خبيرة أمريكية: كمنظمة اجتماعية وكميليشيا مسلحة... حزب
الله يعتبر الأفضل في العالم
تزايدت دعوات العديد من
المسئولين الأمريكيين السابقين لضرورة إعادة حكومة الرئيس
بوش النظر في سياستها الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط، عل
خلفية تزايد الشعور المعادي للولايات المتحدة في المنطقة
وتراجع موقعها الدبلوماسي على الصعيد الدولي بسبب تلكؤها
في حل الأزمة اللبنانية. من هؤلاء وزير الخارجية الأمريكي
السابق وارن كريستوفر والسفير الأميركي السابق لدى الأمم
المتحدة ريتشارد هولبروك اللذين شدد في مقالين مختلفين
بصحيفة واشنطن بوست على ضرورة استعادة الولايات المتحدة
دورها الريادي في مجال الدبلوماسية الدولية والتعجيل بحل
الأزمتين في لبنان والعراق
وحذر هولبروك من احتمال اتساع
رقعة الأزمتين لتشمل المنطقة الممتدة من مصر إلى الهند،
مستعرضا المشاكل التي تشهدها هذه المنطقة التي قال إنها
حـُبلى بالنزاعات المحتملة
ودعا الرئيس بوش إلى
إعادة النظر في سياساته الخارجية، خاصة وأنها لا تسفر سوى
عن توحيد صفوف أعداء الولايات المتحدة وإحداث فراغ
دبلوماسي دولي تحاول بعض الدول الأخرى استغلاله لتوسيع
نفوذها وتعزيز موقعها الدبلوماسي
وقد أجرى تقرير واشنطن
لقاء مع جوديث كيبر
Judith Kipper كبيرة
الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية
Council on Foreign
Relations
للتعليق على السياسة الخارجية التي تعتمدها الحكومة
الأمريكية الحالية والآثار المترتبة عنها.
تقرير واشنطن:هناك اختلافات متعددة بين
أعضاء مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب الدائرة في لبنان، في
حين نسمع أن جميع الأطراف تشدد على ضرورة تسوية النزاع على
وجه السرعة ووقف إراقة الدماء، ما الذي يتعين القيام به
حاليا من الناحية العملية لتحقيق ذلك بدلا من الخطابات
الفضفاضة؟
كيبر:
أعتقد أن ما تمس
إليه الحاجة هو جهود دبلوماسية دولية كبيرة تتولى خلالها
الولايات المتحدة موقع الريادة للتوصل أولا لوقف فوري
لإطلاق النار، ولتحريك الجماعة الدولية لمساعدات لبنان في
مجال المساعدات الإنسانية والبدء فورا، وأشدد هنا على
عبارة فورا، في عمليات إعادة إعمار لبنان. كما أعتقد أنه
يجب أن تكون هناك قوات دولية كبيرة وتحظى بالثقة، سواء
قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي أو قوات فرنسية بتكليف من
مجلس الأمن الدولي لإضفاء صفة الشرعية الدولية عليها.
