تباطؤ الإقتصاد العالمي...هل سيواجهه
الإنتعاش في الاقتصادات الناشئة ؟
جوانا شونغ
في مواجهة تباطؤ اقتصادي عالمي، يلف
الحذر آفاق عام آخر من الانتعاش في الاقتصادات الناشئة
عندما تحدث الأزمات المالية، عادة ما تكون الأصول التابعة للأسواق
الناشئة من ضمن القطاعات التي تتلقى الضربة الأولى والأكثر قسوة، لكن
الوضع بخلاف ذلك هذا العام وفي الواقع، فإن إحدى السمات الأكثر بروزاً
لاضطرابات سوق الائتمان المستمرة، هي الأداء الرائع للأسواق الناشئة
ومرونتها وسط إحدى أسوأ الأزمات المالية في التاريخ الحديث غير أن
الاختبار الحقيقي لقوة القطاع حديث التأسيس تأتي في العام الجديد الذي
بدأ للتو، والذي يتوقع أن يزداد خلاله سوء أوضاع الاقتصاد والسوق
العالمية ويقول مارك بالستون، رئيس شعبة البحث النوعي للأسواق الناشئة
لدى "دويتشه بانك": "لقد تشكلت رؤية إجماعية مفادها أن التغييرات
الهيكلية التي طالت الأسواق الناشئة خلال الأعوام الأخيرة تعني أن فئة
الأصول لا يمكن مقارنتها بفئة الأصول المليئة بعناصر التأزم، التي كانت
موجودة في الماضي" ويتابع: "إننا نؤيد هذه الرؤية، لكننا في الوقت ذاته
نقر أيضاً بأنها لم تخضع للاختبار حتى الآن. و2008 يمكن أن يكون العام
الذي تتعرض فيه المرونة المتطورة للأسواق الناشئة للاختبار الحقيقي"
وهناك عدة أسباب تبعث على التفاؤل، منها أن الأزمة الحالية، خلافا
للعديد من الأزمات في الماضي، نشبت في العالم المالي الغربي وليس في
الأسواق الناشئة، التي تتمتع بمسيرة قوية لخمسة أعوام متتالية. لذلك،
على الرغم من سيل الأنباء السيئة الذي ينطلق من أسواق الائتمان منذ
الصيف، يواصل المستثمرون ضخ الأموال في صناديق الأسواق الناشئة وطبقاً
لـ "إيه بي إف آر جلوبال" التي ترصد تدفقات الأموال العالمية، تمثل
تدفقات الفصل المالي الرابع إلى داخل الحساب الجاري للأسواق الناشئة 57
في المائة من إجمالي التدفقات القياسية السنوية حتى العشرين من كانون
الأول (ديسمبر) الماضي، والبالغة 44.5 مليار دولار
ويقول براد دورهام، المدير الإداري لـ: "إيه بي إف آر جلوبال" إن
التدفقات يتم تعزيزها عبر شهية المستثمر للنفاذ إلى داخل الأسواق
الناشئة الأكبر حجماً بما فيها أسواق Brics
(البرازيل، روسيا، الهند، والصين) وكسب مؤشر الأسواق الناشئة
MSCI 30.2 في المائة منذ كانون
الثاني (يناير) 2007. أما توزيع مخاطر ديون الأسواق الناشئة، كما قيس
بواسطة مؤشر EMBI+ التابع
لـ "جيه بي مورجان"، فقد بلغ 234.5 نقطة أساس فوق سندات الخزانة
الأمريكية ـ وهو مستوى منخفض بالمعايير التاريخية.
وجانب من هذه الحالة النفسية المبتهجة للمستثمر تغذيها حقيقة أن
الاقتصادات الناشئة ـ باستثناء القليل منها ـ في هيئة أفضل الآن
للتعامل مع أية أزمة مالية سابقة. والعديد من الحكومات التي تعكف على
تسديد ديونها العامة، تدير موازنات عامة وفوائض في الحساب الجاري،
ولديها احتياطيات نقد أجنبي قوية. وكمجموعة، تعد الأسواق الناشئة دائنة
صافية للولايات المتحدة.
