أجيال حقوق الإنسان وموجات
الديمقراطية
الصادق المهدي
كان الرق والاستعمار هما أعلى مظهرين لاضطهاد حقوق
الإنسان، وقد قدم فيهما الغرب اسوأ نكران لكرامة الإنسان وحقوقه
الطبيعية
وفيما بين الحربين الأطلسيتين الأولى والثانية بلغ
اضطهاد الإنسان بالوسائل الحديثة غايته في ظل النظامين الستاليني
والهتلري.
بعد الحرب الأطلسية الثانية، بلغ الإحساس بالذنب
على ما لحق الإنسان من ظلم وقهر مداه، فأثمر ذلك الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان في 1945، كان هذا الإعلان يمثل الجيل اللبرالي لمنظومة حقوق
الإنسان وهو الجيل الأول
ثم اشتبك المعسكران الغربي والشرقي في نزاع
ايديولوجي ركز فيه المعسكر الغربي على مركزية الحرية، بينما ركز
المعسكر الشرقي على مركزية العدالة الاجتماعية.
ومهما كان التشويه السوفياتي للعدالة، فإن الفكر
الاشتراكي استطاع أن ينشر وعيا بقضية العدالة الاجتماعية مما انعكس
عالميا على العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الذي
أبرم عام 1966 متزامنا مع إبرام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
بضغط من المعسكر الغربي، فشكل العهدان الجيل الثاني لحقوق الإنسان.
وكانت الإضافة الحقيقية فيه هي مسألة العدالة الاجتماعية
وأثناء الحرب الباردة، برزت مشاكل عالم الجنوب،
وبرز الاهتمام بحقوق الإنسان الجماعية في تقرير المصير، والتنمية،
والهوية الثقافية. وبهذا دخل الإنسان مرحلة تمثل حقوق الإنسان الجماعية
التي تمثل الجيل الثالث لحقوق الإنسان
واعتبرت الحقوق البيئوية والحق في السلام حقوق
الجيل الرابع التي تسعى للحفاظ على ايكولوجيا الأرض. الإنسان اليوم
يتطلع لكفالة حقوقه بأجيالها الأربعة: الليبرالية، والاجتماعية،
والجماعية، والايكولوجية. هذا التطور تفنده اليوم مواثيق ومعاهدات
دولية تشكل مع بعضها بعضا منظومة حقوق الإنسان العالمية.
كانت الديمقراطية
فيما بين الحربين الاطلسيتين محصورة في أوربا الغربية. ولكن بعد الحرب
الأطلسية الثانية، تمددت في الموجة الأولى في دول المحور السابق أي
الدول التي واجهت الحلفاء في تلك الحرب وهي ألمانيا (الغربية)،
وإيطاليا، واليابان. ثم تمددت في موجة ثانية في جنوب أوروبا وأمريكا
اللاتينية. وتمددت بعد الحرب الباردة في موجة ثالثة في دول شرق أوربا
ودول آسيوية وأفريقية كانت مفتونة بنظام الحزب الواحد، الذي عصفت به
العواصف التي أزالت نمطه السوفياتي. في العالم العربي وبعض العالم
الأفريقي وبعض العالم الآسيوي ما زالت الديمقراطية غائبة ويرجى أن
تنطلق موجة رابعة لتعم الديمقراطية العالم.
المطلب الديمقراطي لا يرتبط بشكل معين للممارسة،
ولكنه يتطلب توافر حقوق الإنسان، وأن يقوم الحكم على المشاركة،
والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. كانت الأيديولوجيات السائدة
في الشارع السياسي العربي لا تأبه بالديمقراطية بل تركز على التنمية أو
العدالة أو التحديث أو الأسلمة أو الوحدة القومية وتضحي في سبيل ذلك
بالحرية. هذا التوجه جسده بأقوى صورة تقرير التنمية البشرية العربية
لعام 2002، والتقارير السنوية التي أعقبته
ولكن بعد تجارب مرة، اتضح للكافة أن التضحية
بالحرية إنما تتيح الفرصة لنخب متحكمة أن ترفع شعاراتها البراقة وتقهر
شعوبها باسمها.
