سوق المال و وبورصات الأوراق المالية

 

 

هلْ يجهل ام يتجاهل المسئولون عن الإقتصا ؟

الحكمة الذهبية التي تتحكم في سوق المال و وبورصات الأوراق المالية‏,‏  ... ولماذا ؟

الخوف والطمع يتصدران الاستثمار في البورصة

لاشك أن أي مراقب لسوق رأس المال وبورصات الأوراق المالية‏,‏ يلاحظ مع استمرار متابعته لطبيعة سلوكيات المتعاملين أو لكل من له صلة مباشرة بالبورصة‏,‏ بوجود انفعالات لها طبيعتها الخاصة والمتفردة بخلاف ما يرتبط أحيانا كثيرة بتلك الانفعالات من آثار نفسية قد تترتب عليها أعراض أحيانا ما يمكن وصفها بأنها أمراض نفسية أو علي الأقل تعطي نوعا من الخصوصية السيكولوجية للمتعاملين في البورصة‏.‏

إن أغلب الدراسات التي سعت إلي دراسة الخصائص النفسية والسلوكية للمتعاملين كان هدفها الأساسي والرئيسي هو محاولة دعم خطط الترويج والتسويق لتلك الشركات التي يمكن أن تطرح للاكتتاب فيما يعرف بعمليات الترويج‏,‏ أما الجانب الآخر من الدراسات فقد اهتم بدراسة خصائص وسلوكيات المتعاملين بغرض محاولة اقتناص فرص العائد غير العادي أو علي الأقل اختيار الوقت السليم والمناسب من منظور خصائص المتعاملين بهدف تعظيم العائد أو محاولة تقليل الخسائر‏,‏ بحيث إن الهدف الوحيد لتلك الدراسات هو مساعدة متخذ قرار الاستثمار خصوصا في تلك الأسواق التي تتأثر كثيرا بخصائص المتعاملين الإنسانية التي في أغلب الأحوال توجد في البورصات العريقة والناشئة دون اختلاف‏.‏

إن بورصة الأوراق المالية هي في أصل طبيعتها كأي سوق تقوم في جوهرها علي خدمة المتعاملين من أشخاص تحكمهم العديد من العلاقات والخصائص المعقدة التي تتأثر كثيرا بخصائص كل فرد وظروفه النفسية‏,‏ بل يمكن القول إن البورصة تعتبر من البيانات الاجتماعية المتفردة في المجتمع التي تتأثر كثيرا بخصائص الإنسان المتعامل لأنها تقوم علي تجارة الفكر والمعلومات التي تتأثر بصورة كبيرة عند قراءتها وتحليلها بخصائص متخذ القرار النفسية والإنسانية‏,‏ ويكفي أن نعطي مثلا بسيطا لتأكيد ذلك وهو مفهوم مخاطر الاستثمار وقيامه وتحديده في البورصة‏,‏ الذي يقوم في جوهره علي الخصائص النفسية للمتعامل‏.‏ فكما نقرأ في الأدبيات الاقتصادية أن هناك ثلاثة أنواع من المستثمرين في سوق المال أو البورصة ‏:

أولهم المستثمر المحب للمخاطر وهو الذي يمتلك الجرأة والخصائص النفسية التي تجعله يتخذ قرار الاستثمار بصورة سريعة وحازمة دون النظر أو الاهتمام كثيرا بإجراء دراسات طويلة أو دقيقة‏,‏ والمستثمر الثاني هو المستثمر المتحفظ أو كاره المخاطر الذي يحرص دائما علي التروي في اتخاذ القرار والبطء والتعمق في الدراسة والبحث‏,‏ وهناك أخيرا المستثمر الوسط الذي يميل ما بين التحفظ وحب المخاطرة‏.‏ أي أن الأصل في تصنيف المستثمرين يقوم علي الخصائص الإنسانية والنفسية أو ما يطلق عليه فنيا اسم الخصائص السيكولوجية‏.‏

في دراسة منشورة بالمركز العربي للدراسات المستقبلية أشير إلي أنه بدأ الاهتمام بسيكولوجية البورصة عقب الكارثة التي تعرضت لها بورصة وول ستريت يوم الاثنين‏19‏ تشرين الأول عام‏1987,‏ وكانت هذه الكارثة كبيرة بحيث سمي ذلك اليوم الاثنين الأسود‏,‏ فقد بلغت الخسائر في ذلك اليوم‏500‏ مليار دولار‏,‏ وهي خسائر يمكنها أن تؤدي لانهيار وول ستريت ومعها الاقتصاد الأمريكي لو أنها استمرت علي تلك الوتيرة إلي اليوم الثاني‏,‏ مهما يكن فقد كان ذلك اليوم مناسبة لانطلاقة الدراسات النفسية حول البورصة‏,‏ وتحديدا حول سلوك المضاربين فيها والعوامل النفسية المؤثرة في هذا السلوك‏,‏ وذلك وفق الطريقة الأمريكية التي تحاول الانتفاع من كل ما هو متوافر لها‏.‏