العديد منها مصدره للسلع، والعديد من السلع يشهد ارتفاعات هائلة في
الأسعار في الأعوام الأخيرة. وانتعاش السلع يمثل أحد الأسباب التي تمكن
إفريقيا من جذب الاهتمام المتنامي للمستثمرين. ومن المتوقع أن يستمر
هذا الاتجاه خلال العام الجديد، كما يقول المحللون وفضلا عن ذلك، من
المحتمل أن تلعب آسيا الناهضة السريعة النمو، بما فيها الصين والهند،
والشرق الأوسط الذي يفيض بالسيولة، دوراً رئيساً متزيداً في أسواق رأس
المال العالمية في الأعوام المقبلة وفي الواقع، بعض المستثمرين مقتنعون
بأن الاقتصادات في بقية العالم لم تعد مرتبطة بالولايات المتحدة مثلما
كانت في السابق وبالتالي، حتى ولو تباطأ الاقتصاد الأمريكي فإن بقية
العالم لن يعاني ذلك، خاصة الصين والهند ويقول شينغ أولريخ رئيس الأسهم
الصينية لدى "جيه بي مورجان سيكيورتيز"، إنه على الرغم من أن مصير
الاقتصاديين الصيني والأمريكي مرتبط بعضها مع بعض، فإن مساهمة الولايات
المتحدة في نمو الاقتصاد الصيني تراجعت في السنوات الأخيرة ومع ذلك،
فإن مقدرة الصين والأسواق الناشئة الأخرى على اجتياز هذه المحنة بسلام
خلال العام المقبل تعتمد إلى حد كبير على مدى حجم الأزمة في الأسواق
المتقدمة، والتي ربما تكون من أعمق مما هو متوقع ويرى إرناب داس،
الرئيس العالمي لأبحاث الأسواق الناشئة لدى "دريسدنر كلينورت" أن "هناك
عملية تحطيم ملحوظة للثروة تحدث في قطاعي الأسر والمال".
ويضيف: "سيكون عاماً قاسياً على نطاق العالم، في ضوء التباطؤ الاقتصادي
في الولايات المتحدة ومجموعة السبع وتزايد مخاطر الركود في الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة. وسيتطلب ذلك من الأسواق الناشئة، ولا سيما
الكبرى منها، أن تصبح أكثر اعتمادا على الطلب المحلي" وبلدان الأسواق
الناشئة كانت بالفعل أقل اعتمادا بدرجة كبيرة على النمو الأمريكي في
الماضي، والتجارة البينية في الأسواق الناشئة حالياً تفوق التجارة بين
الأسواق الناشئة والدول الصناعية، كما يقول أسامة هيماني الاستراتيجي
لدى "يو بي إس" ويقول بيتر إيردمانس من "إنفيستك أسّت منيجمنت": "الزعم
بأن الأسواق الناشئة محصنة ضد التباطؤ الأمريكي خطير للغاية" ويصيف:
"أننا نتوقع حدوث تباطؤ في الأسواق الناشئة، إضافة إلى التباطؤ
الأمريكي والأوروبي، لأن جزءا كبيرا جداً من الصادرات ما زال يصل إلى
أيدي المستهلك الغربي"
وإضافة إلى ذلك، فإن الارتفاع المستمر في التضخم يشكل الآن هاجساً في
عدد من الأسواق الناشئة. ويعود ذلك جزئياً إلى التدفقات الضخمة إلى
الداخل، الناتجة عن تدفق التجارة والاستثمارات على البلدان الناشئة.
فضلا عن ذلك، فإن الأسعار العالية للسلع، الطاقة، والمواد الغذائية،
المترافقة مع تراجع الدولار الذي ترتبط به العملات الوطنية للعديد من
الأسواق الناشئة، يهدد باستيراد ضغوط تضخمية أكبر، حسبما يقول داس وفي
حال حدثت صدمة في أسعار السلع سيلحق الأذى بمجموعة من الاقتصادات،
خصوصا في أمريكا اللاتينية، بما فيها البرازيل، فنزويلا، كولمبيا،
والأكوادور وأي مزيد من تردي الأوضاع المالية يمكن أن يضع ضغوطا أكبر
على الاقتصادات المعرضة لظروف ائتمانية صعبة، بما فيها كازاخستان
والعديد من اقتصادات شرقي أوروبا.
وأصول الأسواق الناشئة الآن أعلى تكلفة مما كانت قبل عام. فأسهم
الأسواق الناشئة يتم تداولها الآن "بتكافؤ" مع أسهم الأسواق المتقدمة،
وديون الأسواق الناشئة أعلى تكلفة قياسا إلى الائتمان الأمريكي، كما
يقول مايكل هارتنت، استراتيجي أسهم الأسواق الناشئة العالمية لدى
"ميريل لينش" وبالنظر إلى المخاطر والتقلبات المحتملة، ربما يتجه
المستثمرون بشكل متزايد للتمييز بين استثماراتهم في 2008 وعدم معاملتها
بشكل متساوٍ وبعبارة أخرى، التفاؤل بازدهار للعام السادس على التوالي ـ
سيكون غير مسبوق ـ محفوف بقدر كبير من الحذر.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:aleqt-2-1
-2008
|