كينيث بولاك مديرقسم الأبحاث والدراسات في مركز سابان للشرق الأوسط يقول :
هناك شبه إجماع على أن طريقة معالجة أمريكا للوضع في العراق فاشلة
يعمل كينيث بولاك مديرا لقسم الأبحاث والدراسات في مركز سابان للشرق الأوسط بمعهد بروكينغز بواشنطن، ويدرس الشئون الإستراتيجية بجامعة جورج تاون. كان بولاك من أشد الداعيين لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ويعتبر كتابه "العاصفة المهددة: حالة غزو العراق" الصادر في شهر أكتوبر 2002 وحقق مبيعات كبيرة أحد أهم الكتب التي نظرت للحرب وأظهرت ضرورتها للأمن القومي الأمريكي. كتب بولاك مؤخرا دراسة بعنوان "التحول الزمني" وتتعلق بما يجب على الولايات المتحدة أن تتبعه من أجل تحقيق النصر في العراق. خلفية كينيث بولاك عمل كينث بولاك مديرا سابقا لشئون الخليج بمجلس الأمن القومي خلال فترة رئاسة كلينتون، ويشمل مجال خبرته العراق وإيران والأمن الخليجي والشئون العسكرية بالعالم العربي. قبل ذلك عمل بولاك في مجلس الشئون الخارجية من 2001-2002، ومحلل بوكالة المخابرات المركزية CIA من 1988-1995. بولاك هو مؤلف لثلاثة كتب شهيرة هي : "المعضلة الفارسية: الصراع بين إيران وأمريكا" و"العاصفة الخطيرة: لماذا احتلال العراق؟" و"العرب في الحرب: الفاعلية العسكرية. حصل بولاك على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة MIT "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" أحد أبرز الجامعات في الولايات المتحدة عام 1996، وعلى شهادة الماجستير من جامعة ييل. التقى تقرير واشنطن بكينث بولاك الأسبوع الماضي في مكتبه بمعهد بروكينغز وهذا نص المقابلة. س - لماذا تعتقد أن الولايات المتحدة قد قررت عقد مباحثات مع إيران حول قضية العنف الطائفي في العراق؟ ج : بولاك من المهم أن نتذكر أن هذه فكرة إيران من الأصل، وجاء قرار الولايات المتحدة في الخريف الماضي عندما استطاع السفير الأمريكي في العراق إقناع رؤسائه بمقابلة المسئولين الإيرانيين وقال أنه من الصعب إبعاد الإيرانيين خارج الصورة، وذلك نظراً لنفوذهم القوي داخل الأراضي العراقية، ومن الممكن التعاون معهم لأننا نحتاج كل نوع من أنواع المساعدة، وفي رأيي الشخصي هذا يعد موقفاً إيجابياً وعمليا. تقرير واشنطن س - ما مدى مصداقية نظرية التعاون الأمريكي الإيراني للسيطرة المشتركة على الوضع في العراق؟ ج – بولاك : أعتقد أن هذا أمر مستبعد كليا، فكلتا الدولتين لهما مصالح متشابهة، ولكننا يجب ألا نبالغ بأن تصل تلك المصالح إلى درجة التطابق، فعلى هذا الأساس لابد أن نفترض أن المواجهة الأمريكية الإيرانية النووية هي شيء مفتعل، وهذا شيء في منتهى الخطورة. تقرير واشنطن س - هل تعتقد أن إيران أصبحت بأي حال من الأحوال تخشى الولايات المتحدة أكثر مما سبق بعدما أعلن مبدأ "الضربة الوقائية" في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة؟ ج - بولاك لا.. لا أعتقد ذلك، فالذي لمسته من تصرفات الإيرانيين في السنوات القليلة الماضية هو أنهم واثقون من أنفسهم إلى درجة الغرور. الإيرانيون يعتقدون أن الوجود الأمريكي في العراق يقيد من الخيار العسكري الأمريكي، وهذا ليس خاطئا بصورة كاملة، إلا أن الوجود الأمريكي في العراق لا يشل الحركة الأمريكية ضد إيران بصورة كاملة. تقرير واشنطن س- ما هو شعورك تجاه تجربة العراق في الأجندة الأمريكية المعلنة لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ ج - بولاك أعتقد أن إرساء الديمقراطية في العراق أمر بالغ الأهمية، إذا ساءت الأمور في العراق أكثر من ذلك لن نجد أحدا يصغي إلى أمريكا. وحتى