من أهم هذه الدراسات واحدة قام بها روبرت شيلر من جامعة بال قام فيها بإجراء استفتاء لألفين من المستثمرين يستطلع فيها آراءهم حول أسباب حدوث الاثنين الأسود محددا لهم الأسباب التالية‏:‏

‏1‏ ـ رفع مصرف كيميكال بنك لسعر فائدته‏,

2‏ ـ إعلان أرقام العجز في الميزانية الأمريكية‏,

3‏ ـ الهجوم الأمريكي علي محطة نفط إيرانية‏,

4‏ ـ عوامل داخل السوق نفسها‏..‏ أجاب عن الاستفتاء‏1000‏ مستثمر ومالت غالبيتهم إلي تأكيد أن السبب يعود إلي عوامل داخل السوق نفسها‏,‏ حيث ذكر المستفتون ببوادر هذه العوامل في‏1987/10/12(‏ أي قبل بضعة أيام من الاثنين الأسود‏)‏ يوم ظهرت تقلبات في السوق‏,‏ كانت مقدمة للاثنين الأسود‏.‏

وتستوقفنا في المجال دراسة أخري أجراها الباحث السيكولوجي ستانلي شاكتو من جامعة كولومبيا‏,‏ وفيها تناول العلاقة بين القيمة الفعلية الموضوعية للسهم وسعره المتداول‏,‏ فوجد أن سعر السهم يحدد بناء علي الآراء التي تسود السوق حوله وليس بناء علي قيمته الفعلية‏,‏ وخلص شاكتو لتأكيد أن سعر السهم يحدد بناء علي الشائعات والدعاية وصورته في السوق وغيرها من العوامل النفسية التي يمكنها استغلال العديد من المعطيات الاجتماعية والمعلومات والتوقعات وتوظيفها في هذا الاتجاه أو ذاك‏,‏ وهذه نتيجة خطيرة‏(‏ لأنها تجعل من البورصة مكانا آمنا لممارسة النصب‏)‏ لكنها حقيقية‏.‏

أما الباحث فيرتون سميث‏(‏ جامعة أريزونا‏)‏ فقد انتقل من صعيد المراقبة إلي صعيد التجريب‏,‏ فأراد تحديد العوامل التي من شأنها إثارة طمع وخوف المستثمرين‏,‏ فقام بجمع عدد من طلابه وجعلهم يضاربون في بورصة مفترضة‏,‏ فوجد أنهم كانوا يطرحون الأسهم بأسعار أكبر كثيرا من قيمتها الفعلية‏,‏ مما يؤدي لازدهار السوق‏,‏ إلا أن الأسهم لا تلبث أن تعود لقيمتها الفعلية وتنهار‏,‏ وبذلك تحدث دورات ازدهار وهمية تسمي فقاعات السوق‏,‏ وظن سميث أن هذه الفقاعات ناتجة عن جهل الطلاب بطبيعة مسار البورصة‏,‏ لذلك أعاد التجربة علي مستثمرين حقيقيين ففوجئ بأنهم ولدوا فقاعات أكبر من تلك التي ولدها طلابه‏.‏

وكانت لهذه الدراسة نتيجة تحولت إلي نصيحة ذهبية للمسئولين عن الاقتصاد‏,‏ وهذه النصيحة هي‏:‏

لا يمكننا الاعتماد علي حكمة المستثمرين والمضاربين ولا علي خبرتهم‏, وهي قاعدة لا يزال معمولا بها حتي اليوم‏,‏ كما وجد سميث أن الخبراء بين مضاربيه كانوا يدركون حقيقة الفقاعة‏,‏ إلا أنهم كانوا يدخلون في المضاربة طمعا في الربح لكن‏15%‏ فقط من بين هؤلاء الخبراء كان يحسن الانسحاب في اللحظة المناسبة‏,‏ أي قبل هبوط الأسعار وبالتالي الخسارة‏.‏

