 ص35

(25) فقه الاجتماع: مصدر سابق ص36

(26) المرأة في ظل الإسلام: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت 2001 ص9

(27) المصدر السابق: ص14

(28) النسوية، فكرها واتجاهاتها،: ثورة فرج المساعد، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد 71 صيف 2001

(29) علل الشرائع: ص602 ب385 نوادر العلل ج63

(30) غرر الحكم ودرر الكلم: ص408 ح 938 الفصل الرابع في النساء

(31) المرأة في ظل الإسلام: مصدر سابق ص17

(32) العدالة الإسلامية: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة المجتبى، بيروت 2000 ص26

(33) روضة الواعظين: ص375

(34) وسائل الشيعة ج14، ص3 ب1 ح4

(35) الرجوع إلى سنن الله تعالى: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة الوعي الإسلامي، بيروت 1994 ص36

(36) الاختيار الزواجي: عبد المنعم شحاته، مجلة العلوم الاجتماعية، مجلد 27 عدد 4 شتاء 1999

(37) في ظل الإسلام: مصدر سابق ص108

(38) الخطوبة والتفاعل الزواجي والطلاق في المجتمع الكويتي: فهد ثاقب الثاقب، مجلة العلوم الاجتماعي مجلد 26 العدد 1 ربيع 1998

(39) موجز تاريخ الإسلام: مصدر سابق، ص163