الشعب الأمريكي سيعتبر تلك التجربة فشلا كبيرا. أما إذا نجحنا في العراق فسوف يعتقد شعبنا أننا قادرون على النجاح في مكان أخر، أما بالنسبة للرأي العام العربي، فالأصوات المنادية بالإصلاح السياسي تري نجاح أمريكا في العراق أمرا بالغ الأهمية، وهناك فريق أخر يتخوف من الإصلاح لأنه يشجع الولايات المتحدة على المضي قدماً بنفس الكيفية في دول عربية أخرى دون مراعاة الظروف المحلية والمناخ السياسي الخاص لكل دولة في العالم العربي. تقرير واشنطن س - ما هي توقعاتك بشأن دراستك الجديدة:" التحول الزمني"، باعتبار حقيقة ما يراه غالبية الأمريكيين من أن طريقة معالجة الولايات المتحدة للموقف في العراق لم تفلح حتى الآن، وأن هناك وسائل أكثر فاعلية، بيد أن الأمور لم تتغير تغيراً ملموساً، فهل لديك قناعة أن هذا البحث الجديد سوف يحدث تغيرات إيجابية على هذا الصعيد؟ ج - بولاك حسناً، أعتقد أولاً أن هذا ممكنا، فالهدف من هذا البحث ينبع من النقطة الأولى من هذا السؤال، فهناك شبه إجماع على أن طريقة معالجة الولايات المتحدة للوضع في العراق فاشلة، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: "ما هي الإستراتيجية الناجعة وما شكلها؟"، فهذا الشيء هو الذي افتقدناه على طاولة النقاش الشعبي، وهناك أناس آخرون على استعداد لأن يقولوا أن هناك وسائل أخرى أفضل، ولكن عندما تسألهم: "ما هي تلك الطرق؟" يتهربون من الرد، ولذا جاء هذا البحث محاولة لتجميع الأطراف الحيادية لرسم إستراتيجية محددة تكون نواة للنقاش حول تلك القضية، وبالنسبة لصانعي القرار، فمن المهم أن تكون هناك فكرة عما يجب عمله في حالة الموافقة على سياسة بعينها، وهذا هو الهدف الأول من هذه الدراسة. وبالنسبة للشق الثاني من السؤال، فأنا أعتقد أن هناك دليلاً على وجود عناصر في الحكومة الأمريكية لديهم الاستعداد لإحداث تغييرات وهناك من قام بالتغيير بالفعل وحققوا بعض النجاح، وهؤلاء يشغلون المناصب الصغيرة في الجيش ووزارة الخارجية وبعض المواقع الأخرى، وهم علي دراية بأمور مثل عملية دعم الاستقرار وطرق مكافحة العصيان المدني، واستطاع بعضهم إحداث تغييرات إيجابية، وفي بعض الأحيان كانوا ينتقلون من تطبيق سياسة فاشلة إلى تطبيق سياسة أفشل! وهذا لا يعني أن هناك أشخاص يعلمون تماماً أن السبل المتبعة ليست مجدية، ولذا فهم لديهم الاستعداد للنظر في البدائل، ويأتي السؤال الملح: "هل سوف يغير هذا من السياسة التي تتبعها إدارة بوش؟"، والإجابة أن هذا التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، سوف يستغرق بعض الوقت بالتأكيد، وهذا يعتبر شيئاً إيجابياً وذلك لأنه عندما تنتهج الولايات المتحدة سياسة زمنية معينة، فإن هناك الكثير من الحلول والمقترحات التي يمكن أن تطبق في تلك الفترة، ومن الممكن أيضاً استنباط الكثير من الأفكار والبدء في تنفيذها، إن لم يتسنى تنفيذها في تلك الفترة المعينة. تقرير واشنطن س - في دراستكم :" التحول الزمني"، اقترحتم أن الحل السياسي هو الأكثر قابلية للتطبيق بالنسبة للمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق، لماذا في رأيكم يجب أن تؤمن الحكومة الأمريكية بهذا الإثبات؟ بولاك أعتقد أن اللجوء إلى استخدام القوات العسكرية الأمريكية الآن هو في رأيي من أسرع السبل إلى حدوث الاضطرابات والمشاكل. والمتمردون العراقيون لا يهدفون إلى تحقيق استقرار العراق، والغالبية العظمى من الشعب العراقي يعلمون ذلك تماماً، ومازال عندهم بصيص من الأمل في تحقيق الاستقرار. وأعتقد أنه يتحتم على الولايات المتحدة والحكومة العراقية الجديدة البدء في تنفيذ عملية انتشال الشعب العراقي من مستنقع الهلاك، حيث إننا فشلنا مرات كثيرة، والأمل لا يزال موجوداً، ولكنه لن يبقى موجوداً إلى الأبد، ولقد بزغ فجر الأمل عندما وصلت القوي السياسة المختلفة في العراق إلى السلطة، ولكن ذلك كان متبوعاً بخيبة أمل كبيرة، حيث إن منحنى شعبية تلك الطوائف السياسة يرتفع عند مستوى معين ثم يبدأ في الانحدار عمودياً بعد ذلك. تقرير واشنطن س- دراستك الجديدة ترى أن الولايات المتحدة أنفقت الكثير من الأموال على محاربة المتمردين، ولم تنفق المال الكافي على إعادة إعمار المناطق التي رحبت بالوجود الأمريكي، وحتى في مناطق مثل كردستان، والتي تميز شعبها بالترحيب بالأمريكيين، لم تخل من أحداث العنف، فهل هذا يعني أن تلك المناطق لديها من القضايا ما يجب أن تعمل على حله؟ ج - بولاك نعم، أوافقك على ذلك، مشكلة العراق تكمن في تعدديته الثقافية والعرقية، وأحداث الشغب في مدينة حلابجة الأسبوع الماضي قد تكون مفيدة، وذلك لحقيقة أن الكثير من الأكراد، حتى الموجودين في السلطة، يقولون أن الحكومة الكردية حكومة فاسدة وبعيدة عن الديمقراطية، وأنها قطعاً تحتاج إلى التغيير، ولهذا فإن تلك الأحداث تعمل كعامل مساعد للإدارة الأمريكية للضغط على الأكراد من أجل الإصلاح. ومع غياب التوتر الداخلي وأعمال الشغب يستطيع قادة الأكراد الإدعاء بأنهم محبوبون من شعبهم، وهذا يلزم الإدارة الأمريكية، الواعية بتلك الأحداث، أن تنتظر ظهور حكومة كردية قوية بدلاً من تعيين واحدة أخرى هزيلة، للتخلص من المشكلة وحسب. تقرير واشنطن س - تقول دراستك إن الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية قد يشجع التيار السلفي الجهادي في العراق، بيد أنه يبدو أن وجود تلك القوات يشجع بالفعل هؤلاء المجاهدين على أعمال العنف مما يخلق نوعا من النتيجة العكسية، فما هو السبيل إلى الخروج من هذا المأزق؟ ج - بولاك أنا أوافق أن هناك نوعاً من رد الفعل العكسي، وأعتقد أن هناك شخصيات كثيرة تكره الولايات المتحدة، ووجودنا هناك يزيد من حدة ذلك الغضب. وأعتقد أن انسحاب قواتنا من هناك سوف يكون طواعية ً وليس موقفاً انهزاميا، والحل هو العمل على إصلاح الأمور، ومن المهم أن ندرك أننا سوف نواجه الكثير من المشاكل لفترة من الوقت، وإذا غرقت العراق في خضم الفوضى فسوف تصبح سمعة الولايات المتحدة في الحضيض! لكن إذا نجحنا في منح الاستقرار لهذا البلد فسوف يكون ذلك سبباً في تحسين صورة الولايات المتحدة وسوف يساعد أيضا على التقليل من الجدل الذي يثيره المجاهدون السلفيون بأن سبب بقاء القوات الأمريكية هو استعمار العراق والاستيلاء على النفط العربي. وأنا على قناعة أن سبب مشاكل السياسة الأمريكية هو التركيز على أهداف قصيرة المدى، وفي هذه الحالة يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة تشجع العنف وحث المواطنين على الانضمام في صفوف المقاومة. تقرير واشنطن س- تستخدم دراستك عبارة: "الاستقرار المستمر"، عند وصف الهدف الذي يجب أن يسعى إليه العراقيون، فهل ممكن أن تشرح هذه العبارة باستفاضة؟ بولاك ج - يعني هذا المصطلح في الأساس أن العراق يحتاج إلى الاستقرار وأن يظل مترابطاً، فنحن نحتاج إلى عراق قادر على الحفاظ على السلام دون الاعتماد كلية ًعلينا، ويجب أن يكون هدفنا الرئيسي هو إنشاء تلك المؤسسات التي يمكن أن توفر هذا الاستقرار، بيد أن هذا يتطلب بعض الوقت، وأنا لا أوافق على أن بناء تلك المؤسسات هو ضرب من المستحيل. وقد أشارت منظمة راند إلى تلك المؤسسات التي يمكن بناؤها أولا. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن-25-3-2006
|