الحرية التي يكفلها النظام الديمقراطي هي الشرط
المطلوب توافره لتحقيق الأهداف العليا في الحياة كالتنمية، والعدالة،
والتأصيل وغيرها.
بعض النخب في البلدان العربية، منذ عهد عبد الرحمن
الكواكبي، ما برحت تبشر بالديمقراطية. واقدمت النخب العربية تعبر عن
تجاوز التبشير بالديمقراطية إلى صياغة برامج ديمقراطية لبلدانها في
طائفة من المؤتمرات مثل مؤتمرات الاسكندرية، وبيروت، وغيرها
ثم انتقلت هذه النخب من صياغة البرامج إلى تكوين
شبكات للنشطاء لتنسيق الرؤى والعمل من أجل مستقبل ديمقراطي كما حدث في
الاجتماع التأسيسي لبناء شبكة الديمقراطية في العالم العربي الذي انعقد
بالدار البيضاء في 16/12/2006 وغيره من الاجتماعات المماثلة التي كان
آخرها اجتماع الخبراء بمركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، الذي انعقد
بعمان في 12/6/2006، كما انعقد مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية والإصلاح
السياسي وحرية التعبير في 25/6/2006. ولكن العشيرة الديمقراطية تواجه
تنافسا قويا من حركات التشدد الإسلامي، التي تقدم أجندة الخلافة
الإسلامية والحرب الشاملة على الاحتلال الأجنبي كأولوية قصوى، وهذه
الحركات ترفض الديمقراطية من منطلق غلوها الإسلاموي.
الأسرة الدولية نفسها وبواقع من مصالحها وأمنها
القومي، صارت تطرح مشروعاً سياسياً للمنطقة في شكل مشروع الشرق الأوسط
الكبير والإصلاح السياسي والتعاون التنموي المرتبط به، لقد انتقدنا هذا
المشروع من قبل في تصوراته وتحالفاته في المنطقة وهزالة الامكانيات
التي وضعت لتنفيذه، هذا علاوة على أن تيار الهيمنة المعبر عن أجندة
الغزاة في الأسرة الدولية، يكتفي بتقديم المواعظ الديمقراطية ويعجز عن
قبول نتائجها في المنطقة.
بدا واضحا في آخر مؤتمرين حضرتهما ومؤتمرات
أخرى أن العشيرة الديمقراطية مطالبة بالتحول من خانة البرمجة والتشبيك
إلى الحركة وتغيير الواقع، وإلا فإن المستقبل سوف تختطفه أجندة الغلاة
أو أجندة الغزاة. كثير من البلدان العربية، حصلت على بعض حرية التعبير،
ولكن الأمر يتطلب الانتقال لحرية التعبير الحركية،
كما تجسدها الاعتصامات، والمواكب، والاضرابات، كوسائل مدنية لتحقيق
الإصلاح الديمقراطي. ما لم يحدث هذا، فإن الاحتقان سوف يؤدي للعنف، كما
حدث في بعض البلدان العربية.
الإصلاح السياسي ككل إصلاح جذري لا يتحقق دون إيمان
وعمل وتضحيات.
التحدي أمام العشيرة الديمقراطية هو الانتقال إلى
خانة التفعيل لتغيير الواقع الداخلي، والواقع الخارجي بتصدي الشعوب
الحرة لإنهاء الاحتلال وصياغة أساس عادل للعلاقة مع الآخر الدولي
.هذا التصدي وحده يمكن منطقتنا من اللحاق بأجيال
حقوق الإنسان، وبموجات الديمقراطية، وبذلك تقدم بديلا عن عجز الواقع
الرسمي، واختطاف الغلاة للمصير، وتحكم الغزاة فيه.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في
المصدر المذكور.
المصدر: الشرق الأوسط
اللندنية-9-7-2006
|