أما الباحث ديفيد دريمن فقد اعتمد الأسلوب الاستقرائي في كتابه المعنون الاستراتيجية الاستثمارية المعاكسة وفيه يري أن الانهيارات المالية تحدث وفق ذات الوتيرة منذ قرون‏,‏ إذ يبدأ الأمر بشائعة عن أشخاص حققوا مكاسب خيالية في مجال استثماري معين فيحصل الازدهار الذي يستمر حتي ظهور شائعة مضادة فتنهار الأسهم‏,‏ وبمعني آخر فإن دريمن لا يحصر الأمر بالسيكولوجيا عامة بل هو يخصصه بفرع منها هو سيكولوجيا الشائعات‏.‏

الآن والاقتصاد الأمريكي يعاني أزمة حقيقية‏,‏ يعترف بها المسئولون ويضخمها بعض المعلقين‏,‏ فلنحاول تطبيق مبادئ الاستقراء علي هذه الأزمة علنا نتمكن من استشفاف مستقبلها‏,‏ فبالعودة إلي يوم الجمعة في‏2000/4/14‏ نجد أن بورصة التكنولوجيا ناسداك قد تعرضت لهزة قوية‏,‏ ونجد أن بورصة الأسهم التقليدية وول ستريت قد تأثرت بهذه الهزة‏,‏ الأمر الذي يجعلنا لا نفصل بين البورصتين‏,‏ كما نلاحظ الشبه بين التغيرات الحادة في ذلك اليوم وتغيرات‏1987/10/12‏ التي سبقت الاثنين الأسود‏,‏ وهذا قد يفسر لنا أسباب تأخر ظهور الهزة التالية حتى الآن‏,‏ إلا أن مراقبة المؤشرات الاقتصادية الأمريكية تشيرإلي تراجع فعلي خلال الفصلين الأخيرين من عام‏2000,‏ أي إلي بداية يونيو‏,‏ حتي وصل الأمر إلي شكوى تجار التجزئة من الانخفاض الحاد في مبيعاتهم‏,‏ الأمر الذي يعكس بداية خوف الأمريكي العادي من الأزمة‏,‏ ومعه الرغبة في الحد من إنفاقه والمحافظة علي مدخراته‏,‏ وهذا بحد ذاته يشكل تحديا لبوش وللثلاثي جرينسبان ـ ليندسي ـ أونيل‏.‏ وهو تحد مقبول من الفريق‏,‏ حيث انتقل من التوقع إلي الفعل‏,‏ فكانت خطوات جرينسبان بخفض الفائدة بمقدار نصف نقطة لمرتين متتاليتين خلال أقل من شهر‏(‏ كما أشرنا‏).‏ أما بوش فقد باشر بطرح المرحلة الأولي من مشروعه لخفض الضرائب‏,‏ وهي تتعلق بخفض يصل إلي‏1.3‏ مليار دولار سنويا‏,‏ وبمعنى آخر فقد بدأ الفريق يضع المال في جيوب الأمريكيين لتحصينهم من الصدمات القادمة‏,‏ ولاستيعاب خوفهم من المستقبل‏.‏

في المقابل نلاحظ صعود اليورو‏..‏ يتوقع مساواته للدولار نهاية مارس المقبل‏,‏ ومع هذا الصعود تحسن كبير في توقعات الأسواق الأوروبية ومستقبل اليورو وجذب الاستثمارات باتجاه أوروبا‏.‏

فهل تتحمل السوق الأمريكية هذا الازدهار الأوروبي؟

الجواب هو نعم لثقة الأمريكيين بقدرتهم علي التحكم في الاقتصاد الأوروبي‏,‏ حيث النفط هو أداة التحكم الرئيسية‏,‏ وبإمكان الأمريكيين لجم السوق عن طريق الزيادات المدروسة في أسعار النفط‏.‏

إن هذا التحليل يعني اللقاء بين المصالح الأمريكية والعربية‏,‏ كما يعني استعدادا أمريكيا للمشاركة مع العرب‏,‏ ومع ذلك فإن علي العرب البقاء خارج اللعبة‏,‏ فمن غير المسموح لهم تحديد أسعار نفطهم وفق الحسابات العادلة لمستويات التضخم العالمية‏,‏ ولا هم في وضع المطالبة بإدراج النفط ضمن سلع منظمة التجارة العالمية‏,‏ فهذا الإدراج يجعل أسعار النفط خاضعة للعبة السوق وخارجة عن السيطرة الأمريكية‏,‏ ومع ذلك فإن مراجعة سياسة .

وكل ذلك بحسب المصدر المذكورنصاً ودون تعليق .

http://ik.ahram.org.eg/IK/ahram/2004/4/19