فقوات
UNIFEL
لن تكون قادرة على القيام بالمهمة. ويجب أن تكون تلك
القوات الدولية مسئولة ليس فقط عن مراقبة المنطقة الحدودية
فحسب من خلال تواجدها هناك بل التفتيش أيضا عن الصواريخ
البعيدة المدى التي يملكها حزب الله والتي ما زال من
المحتمل أن يستخدمها والتخلص منها
وبالإضافة إلى كل ذلك،
أعتقد أنه قد حان الوقت للرئيس بوش ليأخذ المبادرة لحل
النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن كل ما يحدث حاليا في
المنطقة هو نتيجة عقود وعقود من النزاع وترسب المزيد
والمزيد من التعقيدات التي هي نتيجة مباشرة لعدم تسوية
النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
تقرير واشنطن: يقول العديد من المحليين
وحتى المسئولين الأميركيين السابقين إن أحد الأسباب
الرئيسية لتصاعد حدة النزاع في الشرق الأوسط هو تخلي
الولايات المتحدة عن دورها الدبلوماسي كوسيط للسلام. فمثلا
قال وزير الخارجية الأميركي السابق وارين كريستوفر في مقال
بصحيفة واشنطن بوست إن الأزمة في لبنان وغزة حدثت بسبب
غياب مبعوث أمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
كيبر:
لا أعتقد أن
القضية تتعلق بوجود مبعوث أمريكي أو عدم وجوده هناك، غير
أن يجب القول إن الولايات المتحدة هي صانعة السلام وهي
الجهة الوحيدة التي تعتبرها جميع الأطراف في المنطقة مرجعا
خلال سعيها لتحقيق السلام. فالاتفاق الذي تفاوض بشأنه
الفلسطينيون والإسرائيليون في طابا كان برعاية الولايات
المتحدة، على الرغم من أنه مازالت هناك بعض التفاصيل التي
يجب الاتفاق عليها. وهنا يجب القول إنه يتعين على الحكومات
احترام الاتفاقات التي وقعت عليها الحكومات السابقة، ولا
يمكن العودة إلى نقطة الصفر كلما كان هناك رئيسا جديدا
للوزراء. ومما يدعو للأسف أن الحكومة الأمريكية الحالية في
حقيقة الأمر تجاهلت الاحتمال الذي كان واردا لتحويل
تفاهمات طابا إلى اتفاق رسمي كامل وبالتالي حل المشكلة
الفلسطينية الإسرائيلية دفعة واحدة وبشكل نهائي. لأن هذه
هي القضية الأساسية والمحورية وأدت عبر مرور السنين إلى
إحداث العديد من التعقيدات في المنطقة بما في ذلك ما يجري
حاليا في لبنان.
تقرير واشنطن:تشدد حكومة الرئيس بوش على
موقفها الرافض للتعامل مع الحكومتين السورية والإيرانية،
هل من الممكن التوصل إلى حل شامل ونهائي للأزمة الراهنة من
دون إشراك سوريا وإيران؟
كيبر:
لا، بطبيعة الحال
لا يمكن ذلك. إن الفكرة القائلة
إن الولايات المتحدة لا تستطيع التعامل مع هذا الطرف أو
ذاك لأن سياسة تلك الأطراف لا تروق لنا ولا تعجبنا تعني
أنه لن تكون لدينا سياسة خارجية فعالة، لأن مجال السياسة
الخارجية يعتمد على حل المشاكل مع الأطراف التي لا تعجبنا
ولا تروق لنا وليس مع حلفائنا وأصدقائنا الذين تجمع
بيننا وبينهم مواقف مشتركة.
إن سوريا وإيران لاعبان
مهمان للغاية في هذا النزاع ويجب أن يتم وبكل تأكيد
إشراكهما في حل الأزمة، فإيران تفقد حاليا مصالحها
الإستراتيجية في لبنان، حيث سيتم إبعاد الصواريخ بعيدة
المدى التي وضعتها إيران هناك ليتم استخدامها في حال هاجمت
الولايات المتحدة إيران، لكي تتمكن طهران من فتح واجهة عبر
حزب الله ضد إسرائيل. فإيران إذن تفقد حاليا تلك المصالح
الإستراتيجية، غير أن تستفيد في الوقت ذاته لأنها أصبحت
القوة المسيطرة في المنطقة. ويعتبر حزب الله ميليشيا فعالة
ومدربة بشكل جيد ولديها معدات عسكرية جيدة وعلاقتها
الوطيدة مع إيران تمنح إيران موقفا مرموقا في المنطقة.
وفيما يتعلق بسوريا فإنها وبكل تأكيد بدأت تسترجع بعض
قوتها، فبعدما كان نظام الحكم فيها ضعيفا أصبحت لاعبا
قويا، وبالتالي فإنه أصبح من المهم للغاية التعامل مع
إيران وسوريا.
تقرير واشنطن: وماذا عن حزب الله؟
كيبر:
حزب الله هو
فكرة نتجت عن الغزو الذي قامت به إسرائيل للبنان عام 1982
للتخلص من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما حدث
فعلا. غير أن نتيجة ذلك الغزو الإسرائيلي الذي دفع الشيعة
إلى بيروت هي تشكيل حزب الله وتوغل الإيرانيين إلى هضبة
البقاع، وحينها بدأت سلسلة الاختطافات. فحزب الله هو فكرة
تعبر عن نفسها كحزب سياسي فعال وكمنظمة لتوفير الخدمات
الاجتماعية وكميليشيا مسلحة تعتبر الأفضل في هذا المجال
عبر العالم. فمنظمة الخدمات الاجتماعية والحزب السياسي
سيبقيان، غير أن الأمر غير المقبول هو أن يستمر حزب الله
في الاحتفاظ بالميليشيا، هو ما سيتطلب تقديم المزيد من
المساعدة الدولية للبنان لتحقيق مصالحة وطنية حتى يتمكن
مؤيدو حزب الله وأعضاء الجالية الشيعية الغاضبين والرافضين
للوضع من المشاركة في الحياة السياسية كأي مواطن لبناني
آخر.
تقرير واشنطن: إذا ما أخذنا بعين الاعتبار
جميع القضايا التي قمت بطرحها، كدور حزب الله وسوريا
وإيران وترابط الأزمة الحالية في لبنان بالقضية
الفلسطينية، هل يمكن القول إن المسار السياسي الذي تتبعه
الحكومة الأمريكية الحالية خلال تعاملها مع الوضع في الشرق
الأوسط هو المجال الصحيح والصائب؟
كيبر:
إن جميع الأطراف
الدولية تسعى للتوصل إلى نفس الحل للازمة وهو وقف إطلاق
النار وإرسال قوات دولية، وليس هناك أي أحد يطالب بتفكيك
حزب الله كحزب سياسي ومنظمة لتوفير الخدمات الاجتماعية بل
إن المطالبة تقتصر على تفكيك الميليشيا المسلحة. غير أن
الاختلاف يكمن في كيفية تحقيق ذلك الهدف المشترك، علما بان
هذا المشكل هو مشكل إقليمي ويشكل خطرا يهدد استقرار
المنطقة. ولا أعتقد أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا
رايس ستكون قادرة على القيام بتلك المهمة بمفردها. فالقضية
تتطلب تدخل مجلس الأمن الدولي الذي تعمل رايس من خلاله
حاليا ويتطلب تدخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي
ومجموعة الدول الصناعية الثماني والدول العربية وخاصة
المملكة العربية السعودية، التي اتخذت المبادرة من اليوم
الأول للأزمة، والتي تقوم بدور إيجابي ويحظى الملك عبد
الله بسلطة معنوية ونفوذ كبير. وبعبارة أخرى يتعين تحريك
المجتمع الدولي بكامله لمشاركة الولايات المتحدة في تحمل
العبىء.
تقرير واشنطن: يركز العديد من المسئولين
الأميركيين وغيرهم على ما يتعين على حزب الله القيام به
لحل الأزمة الراهنة، لكن ماذا عن إسرائيل، ما لذي يتعين
على إسرائيل القيام به بدورها لإنهاء الأزمة خاصة ما يتعلق
بالاحتلال وقضية مزارع شبعا والأسرى اللبنانيين لديها؟
كيبر:أعتقد أن هذه
الحرب هي بمثابة خطأ في الحسابات من جانب إسرائيل. من
المؤكد أن الإسرائيليين لا يستطيعون السماح لمقاتلي حزب
الله بعبور الحدود واختطاف الجنود الإسرائيليين وأنهم
كانوا بحاجة للرد على ذلك الهجوم، غير أن مدى ونطاق الرد
كان خطأ في الحسابات، لأنه من الواضح أن الإسرائيليين لم
يتعلموا من دروس الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والولايات
المتحدة في العراق. إن تلك الدروس تفيد بأن القوة
التقليدية وخاصة القوة الجوية لم ولن تستطيع الانتصار على
الجماعات المسلحة أو الجماعات الإرهابية. إن الأمر يتطلب
التوصل إلى حل سياسي. وأعتقد أن تجربة إسرائيل من خلال
احتلالها للبنان مدة ثمانية عشر عاما، ثم تجربة الانسحاب
من لبنان أظهرت عدم نجاحها في التخلص من ميليشيا حزب الله.
وبالتالي أعتقد أن العملية العسكرية الإسرائيلية كانت خطأ
فادحا في الحسابات، كما أعتقد أنه يتعين على الدول العربية
الملتزمة بالسلام، علما بأن جميع الدول العربية ملتزمة
بالسلام، والمجتمع الدولي، الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي ومجلس الأمن الدولي أن تساعد إسرائيل في الانسحاب
من هذه الوضعية التي تخدم مصلحة إسرائيل وتسفر عن قدر هائل
من المعاناة في لبنان، ولهذا السبب يتعين على الولايات
المتحدة التواصل مع المجتمع الدولي بما في ذلك الدول
العربية والمشاركة في تحمل العبء.
تقرير واشنطن: ذكرت قضية استقاء الدروس
والعبر من التجارب السابقة، وسؤالي هنا هو ألم تتعلم
إسرائيل والولايات المتحدة من التجارب السابقة من أنه كلما
استهدفا شخصا أو جهة ما وتعتبرها عدوة لها تزيد شعبية تلك
الشخصية. فخلال غزو العراق لكويت مطلع التسعينات زادت
شعبية الرئيس السابق صدام حسين في الشارع العربي بسبب
وقوفه أمام الغرب على الرغم من أن العديد كان يعارض الغزو،
كما زادت شعبية رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات عندما
قررت إسرائيل محاصرته في مبنى المقاطعة. و الآن شاهدنا
المظاهرات الشعبية في العواصم العربية ترفع فيها صور
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي وصفه
المتظاهرون بأنه بطل العرب والقائد البارز. لماذا لا تستقي
إسرائيل والولايات المتحدة العبرة من التجارب السابقة؟
كيبر: أعتقد أن مدى
محدودية استخدام القوة العسكرية واضح للغاية. ففي ما يتعلق
بالتعامل مع غزو صدام حسين للكويت فإن تلك المهمة كانت
بطبيعة الحال مهمة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة لتحرير
إحدى الدول الأعضاء في المنظمة العالمية. وبكل تأكيد كان
هناك بعض الناس يؤيدون صدام حسين لأنه كانوا ينظرون إليه
على أنه صمد أمام ما اعتُبر بعمل عسكري من قبل الغرب. غير
أن هناك مشكلة في العالم العربي فاستخدام القوة بطبيعة
الحال يجب أن يكون أخر حل يتم اللجوء إليه في السياسية
الخارجية، وكما قلت في السابق فإن القوة العسكرية
التقليدية لا تؤتي ثمارها أمام الميليشيات المسلحة أو
الجماعات المتمردة، لأن تلك الجماعات تنبثق عن مشاكل
سياسية يجب حلها بشكل سياسي. غير أن هناك مأساة كبيرة في
العالم العربي تتمثل في أن انعدام وجود مجتمع مدني ومشاركة
سياسية حقيقية يسفر عن بروز القادة المتسلطون والقتلة
والأشخاص الذين يجنحون إلى العنف كأبطال
وأعتقد أن ذلك
يمثل مشكلة كبيرة في المجتمع العربي. وأود أن أرى الكتاب
والمفكرين والعلماء والسياسيين المنتخبين وغيرهم من
الفاعلين في العالم العربي يبرزون كأبطال وليس الأشخاص
الذين يعتمدون على العنف كوسيلة للحصول على القوة، وهو ما
حصل في حالة صدام حسين والآخرين الذين يستخدمون العنف لكسب
التأييد الشعبي، وهو مشكل في العالم العربي يتطلب إجراء
دراسات والتفكير مليا في كيفية إقامة منظمات المجتمع
المدني ليكون الأشخاص الجديرون بالاحترام والتقدير هم
الذين يستحقون فعلا ذلك التقدير وليس الذين يجنحون
للعنف.
و
كل ذلك بحسب المصدر المذكور.
المصدر:تقرير واشنطن-العدد66
|